الجمعة 9 ذو القعدة 1445 ﻫ - 17 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

ضم محطة زابارويجيا لسيطرة روسيا.. خطر ينذر بـ"كارثة" نووية

استحوذت روسيا رسميا على محطة زابوريجيا للطاقة النووية في جنوب أوكرانيا التي تسيطر عليها عسكريا منذ شهور، بموجب مرسوم وقعه الأربعاء رئيسها فلاديمير بوتين.

وأثار مرسوم بوتين القلق والترقب، في ظل صراع محتدم بالقرب من المنطقة ما قد يؤدي إلى “كارثة نووية وغذائية وإنسانية”، بحسب خبراء تحدثوا لموقع “الحرة”.

يشير كبير الباحثين في المجلس الأطلسي وأستاذ أمن واقتصاديات الطاقة في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، بول سوليفان، في حديثه لموقع “الحرة” إلى أن هذه المرة الأولى في التاريخ التي نرى فيها صراعا مسلحا قرب محطة نووية، “هذا وضع حساس للغاية، خاصة في ظل رئيس يفكر في استخدام الأسلحة النووية أيضا”، قاصدا بوتين.

واحتلت القوات الروسية محطة زاباروجيا للطاقة النووية، الأكبر في أوروبا، في مطلع مارس، وهي ليست بعيدة عن خط التماس بين الأراضي التي تسيطر عليها كييف وتلك التي تحتلها موسكو.

وتبادلت موسكو وكييف اللوم على مدى شهور بشأن تعرض مواقع قريبة من المنشأة التي سيطرت عليها روسيا خلال الشهور الأخيرة، للقصف، ما أثار مخاوف من وقوع كارثة نووية.

واعتبر الخبير النووي ونائب رئيس هيئة الطاقة النووية المصرية سابقا، علي عبد النبي، أن السيطرة على محطة زاباروجيا “نوع من أساليب الابتزاز والضغط الذي تمارسه روسيا ضد أوكرانيا في ظل انهزامات متتالية واستعادة كييف السيطرة على مناطق كثيرة كان الروس قد استولوا عليها”.

وأوضح عبد النبي في حديثه مع موقع “الحرة”: “إنها أكبر محطة في أوروبا، وتولد نصف الطاقة النووية في أوكرانيا وهي عبارة عن ستة مفاعلات كل منها يولد ألف ميغا بمجموع ستة غيغا واط، وعندما تحتلها روسيا، فهذا معناه ابتزاز لأوكرانيا وإجبارها على التسليم، من خلال خنقها اقتصاديا ومنع الكهرباء عنها وإظلام جزء كبير من البلد في ظل شتاء قادم تحتاج فيه البلاد بشكل ماس إلى الطاقة للتدفئة على الأقل”.

يعتبر سوليفان أن المشكلة الفورية هي أن “الروس يمكنهم إغلاق شبكة الكهرباء لجزء كبير من أوكرانيا وإيقاف الحياة بشكل أساسي حيث ستتأثر الاتصالات وحتى السفر”.

أما المشكلة الحقيقية، بحسب سوليفان ويتفق معه فيها عبد النبي أن “المحطة النووية الفائقة بها ست مفاعلات، وإن تم إتلاف أي منها وحدثت بعض الأنشطة الإشعاعية، فقد تكون هناك مشكلة كبيرة ربما حتى على نطاق تشيرنوبيل”.

وقال سوليفان: “إذا تم اختراق وعاء الاحتواء في المفاعل النووي، فهناك احتمال أن يكون هناك تسرب لمواد انشطارية، وبالتأكيد ستكون مشكلة كبيرة حينها”.

وحول خطورة الأمر قال سوليفان: “يعتمد ذلك على نوع التسرب”، مضيفا أن أخطره سيكون “إذا تم إغلاق مياه التبريد عن المصنع وتسخين المفاعل بشكل مفرط وانصهر، حينها سيكون لديك مادة مشعة للغاية تدخل في منسوب المياه الجوفية، وربما تذهب إلى الهواء الذي يتنفسه البشر”.

متى تتحول الأزمة إلى كارثة نووية؟

يوضح عبد النبي أن “داخل المحطة النووية، هناك مكانين يكون فيهما الوقود النووي، إما داخل المفاعل نفسه وهو وقود تشغيل المحطة، أو أحواض الوقود المحترق الذي خرج من المفاعل، وإذا تم اختراق أي منهما قد يؤدي ذلك إلى حدوث تسريب مواد مشعة سامة”.

ويقول: “المفاعل موضوع في وعاء احتواء، والوقود يكون في حالة تفاعل انشطاري متسلسل، وإذا منعت مياه التبريد عن الوقود النووي الموجود داخل المفاعل سيحدث انصهار، وعندما ينصهر ينتج فقاعة الهيدروجين”.

يبدو عبد النبي متفائلا لأن المفاعلات النووية في محطة زاباروجيا “مجهزة بأجهزة يمكنها أن تمتص الهيدروجين، مثل مفاعل ديفيس بيس في الولايات المتحدة عندما تكونت فيه فقاعة الهيدروجين أدخل الأميركيون أجهزة لامتصاص الهيدروجين، بعكس حادثتي مفاعلي فوكوشيما الياباني وتشيرنوبل الروسي”.

كانت الترسانة النووية لليابان قد أوقفت تماما عن العمل بعد كارثة فوكوشيما في عام 2011، التي تسبب بها زلزال شديد تلاه تسونامي ضخم شمال شرق البلاد. ولم يعاد تشغيل سوى 10 مفاعلات نووية منذ ذلك الحين من أصل 33، بعدما تمت ملاءمتها مع معايير وقائية مشددة.

وقال عبد النبي: “المفاعلات الأوكرانية فيها حاليا أجهزة امتصاص للهيدروجين، بحيث لا قدر الله تكونت فقاعة الهيدروجين يمكن لهذه الأجهزة أن تمتصها”.

لكنه أشار إلى أن “المشكلة تحدث بكسر الوعاء في المفاعل النووي، بحيث يكون الصاروخ أو القذيفة من شدتها قادرة على كسر الوعاء”.

وأوضح “إذا حصل تدمير في المفاعل ينتج عن التدمير مواد مشعة تنتشر في الجو”.

أما المكان الخطير الآخر هو “أحواض الوقود المحترق الذي خرج من المفاعل، وهي تشبه أحواض السباحة موجود فيها الوقود المحترق الذي كان يشغل المفاعل”.

وقال: “هذه الأحواض لو ضربت بصواريخ وقنابل شديدة، أيضا ستنتشر مواد مشعة، وانتشارها يعتمد على قوة التفجير الذي تم وسرعة واتجاه الرياح”.

وأضاف أن ” الكارثة تعتمد على شدة الانفجار وسرعة واتجاه الرياح”، مشيرا إلى أن “المواد المشعة تنتشر على حسب اتجاه الريح، لو كانت هناك رياح شديدة ستنقلها إلى مسافات بعيدة”.

وتابع: “كان من رحمة الله على اليابان أن اتجاه الرياح في وقت حادثة فوكوشيما في 2011، ناحية المحيط، لكن في تشرنوبل في 1986 لم يكن هناك محيط، كانت هناك فقط مناطق سكانية، فانتشر الإشعاع الشديد في منطقة نصف قطرها يبلغ 20 كيلو متر، فضلا عن حدوث إشعاع انتقل لطبقات الجو وسار مع الرياح وسقط على دول أوروبية ووصلت إلى مناطق في الشرق الأوسط أيضا”.

وقال: “المواد المشعة قد تظل تسير في الجو حتى يبدأ في التساقط في أماكن بعيدة، لأن هناك مواد خفيفة مثل نظير الهيدروجين الثالث (التريتيوم) وهو أكثر نظائر الهيدروجين إشعاعا وأخفهم وزنا ويشكل تلوثا ويمكن أن يتصاعد إلى 80 كيلو في الجو ثم يبدأ في التساقط”.

وأكد أن “الأمر يعتمد على قوة القنابل التي قد تقع على المحطة وأين، وإن كانت ستدمر الوعاء، وإن كان ستتوقف عملية التبريد، ثم على قوة الرياح وشدتها واتجاهها”.

هل يمكن أن يؤدي الصراع على المحطة إلى كارثة نووية؟

يعتبر سوليفان أن الإجابة على هذا السؤال يعتمد على كيفية تعامل الطرفين مع المحطة النووية أثناء استمرار الصراع الذي لا يجب أن يكون حولها أبدا.

وأكد أنه “من المهم بالنسبة للأوكرانيين والروس والعالم ألا يحدث أي شيء خطير هناك، لأنه إذا كانت هناك مشكلة كبيرة ، فقد تنتشر على طول الطريق، حرفيا قد يتأثر العالم بأكمله، ولا يمكن المزاح حول ذلك الأمر”.

وقال: “الروس يسيطرون على تلك المنطقة، هم يتلاعبون بها نعم، لذا لا ينبغي للأوكرانيين إطلاق أي أسلحة على هذه المنشآت، يجب أن تكون هذه المناطق محمية، لأنه إذا حدث أي شيء، قد يؤدي ذلك إلى أمراض ووفيات متعددة”.

وأكد أن “الوكالة الدولية للطاقة الذرية لديها أشخاص تتابع ما يحدث هناك بقلق وأنا أيضا. لقد بدأت في دراسة الطاقة النووية عندما كنت في المختبر الوطني في الثمانينيات، لذلك أعتقد أنني أعرف ما أتحدث عنه، لأنه إذا تعرضت المحطة لأضرار جسيمة سيؤثر ذلك على الأشخاص في أوكرانيا وروسيا وخارجهما إذا لم يتم احتواء هذا الضرر”.

وزار وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية المحطة في سبتمبر المنقضي. كما تعرضت المنطقة لقصف روسي متواصل أوقع العديد من القتلى.

ومنذ إحكام السيطرة عليها في مارس الماضي، تستخدم موسكو محطة زاباروجيا كمستودع لمعداتها ومركباتها العسكرية، وأشار شهود إلى أن روسيا تستخدم المحطة درعا، ولإطلاق الصواريخ على مواقع تمركز القوات الأوكرانية في مدنتي نيوبول ومارهانيتس، الواقعتين مقابل المحطة على الضفة الأخرى لنهر دينبرو.

“كارثة محتملة”

يؤكد سوليفان أن على العالم أن ينظر إلى هذا الأمر على أنه “كارثة محتملة”، مضيفا “هذه الحرب بأكملها غير مبررة”.

وقال: “هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تحدث، وهناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تمنع حدوث هذه الأشياء من الأساس”.

يود سوليفان أن يكون متفائلا بخصوص التخوفات من حدوث كارثة نووية، “لكن المشكلة أننا لا نتعامل مع أشخاص عاقلين”، مشيرا إلى اختطاف مدير المحطة من قبل روسيا وإبقاءه مخفيا لأسبوع، “هذا ليس سلوكا طبيعيا، فضلا عن أن موسكو تتحدث مجددا عن استخدام الأسلحة النووية”.

من جهته يؤكد نائب رئيس هيئة الطاقة النووية في مصر سابقا، علي عبد النبي أنه “إذا حدث انفجار في محطة زاباروجيا، وأدى ذلك إلى انتشار المواد المشعة في الجو، سيؤثر ذلك على كل شيء، سواء الإنسان والحيوان والجو والبحار والأنهار والأسماك والمياه والجوفية والزراعة والألبان والطيور”.

وأوضح أن “المواد المشعة منها الثقيل الذي سيسقط على التربة مباشرة ومنها المتوسط، وأيضا الخفيف الذي يسير في الجو ويسقط في النهاية ويستنشقه الإنسان وهي مواد سامة”.

يحاول أستاذ أمن واقتصاديات الطاقة في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، بول سوليفان في حديثه مع موقع “الحرة” تخيل ما إذا حدث انفجار ونتج تسريب في محطة زاباروجيا “دعونا نفكر فيما إذا حدث ذلك، حيث يزرع الكثير في أوكرانيا وروسيا القمح وعباد الشمس، ماذا يعني ذلك بالنسبة للإمدادات الغذائية العام المقبل؟ إنه أمر خطير جدا”.

وقال: “أنت تعلم ما حدث في الأسعار في العالم هذا العام، الكثير من دول الشرق الأوسط مثل مصر والأردن وليبيا والمغرب ولبنان يعتمدون على قمح روسيا وأوكرانيا، ولا أحد يريد أن يأكل قمحا ملوثا بالتأكيد، وإذا حدثت صدمة غذائية أخرى، فأنا لا أعرف ماذا سيحدث للعالم”.

وأضاف: “هناك صدمة غذائية محتملة من الحرب، هذا الأمر برمته أناني من جانب بوتين، وسخيف، ويؤثر على العديد من البلدان والكثير من الناس في جميع أنحاء العالم”.

    المصدر :
  • الحرة