ويفرض التشريع عقوبات على الحكومات أو الشركات أو الأفراد الذين يموّلون بشكل غير مباشر نظام بشار الأسد أو يساهمون في حملاته العسكرية. وتعكس التوقعات بشأن العقوبات الناتجة عن “قانون قيصر” أساساً تصورات بمخاطر مزاولة الأعمال في سوريا، ومع اقتراب الموعد النهائي للتطبيق في 17 حزيران/يونيو، يعتقد الكثيرون أن الإجراءات الناتجة ستزيد المعاناة الاقتصادية التي يرزح تحت وطأتها أنصار النظام.
لقد استعاد الأسد وحلفاؤه سيطرتهم على معظم البلاد من خلال التقدّم العسكري المستمر على الأرض، وفي ضوء هذا الواقع، كانت روسيا تشجع الآخرين على تقبل بقاء الأسد في الحكم، والترحيب به مجدداً في الحظيرة الدولية، وتمويل إعادة إعمار سوريا. ويرفض “قانون قيصر” هذه الفرضية: وإذا تم تنفيذ سلطات العقوبات الجديدة بشكل فعال،
فيمكن أن تردع شركاء الولايات المتحدة حتى عن المشاركة في إعادة الإعمار أو توسيع العلاقات مع سوريا في ظل نظام الأسد الذي لم يخضع للإصلاح. ويتناول هذا المرصد السياسي المكوّن من جزأين قضايا السياسة ومعايير الاستهداف التي ستحدد إطار تطبيق العقوبات. ويتناول الجزء الأول العقوبات المفروضة على سوريا، بينما يناقش الجزء الثاني كيف يمكن استخدام التشريع ضد «حزب الله» في لبنان.
تستهدف سلطات العقوبات الجديدة في “قانون قيصر” الكيانات التي تعمل لصالح نظام الأسد في أربعة قطاعات، هي: النفط / الغاز الطبيعي، والطائرات العسكرية، والبناء، والهندسة (للحصول على النص الكامل للقانون في ملف “بي. دي. إف”، انظر الصفحة 1،093 من “قانون تفويض الدفاع الوطني”). ويشمل ذلك الدعم المباشر وغير المباشر للنظام، مثل دعم الميليشيات المدعومة من إيران وروسيا العاملة في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب القانون من إدارة ترامب تحديد ما إذا كان «المصرف المركزي السوري» هو كيان من النوع الذي يشكل “مصدر قلق رئيسي بشأن غسيل الأموال” عملاً بالمادة 311 من قانون الوطني الأمريكي.
على سبيل المثال، أعلنت إدارة ترامب أن «المصرف المركزي السوري» يخضع للعقوبات بموجب هذا الأمر؛ ويخضع المصرف لعقوبات “الاتحاد الأوروبي” أيضاً. وبشكل منفصل، يخضع العديد من الأفراد والكيانات السورية للعقوبات الأمريكية القائمة على السلوك لأسباب تتعلق بدعم الإرهاب أو الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان أو انتشار أسلحة الدمار الشامل أو غيرها من الانتهاكات.
وحتى الآن، عجزت استراتيجية استهداف النظام بشكل مباشر – بما في ذلك من خلال العقوبات التي تبنتها مجموعة “أصدقاء سوريا” المتعددة الأطراف في عام 2011 والحكومة الأمريكية قبل سنوات – عن تغيير سلوك الأسد. ويُعزى ذلك بشكل أساسي إلى أن روسيا وإيران منحتاه دعماً عسكرياً ومالياً ودبلوماسياً مطلقاً. وعلى الرغم من أن الدولتين تفتقران إلى الموارد المالية لإعادة إعمار سوريا، إلّا أنه من غير المرجح أن تغيّر عقوبات “قانون قيصر” التزامهما بصمود النظام؛ ناهيك عن ذلك، تخضع الحكومتان وشبكاتهما أساساً لعقوبات واسعة بقيادة الولايات المتحدة بسبب إجراءاتهما داخل السياق السوري أو خارجه.
على الرغم من مخاطر العقوبات القائمة، لا يزال المستثمرون الأجانب مهتمين بفرص الأعمال في سوريا، ولا سيما الشركات في دول الخليج العربي وأوروبا الشرقية. على سبيل المثال، بعد التقارب الدبلوماسي العام الماضي بين دولة الإمارات والأسد، شارك وفد من رجال الأعمال السوريين، بمن فيهم الأفراد الخاضعين للعقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في منتدى للقطاع الخاص نظمته الإمارات في أبوظبي. وفي وقت لاحق من عام 2019، حضر وفد إماراتي كبير “معرض دمشق التجاري الدولي” السنوي
كما لا يزال عدد من الشركات التي مقرها في لبنان ناشطة في سوريا، بما في ذلك في القطاعات المستهدفة بـ “قانون قيصر” (كالنفط والغاز). وبعض هذه الشركات مملوكة للبنانيين، بينما تم تأسيس شركات أخرى من قبل النخب السورية. وقد أثار تطبيق القانون الوشيك مخاوف في لبنان بشأن التعرّض لعقوبات “قيصر”، الأمر الذي قد يدفع باقتصاد البلاد المتعثّر إلى الاقتراب من حافة الهاوية.
وفي النهاية، سوف يَكمن تأثير التشريع في الإشارات التي ترسلها واشنطن واستعدادها لفرض العقوبات على حد سواء، حتى على الشركات أو الحكومات التي دخلت في شراكة مع الولايات المتحدة. ومن الضروري أن توضّح الإدارة الأمريكية أن سوريا ستبقى مغلقة أمام إعادة الإعمار أو الأعمال التجارية في ظل ظروفها الراهنة، وأن تُظهر مساعي متجددة لردع أولئك الذين يسعون إلى الاستفادة من أنشطة إعادة الإعمار التي يشرف عليها نظام لم يشهد إصلاحات.
تهدف الولايات المتحدة ظاهرياً إلى إنهاء الحرب في سوريا من خلال عملية سياسية بقيادة الولايات المتحدة تؤدي إلى تشكيل حكومة جامعة وتمثيلية في دمشق. ولم تعد إدارة ترامب تصرّ على ضرورة خروج الأسد من الحكم، لكنها تشدّد على تغيير سلوك نظامه.
• وقف الحملة الجوية السورية الروسية واستهدافها المتعمد للمدنيين والمنشآت المدنية
• السماح بوصول المساعدات الإنسانية دون قيود إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام / للسيطرة الروسية / الإيرانية، تماشياً مع مصالح واشنطن كأكبر مانح للمساعدات لسوريا
• الإفراج عن جميع السجناء السياسيين
• اتخاذ خطوات نحو الامتثال للمعاهدات الدولية المتعلقة بالأسلحة البيولوجية والنووية فضلاً عن الأسلحة الكيميائية
• تسهيل العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين
• إرساء عملية مساءلة، وحقيقة، ومصالحة صريحة.
وإذا فرضت وزارتا الخارجية والخزانة الأمريكيتين عقوبات بموجب “قانون قيصر” بفعالية وتمّ تمرير الرسالة التي تحملها بدهاء إلى الجمهور المعني، فيمكنها أن تجعل الحكومات والشركات تفكّر ملياً قبل إعادة العلاقات مع النظام بشكله الحالي أو إبرام عقود إعادة إعمار مربحة.
في ظل حكم [نظام] الأسد، أصبحت الحياة في سوريا لا تطاق على نحو متزايد – فقد أدى التضخم المفرط والانحدار الحاد للعملة السورية إلى دفع أسعار المواد الغذائية والأدوية إلى مستويات لا يمكن لمعظم المواطنين تحمّلها، وقد خرج المتظاهرون إلى الشوارع مرة أخرى في بعض المناطق، ولا يزال النظام يرتكب فظائع يومية. وأدت الأزمة المالية اللبنانية في البلد المجاور ووباء “كوفيد-19” في جميع أنحاء المنطقة إلى تفاقم الانهيار الاقتصادي، مما زاد من الصعوبات اليومية لأولئك الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها النظام وأجهد موارد مؤيدي الأسد في موسكو وطهران.
وتستند سياسة الولايات المتحدة إلى العزلة السياسية والعقوبات الاقتصادية من أجل تضييق الخناق على الأسد وأتباعه لدرجة أنه اضطر إلى الانخراط بشكل هادف في عملية الأمم المتحدة. وحتى الآن، لم تنجح جولات متعاقبة من العقوبات المباشرة في ثنيه عن السعي إلى تحقيق انتصار عسكري، الذي يَعتقد على الأرجح أنه سيفرض وقائع ميدانية تسمح له بالاستغناء عن عملية الأمم المتحدة. ومع ذلك، يهدف “قانون قيصر” إلى مواجهة أي تفكير من هذا القبيل كان يتمناه النظام، مع التوضيح لدمشق وموسكو وطهران والكيانات التي تستفيد من الاقتصاد الحربي للأسد أن واشنطن لن تقبل ببساطة نظاماً غير قابل للإصلاح في سوريا.
ويقيناً، لن يشكّل تاريخ 17 حزيران/يونيو ضربة قاضية للنظام الذي أثبت قدرته على الصمود. وستتوقف فعالية “قانون قيصر” على ما إذا كانت الإدارة الأمريكية ستنجح في توفير الموارد المناسبة لهيكلية عقوباتها بينما تسعى بقوة إلى الخروج من منحدر دبلوماسي ونحو عملية سياسية. سيتعين على وزارة الخزانة الأمريكية مواصلة تحديث قائمة التصنيفات الإرهابية لمنع الاستثمارات وإعادة الإعمار. وسيتطلب ذلك من الإدارة الأمريكية إعطاء الأولوية لسوريا وضمان تمتّع الجهات التي تعمل على وضع مجموعات جديدة من العقوبات بموجب “قانون قيصر”، بالدعم والموارد الضرورية كي تصمد في مهمتها لفترة طويلة.
دانا سترول هي “زميلة كاسين” في معهد واشنطن وعضو أقدم سابق من الملاك المهني في “لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي”. كاثرين باور هي زميلة “بلومنستين كاتس فاميلي” ومسؤولة سابقة في وزارة الخزانة الأمريكية.