الأربعاء 15 شوال 1445 ﻫ - 24 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

عشائر جنوب العراق.. استغلال أحزاب وحرمان مزمن

لا يمر أسبوع في العراق إلا ويشهد خلافاً أو نزاعاً عشائرياً، لا سيما في الجنوب. إذ تشهد مناطق جنوب العراق، غياباً شبه تام للسلم الأهلي، نتيجة الصراعات العشائرية وانفلات السلاح من الدولة، وقد باتت الحساسيات القبلية “القاتل” الثالث بعد الإرهاب والجريمة المنظمة، بالنسبة للمواطنين داخل البلاد.

وفشلت الحكومة العراقية، عبر أجهزتها الأمنية ووساطاتها المجتمعية، من السيطرة على سطوة العشائر التي تجاوز خطرها المحافظات الجنوبية ووصل إلى العاصمة بغداد، في الوقت الذي تخشى الأحزاب والشخصيات السياسية -على حد سواء- الوقوف ضد تلك السطوة القبلية، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى خسارتها وزنًا انتخابيًا مهما كانت تتمتع به من خلالها.

وباتت العشيرة في العراق هي الحاضنة الوحيدة التي يأوي إليها المواطن العراقي، لأخذ حقه أو حمايته في ظل تراجع سطوة القضاء وانتشار الميليشيات ونفوذ رجال الدين، أو حتى لسلب حقوق الآخرين وتعطيل حياتهم وتهديدها.

العشائر تستثمر غياب القانون
وتعليقاً على تلك السطوة، أوضح رئيس مجلس عشائر البصرة، الشيخ رائد الفريجي للعربية.نت، أنّ “الجنوب العراقي، يعاني منذ سنين من تردٍ في الأوضاع الأمنية، نتيجة تحالف بعض العشائر مع القوى السياسية ذات النفوذ المسلح”، لافتاً الى أن “الحياة المدنية باتت معدومة في معظم مناطق محافظة البصرة والمحافظات المجاورة كمحافظتي ميسان وذي قار”.

وأضاف أنّ “الصراعات العشائرية لن تنتهِ، فهي مستمرة بسبب ضعف الحكومة واستفحال الصراعات السياسية، وغياب قانون قوي يتصدى للتجاوزات التي تؤثر سلباً على المواطن وتربك الواقع الأمني”، مبيناً أن “النزاعات العشائرية تستخدم فيها كافة أنواع الأسلحة، مما حول المحافظات الجنوبية إلى ساحة حرب تنخر البنية التحتية لهذه المدن، وتوسع من مساحة الخراب فيها يوما بعد آخر”.

وتعتبر النزاعات العشائرية مصدراً مهماً من مصادر تمويل المليشيات بالأموال، فقادة المليشيات يجنون سنويا ملايين الدولارات مقابل افتعال هذه النزاعات، من بيع الأسلحة للعشائر وإطلاق سراح المجرمين، إضافة إلى بيع المناصب الأمنية في المحافظات.

ضحايا النزاعات العشائرية
إلى ذلك، كشف مصدر مطلع في مجلس محافظة البصرة، عن مقتل وإصابة أكثر من 500 شخص جراء النزاعات العشائرية في المحافظة، على مدار العام الحالي. وأكد للعربية.نت، أنّ “أكثر من ١١٣ مواطناً قتلوا، وأصيب أكثر من ٤٤٠ آخرين، خلال العام الحالي جراء النزاعات العشائرية المسلحة في مختلف مناطق البصرة”، مبيناً أن “القتلى والمصابين، من أطراف النزاع أو الأفراد المارة داخل منطقة التوتر العشائري”.

كما أشار المصدر إلى “الأضرار المادية التي لحقت بالبنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة في مدينة البصرة جراء هذه النزاعات”، منوهاً إلى “محاولة الحكومة المحلية في المحافظة تسوية الأمور بين مختلف القبائل المتنازعة في المدينة، لكن ذلك لم يثمر عن فائدة ملموسة”.
وكان مجلس القضاء الأعلى العراقي، اعتبر في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2018، “الدكَات” العشائرية من الجرائم الإرهابية، داعيا في بيان إلى ضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم، بالاستناد إلى المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب الذي أقره مجلس النواب العراقي عام ٢٠٠٥، إلا أن النزاعات بين العشائر ما زالت مستمرة تحصد أرواح العديد من العراقيين يومياً.

وتتمثل الدكَة العشائرية بإقدام مسلحين ينتمون لعشيرة على تهديد عائلة من عشيرة أخرى، من خلال عملية إطلاق نار أو إلقاء قنبلة يدوية أحيانا على منزل المقصود، كتحذير شديد اللهجة لدفعها للجلوس والتفاوض لتسوية الخلاف، وفي حال عدم موافقة الطرف المستهدف تتطور الأمور وتنتقل إلى مرحلة الاشتباكات المسلحة، التي توقع العشرات من الضحايا بين الطرفين ومن المواطنين المحيطين بمنطقة النزاع.

أحكام قانونية لكبح النزاعات
وفي ذات الصدد، قال الخبير القانوني علي التميمي للعربية.نت، إنّ “الحكومة المركزية في بغداد، ناقشت مرات عدة مع السلطة القضائية موضوع تصاعد خطر العشائر في البلاد، وطلبت منها تشكيل لجان خاصة لبحث الموضوع ومحاولة معالجته قانونيًا”، مبينًا أنّ “السلطة القضائية شكّلت بدورها لجانًا خاصة لهذا الغرض”.

وأوضح التميمي، أنّ “اللجان التي درست الموضوع من جوانبه كافة، اقترحت تشديد العقوبات المفروضة على النزاعات والتهديدات العشائرية”، مشيرًا إلى أنّه “تم تعديل عدد من المواد القانونية الخاصة بالجرائم والتهديدات العشائرية، وتشديدها بشكل كبير”.

كما أكد القانوني العراقي، أنّ “المادة 430 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، نصّت على السجن سبع سنوات لمن يثبت عليه التهديد العشائري، ومنها كتابة عبارات على المنازل والعقارات لمنع بيعها أو إيجارها”، لافتًا إلى أنّ “هذه المادة تم تعديلها لتصبح العقوبة مساوية لعقوبة الإرهاب، وهي الإعدام”.

وأشار إلى أنّ “التعديلات شملت عددًا من الفقرات والمواد القانونية الأخرى الخاصة بالعشائر، لوضع حد لانتهاكاتها وتهديداتها”، مبينًا أنّ القانون أيضًا “يعاقب كل من يتساهل في تنفيذ العقوبات على من يدان بهذه الارتكابات”.

استغلال الأحزاب لسلطة العشائر
هذا وعملت أغلب القوى الشيعية المتنفذة في السلطة منذ العام 2003، على دعم سلطة العشائر بالتوازي مع دعم سلطة رجال الدين، بغية نيل الشرعية الرسمية، لممارستهم في الحكم، حيث كان لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الدور الفاعل في تعاظم الدور العشائري على الحساب المدني داخل الأروقة الاجتماعية في العراق.

وأوضح الباحث السياسي فوزي عبدالرحيم، أنّ “الأحزاب الدينية في العراق، دائماً تعمل وفق المكسب الانتخابي، لهذا هي تنفتح على العشائر لتجييش أبنائها سياسياً وانتخابياً لمرشحي تلك الأحزاب”، مؤكداً أن “تحالف السلطة السياسية مع السلطتين الاجتماعية والدينية، انتعش أكثر في الأعوام التي شهدت تولي الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامي نوري المالكي للسلطة (2006-2014)”.

وأضاف للعربية.نت أنّ “نوري المالكي من أبرز السياسيين الذي استثمروا العشائر العراقية، وتحديداً عشائر الجنوب، لتوسيع قاعدتهِ الانتخابية، والحفاظ على مقاليد السلطة بيده”، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء الأسبق “قد عمدَ إلى تشكيل مجالس الإسناد العشائري بحجة مساندة الحكومة العراقية آنذاك في مقاتلة الإرهاب، لكنه عمل على تسييس هذه المجالس لصالح سلطته”.

وتابع قائلاً إن “كل ما نشهده اليوم من تنامٍ لقوة العشائر على حساب قوة الدولة العراقية، جاء نتيجة التعاطي السياسي مع العشائر، من قبل زعماء الحكومات المنصرمة”، لافتاً الى أن “أغلب الزعماء السياسيين هم بعقلية قبلية تتفاعل مع الفوضى الحالية في البلاد”.

 

المصدر: بغداد- عبدالقادر الجنابي