الجمعة 24 شوال 1445 ﻫ - 3 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

حرب النفط.. إيران بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها

يراهن النظام الإيراني المثقل بالعقوبات الاقتصادية الأميركية وكذلك بتفشي وباء فايروس كورونا الذي شل اقتصاد البلاد وفتك بالآلاف من المواطنين، على وجود متنفس جديد للتموقع مجددا في الخارطة الجيوسياسية، إقليميا ودوليا عبر الاستفادة من حرب أسعار النفط الدائرة بين المملكة العربية السعودية.

 

وتحاول إيران اختراق الحرب المندلعة مؤخرا بين السعودية وأوبك من جهة وروسيا من جهة أخرى، كون طهران كانت المتضرر الأكبر في منطقة الشرق الأوسط من العلاقات الوثيقة بين الرياض وموسكو طيلة السنوات الماضية.

ولا تزال حرب أسعار النفط التي تشهدها الأسواق العالمية مستمرة حتى اللحظة، في ظل عدم وجود أي بوادر لانفراج الأزمة وتوصّل طرفي الحرب لاتفاق حول حجم الإنتاج.

استفحال الأزمة

وتشير آخر التقارير الصادرة الاثنين، إلى أن أسعار النفط ستظل دون أربعين دولارا للبرميل هذا العام، إذ تقوّض الإجراءات الرامية لوقف الانتشار العالمي فائق السرعة لفايروس كورونا الطلب، في حين يفاقم انهيار اتفاق لأوبك مع تخمة في الإمدادات آخذة في الزيادة.

ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن الصراع بين السعودية وروسيا حول النفط سيكون له آثار على العديد من البلدان، وخاصة دول الشرق الأوسط التي يكتسي فيها النفط أهمية بالغة بالنسبة لاقتصاداتها.

وانطلقت الأزمة التي ترى فيها طهران نافذة للاستفادة، بعد اتخاذ السعودية قرار تخفيض سعر النفط ردا على معارضة روسيا خفض الإنتاج للتعامل مع الانخفاض العمودي في الاستهلاك بسبب انتشار فايروس كورونا، الذي أدى إلى تباطؤ كبير في الاقتصاد الصيني، أكبر مستورد للنفط في العالم.

وأدت هذه الخطوة إلى كسر التحالف القائم بين الدولتين الذي كان الهدف منه مواجهة التحدي الذي يفرضه النفط الصخري الأميركي.

ويقول أليكس فاتانكا الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن اندلاع حرب الأسعار بين روسيا والسعودية يعد متنفسا لإيران التي لم تكن مرتاحة بسبب العلاقات الوثيقة التي جمعت موسكو والرياض على امتداد السنوات الأخيرة.

لكنه يستدرك بالقول إن إيران لن تحقق أي فوز جيوسياسي جراء تواصل الخلاف السعودي الروسي، مستدلا بأن طهران طوال تاريخها تعد أكثر طرف يشكك في قدرة موسكو على الوفاء بوعودها الاقتصادية للبلاد.

ويؤكد فاتانكا أن الطرفين سيتمسكان بفكرة الشراكة الاقتصادية، لكنهما سيبقيان منشغلين بمخاوف أكبر، مما سيترك عددا من المشاريع الاقتصادية غير محقق.

وعقدت إيران وروسيا جولة من المحادثات حول تنسيق السياسات النفطية قبل اجتماع أوبك في أوائل مارس. في نفس الوقت، ضاعفت الولايات المتحدة وبريطانيا مشترياتهما من النفط الروسي.

 

وتُرجع موسكو هذه الخطوة إلى العقوبات الأميركية على إيران وفنزويلا. كما لا يتوفر دليل من شأنه أن يثبت أن وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه كان قادرا على التأثير في قرار روسيا في اجتماع أوبك.

وفي السابق، طالبت أوبك وموسكو طهران بخفض إنتاج النفط، ومثّل قرار روسيا بالتخلي عن تخفيضات الإنتاج خسارة لإيران. على الرغم من ذلك، لم تفاجأ طهران.

وانخرطت موسكو في منافسة منفصلة وأكبر لتوسع حصتها في السوق العالمية على حساب السعودية ومصدري النفط الآخرين. ولم تكن إيران عاملا مؤثرا على قرار موسكو، وكان موقف وزير النفط الإيراني من اجتماع أوبك متوقعا حيث قال إنه “كان أسوأ لقاء حضره”.

وبعدما فرضت الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية على طهران في نهاية 2018، تراجعت صادرات النفط الإيرانية من حوالي 2.5 مليون برميل يوميا في أبريل 2018 إلى 250 ألف برميل. ومع حرب أسعار النفط الروسية السعودية، ستجد طهران صعوبة أكبر في بيع النفط حيث سيضطر المصدرون إلى منح تخفيضات كبيرة. وأصبحت بذلك في موقف لا تحسد عليه بعد أن كانت طرفا بارزا في سوق النفط العالمي.

ويتساءل الكثير من الخبراء عن تداعيات هذه الأزمة على إيران المأزومة اقتصاديا وعن سبل تحقيق معادلة رابحة تمكنها من انعاش اقتصادها ومن تلافي حدوث المزيد من الوفيات بسبب فايروس كورونا خاصة أنها انتهجت سياسة المغالطة لدى تقديمها حصيلة ضحايا الوباء.

بعيدا عن النفط، انسحبت شركة السكك الحديدية الروسية المملوكة للدولة من مشروع سكك حديدية في إيران بقيمة 1.3 مليار دولار، وكان من المقرر أن يموله الروس بنسبة 85 في المائة. وكان المشروع يهدف لربط تركيا بتركمانستان وكازاخستان عبر إيران لكنه لم ير النور.

ووفق فاتانكا “ليس هذا ما كان يحلم به الإيرانيون. وقّعت الشركات الروسية عقودا بمليارات الدولارات في إيران بعد الاتفاق النووي المبرم في سنة 2015، ولم تحقق أي واحد منها. وجاء قرار السكك الحديدية الروسية رغم إشارة موسكو إلى إيران كجسر بري يربط بين جنوب آسيا وأوروبا”.

وتعهدت كل من موسكو وطهران بإقامة طرق تجارية تمر عبر إيران إلى القوقاز وروسيا لضمان خيارات أرخص وأكثر كفاءة في مجال التجارة بين أوروبا وآسيا.

وعندما التقى الرئيس الإيراني حسن روحاني بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سبتمبر 2019، ناقشا سبل زيادة التعاون الاقتصادي. وأراد روحاني آنذاك أن يتحقق هذا التعاون لتصبح العلاقات بين البلدين أفضل من أي وقت مضى. لكن، لم يتطور الأمر بطريقة تطبّق فكرة الشراكة الاقتصادية، حيث وعدت موسكو طهران بمشاريع كبرى ولكنها لم تحقق أي شيء.

أهداف لم تتحقق

 

ويفسر الخبراء أسباب التقدم البطيء في إقامة شراكة اقتصادية متينة بين روسيا وإيران بدوافع تاريخية، خاصة بالعودة إلى طموحات طهران التي تاقت سابقا للانضمام إلى الاتحاد الاقتصادي الأوراسي بقيادة روسيا، واتفاقيات المقايضة بالروبل والريال الإيراني بدلا من الدولار، وآلية التحويل المالي المباشر بين البنوك الإيرانية والروسية.

وستبقى المشكلة بين الطرفين مبنية على غياب التوافق الاقتصادي الهيكلي بين روسيا وإيران. وبما أنهما تنتميان إلى الدول المصدرة للطاقة، تَروج الروايات التي تصوّر روسيا كمستفيد رئيسي من العقوبات الأميركية على إيران، حيث استحوذت روسيا على الحصة التي خسرتها إيران بسبب العقوبات الأميركية في سوق النفط.

وكانت السلطات الإيرانية تأمل في أن تشجع التجارة (مثل تصدير الغاز الطبيعي) على المزيد من التعاون والتكامل الاقتصاديين مع الدول المجاورة المستوردة للطاقة مثل أرمينيا وتركيا وباكستان.

وفي نوفمبر 2017، وقبل بضعة أشهر من إعادة العقوبات المفروضة على إيران مع انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، وقّعت طهران وموسكو اتفاقية تعاون “استراتيجي” بقيمة 30 مليار دولار في قطاع الطاقة.

ودفعت إيران وروسيا إلى جذب بقية المنطقة، بما في ذلك دول القوقاز وآسيا الوسطى، إلى مشروع الطاقة العملاق الذي كان مقررا. وشمل ذلك مصدري الطاقة الآخرين مثل أذربيجان وكازاخستان وتركمانستان ومستوردي الطاقة مثل أرمينيا وتركيا. وتحدث وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، الذي كان من مبعوثي الرئيس بوتين إلى طهران، عن حزمة اقتصادية متفق عليها لمشاريع تتراوح قيمتها بين 35 و40 مليار دولار.

وعكست زيارات كبار الشخصيات في قطاع النفط الروسي إلى طهران بين عامي 2016 و2018 طموحات موسكو في الحفاظ على نفوذها في الاقتصاد الإيراني بمجرد رفع العقوبات.

 

وبين الفصائل السياسية الرئيسية في طهران، يرى حلفاء علي خامنئي المتشددون في المشاركة الروسية الأكبر في الاقتصاد الإيراني وسيلة للتحقق من موقف روحاني من الاستثمار الأجنبي.

ويعتقد العديد من الإيرانيين المحبطين أن روسيا أسرعت في الانسحاب من إيران بعد أن أعادت إدارة الرئيس الأميركي ترامب فرض العقوبات في نوفمبر 2018. بذلك، تعكس خيبة الأمل الإيرانية من عدم التزام روسيا بشراكة اقتصادية أوثق، فرصا ضائعة أخرى على مستوى التكامل الاقتصادي الإقليمي مع الدول المجاورة في الشمال.

وفي السنوات الأخيرة، اتبعت إيران نفس الاستراتيجية الأساسية لجذب الاستثمارات الأجنبية طويلة المدى في المشاريع الرئيسية المكلفة التي يصعب التخلي عنها. ويكمن الهدف من ذلك في منح الشركاء الأجانب (مثل روسيا) مصلحة في عودة إيران إلى التيارين السياسي والاقتصادي العالميين، كما أرادت طهران أن تصعب على الغرب عزلها في المستقبل وهي المهمة الأصعب حتى باندلاع أزمة أسعار النفط.