الخميس 18 رمضان 1445 ﻫ - 28 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

معارك أردوغان وصهره تدفع الأتراك إلى "حضن" الدولار

سلطت صحيفة فايننشال تايمز في تقرير لها قبل يومين الضوء على وضع المستثمرين في تركيا، لافتة إلى أنهم يخشون من الخلاف التركي – الأميركي الذي زاد بعد خطط أنقرة لشراء منظمة دفاع جوية روسية.

وأشار التقرير إلى أن الأزمة التي تواجه الشركات التركية بعد دخول البلاد حالة ركود اقتصادية، تدفعها للاتجاه نحو ودائع العملات الأجنبية التي وصلت إلى حوالي 185 مليار دولار.

فمع دخول البلاد مرحلة ركود، تريد الشركات التركية إجراءات جريئة بعد الانتخابات المحلية لهذا الشهر من أجل استعادة النمو.

وفي هذا السياق، ذكّرت الصحيفة بما قاله رجل الأعمال محمد ناسي توبساكال للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حفلٍ بمناسبة إنشاء مركز جديد للفنون في اسطنبول في شهر فبراير: “عندما يتعلق الأمر بالمال، فإن لدينا مشاكل خطيرة”. كما ألقى باللوم – وعلامات عدم الارتياح باديةٌ على مُحياه – على وكالة الإسكان، وهي هيئة حكومية تشرف على المئات من المشاريع في جميع أنحاء العالم، بقوله “إنها تدمرنا”، وطلب من الزعيم التركي إجراء مناقشةٍ شاملة في وقت لاحق.

شركات تنازع وتكافح
ولعل من سوء حظ رئيس شركة “يني يابي” للمقاولات أن الميكروفون كان في وضع التشغيل، وأصبح الحديث السري علنيًا بشكل سريع. حيث كشف عما يعرفه باقي رجال الأعمال، ألا وهو أن عدداً لا يحصى من الشركات في جميع أنحاء البلاد تكافح بطرقٍ عديدة بعد انهيار العملة بشكل دراماتيكي في العام الماضي.

يذكر أن تركيا تمتعت بفترةٍ من الهدوء النسبي في الأسواق المالية منذ الأزمة التي اندلعت في شهر أغسطس بعد خلافٍ مرير بين أردوغان ونظيره الأميركي دونالد ترمب، وهي الأزمة التي هددت في ذروتها بالانتشار عبر الأسواق الناشئة.

مع ذلك، تحسنت الليرة بعد أن وصلت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، إلا أن انخفاض قيمتها بحوالي 30% في العام الماضي مازال يتردد صداه عبر الاقتصاد. حيث إن الشركات التي كانت مُتخمة بتدفق الأموال من الخارج خلال السنوات العشر الماضية أصبحت تعاني الآن من 285 مليار دولار من الديون المُقومة بالعملة الأجنبية، والتي أصبح تسديدها أكثر صعوبةً في ضوء ليرة أضعف.

وقد تهيئت البنوك الخاصة للفترة الأصعب، حيث قامت بالحد من إقراضها في الوقت الذي تستعد فيه لمزيد من القروض المتعثرة. فالأزمة الائتمانية – إلى جانب أسعار الفائدة المرتفعة بنسبة 24% – أثرتا بشكل سلبي.

ففي الأسبوع الماضي، أثبتت أرقام النمو في الربع الرابع ما توقعه الاقتصاديون منذ فترة طويلة: ألا وهو دخول البلاد أول فترة ركودٍ لها منذ عقد في نهاية 2018.

أردوغان مدرك
يشار إلى أن أردوغان مدرك تمامًا للضرر الذي يمكن أن تتسبب به هذه الخلفية القاتمة على الانتخابات المحلية لحزب العدالة والتنمية الحاكم التابع له. ويعترف المقربون بأن الحزب قلقٌ بشأن فقدان السيطرة على العاصمة أنقرة.

وقد اتخذ الرئيس التركي وصهره، وزير المالية بيرات البيرق، نهجًا غير تقليدي للحدّ من انزعاج الناخبين، بدءًا من الاعتماد على بنوك الدولة، وصولاً إلى الضغط على تجار التجزئة لتثبيت الأسعار.
ويُصرُّ كلاهما على أن تركيا قد تجاوزت مشاكلها، لكن بعض المحللين لا يزالون غير مقتنعين بذلك، إذ لا تزال معنويات المستثمرين مهزوزة، فهناك توترات مع الولايات المتحدة ومشاكل عميقة في عالم الشركات والتي من المحتمل أن تحد من قدرة تركيا على العودة إلى نموها الذي كان يسير بخطىً سريعة.

خيارات محدودة
يذكر أن تركيا عانت كثيرًا في الماضي من فترات ركودٍ على شكل V امتازت بانكماشات حادة، وتلتها سريعاً عودة قوية للنمو. لكن الاقتصاديين يتحدثون هذه المرة عن سيناريو على شكل حرف U أو حتى على شكل حرف L بسبب عبء الديون على البنوك.

ويقول روجر كيلي، كبير الاقتصاديين في تركيا بمكتب البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير في اسطنبول: “من الناحية التقليدية … ازدادت القروض بسرعة”. وأضاف: “ولكن عندما تقوم البنوك بالحد من الاستدانة، فلا يمكنك أن تتوقع منها أن تستخدم القروض كوسيلة للخروج من الركود”.

بيد أن الأدوات المتاحة للحكومة لتحفيز الاقتصاد محدودة. وسيكون أحد الحلول التقليدية هو خفض أسعار الفائدة. لكن البنك المركزي – الذي عانى لفترة طويلة من ضغوط أردوغان، حين وصف أسعار الفائدة المرتفعة بأنها “الأم والأب لكل الشر” – لا يزال يعيد بناء مصداقيته مع المستثمرين، بعد أن كان بطيئًا في التصدي لتراجع العملة العام الماضي.

التضخم السنوي وخوف المستثمرين
وعلى الرغم من أن تركيا تمتلك الآن رابع أعلى معدل للفائدة في العالم، بعد الأرجنتين واليمن وسورينام، إلا أن التضخم السنوي الذي ظل عالقًا بنسبة 20% يعني أن معظم المستثمرين يعتقدون أن خفض أسعار الفائدة أمر محفوف بالمخاطر.

وتعليقاً على تلك المسألة، حذرت إسترلو، كبيرة مديري الاستثمار لديون الأسواق الناشئة لدى شركة أموندي لإدارة الأصول قائلةً: “ينبغي ألا تتم استمالتهم بالتخفيض أكثر من اللازم أو أسرع من اللازم”.

وفي الوقت نفسه، لا يستطيع البيرق أن يجد مهرباً للخروج من المشكلة. إذ قد وعد بجعل الانضباط المالي “مرساة” لقيادته الاقتصادية، مع عجز مستهدف في الميزانية قدره 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

وقد تؤدي أي خطوات خاطئة إلى إطلاق تهافت جديد على الليرة وهو ما لا تستطيع البلاد تحمله. فكما أوضحت نورا نيوتوم، الخبيرة الاقتصادية في البنك الهولندي أي بي إن أمرو، “لا تزال الليرة ضعيفة”.

ومع عدم قدرتها على خفض أسعار الفائدة وضعف احتمالية أن تكشف عن حافز مالي كبير، يرى المحللون أن الحكومة ليس لديها خيار سوى مساعدة القطاع المصرفي للبدء في الإقراض مرة أخرى. ما يعني معالجة مسألة ديون الشركات كما يقولون.

لكن الحكومة اتجهت إلى البنوك قبل الانتخابات من أجل إقراضٍ أكثر وبتكاليف أقل. حيث ذكر مدير من المستوى المتوسط في أحد البنوك الثلاثة المملوكة للدولة أن أوامر جاءته بالإقراض حتى للشركات التي ليس لديها أي إمكانية لسداد القرض. وقال: “لو جئتَ إليّ قائلاً: لقد أفلست، فسأقول لك بأنك لست كذلك، وبأننا سنستمر في تأجيل ديونك”.

وأشار إلى أن مثل هذه التكتيكات تغذي المخاوف بشأن إنشاء “شركات أشبه بالموتى الأحياء” والتي تبقى قائمة عن طريق الاقتراض فقط.
ويقول الخبراء إنها تخاطر بإخفاء المدى الحقيقي للمشكلة.

كما أضاف مدير البنك قائلًا: “أنا قلق للغاية. ولكن ما الذي يمكننا فعله؟”.

تخفيف العبء على البنوك
تميز التراجع في النصف الثاني من عام 2018م بارتفاع حاد في عدد الشركات التي تلتمس حمايةً من الإفلاس، حيث تنوَّعت الطلبات ما بين شركة حافلات عمرها 81 عامًا، وشركة أعمال بناء قامت بتحقيق رغبة كانت لدى السيد أردوغان في بناء مسجد جديد وكبير على قمة تل في اسطنبول.

وتفيد البنوك بارتفاع بطيء ولكنه ثابت في كل من القروض المتعثرة وتلك التي تخضع لمراقبة عن كثب. حيث يبلغ معدل القروض المتعثرة الرسمي حالياً 4% من إجمالي قروض البنوك – حوالي 100 مليار ليرة تركية (18.3 مليار دولار). وقد تنبأ “اختبار ضغط” محدود على النظام المصرفي من قبل الجهة التنظيمية في ديسمبر أن معدل القروض المتعثرة قد يصل إلى 6%.

ويتوقع معظم المحللين أن يكون الرقم الحقيقي أعلى من ذلك.

وفي هذا السياق، قال جابور كيمني من شركة أبحاث مستقلة: “نتوقع أن تتراوح نسبة القروض المتعثرة بين 7 إلى 9% في البنوك الخاصة بحلول نهاية عام 2019” ويقول محلل من شركة ستاندرد آند بورز في الشهر الماضي أنه بشكل عام قد يصل الرقم إلى 15-20% بنهاية العام.

وركَّزت استراتيجية الحكومة للتعامل مع القروض المعدومة حتى الآن على تشجيع البنوك على زيادة رأس مالها ومطالبة المقرضين بمساعدة الشركات على إعادة هيكلة ديونها.

من جهتها، رأت زومروت إمام أوغلو، كبيرة الاقتصاديين في “توسياد” (جمعية الصناعيين ورجال الأعمال)، وهي أكبر جمعية تجارية في تركيا، أن هذه الاستراتيجية تحتاج أن تصل إلى أبعد من ذلك، مشيرةً إلى المشكلات الأعمق والأكثر تعقيدًا في قطاعات مثل الطاقة والبناء.

وقالت”لست متأكدة من أننا قادرون على معالجة جميع المشكلات عبر القيام بإعادة الهيكلة فحسب”.

النكران لن يمحو الشكوك
ويعتقد معظم المحللين أن البنوك التركية تُدار بشكل جيد وقوي. لكن الإصرار على أن كل شيء على ما يرام على الأغلب لن يمحو شكوك المستثمرين.

وفي هذا السياق، قال أوكان أكين، محلل ائتمان في الأسواق الناشئة لدى AllianceBernstein: “لا تزال الأسواق تشعر بالقلق إزاء الميزانيات العمومية”. وأضاف: “لاستعادة الثقة، من المهم رسم خطوط عريضة… مثل أن نقول: هذه هي المشاكل، لقد حللناها وهم الآن في وضع يمكنهم من خلاله البدء في الإقراض مرة أخرى”.

وهذه الفجوة في المصداقية – التي تفاقمت بسبب الانتقال إلى نظام رئاسي جديد العام الماضي يمنح الرئيس سلطة غير مسبوقة – هي أحد الأسباب التي تجعل البعض يعتقد أن تركيا بحاجة إلى دعم من صندوق النقد الدولي.

وقال: “إن أسهل شيء هو أن تذهب إلى صندوق النقد الدولي لتتحدث إليهم حول الأمور الفنية” وأضاف: “ليس عليهم حتى أن يعقدوا اتفاق؛ فقط قم باستخدامهم لأجل المصداقية”. إلا أن أردوغان أصر مراراً على أنه لن يقوم بهذا الشيء.

ويعتقد البعض أن أنقرة يمكنها أن تجد طريقها للخروج من الأزمة من خلال خطة إصلاح “محلية الصنع”. ومع ذلك، فإن صياغة حلٍ كهذا لا يتطلب المعرفة الفنية العميقة للمسؤولين عن الهيئات التنظيمية فحسب – الذين تم طرد بعضٍ منهم بعد محاولة انقلاب فاشلة في عام 2016 – ولكن أيضًا يتطلب إدراكًا لحجم المشكلات.

ولكن يبدو أن الجميع غير مقتنعين بأن الرسالة قد وصلت.

إلى الدولار سر
وقد أظهر الأتراك قلقهم من الاقتصاد بالاندفاع نحو الدولار. وارتفعت ودائع العملات الأجنبية التي يحتفظ بها المواطنون الأتراك وذلك بشكلٍ مُطَّرِد منذ بداية العام، لتصل إلى حوالي 185 مليار دولار في شهر مارس.

كذلك شعر المستثمرون الأجانب بالخوف نتيجة للتوترات بين تركيا والولايات المتحدة بسبب خطط أنقرة لشراء نظام S-400 للدفاع الجوي من روسيا.

وبشكلٍ غير علني، يُصرُّ المسؤولون الأتراك على أن القضايا مفهومة جيدًا، ويقول أحدهم: “لكن من الصعب جدًا القيام بشيء مثل إعادة رسملة البنوك بالمال العام قبل حصول انتخابات”.

من جهتها، ترى مجموعة الأعمال “توسياد” أن برنامج استقرارٍ قصير المدى سيكون بحاجة إلى أن تتبعهُ إصلاحاتٌ جريئة لكلٍ من الضرائب وسوق العمل ونظام التعليم، ومصحوبًا بعلاقاتٍ أكثرَ استقرارًا مع الغرب. وقالت السيدة زومروت إمام أوغلو: “هذا هو المكان الذي يجب أن يأتي منه النمو”. وأضافت: “لن يحققه تمويل زهيد بعد الآن”.

 

المصدر: – العربية.نت