الخميس 9 شوال 1445 ﻫ - 18 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

هذه قصة عبد الباسط الساروت أيقونة ومنشد الثورة السورية وحارسها

أعلنت فصائل الثورة السورية، الجمعة، مقتل أحد أبرز رموزها، وهو عبد الباسط الساروت، الملقّب بمنشد الثورة وحارس الثورة.

وأصيب الساروت، الخميس، خلال معارك اشتبك فيها مع قوات النظام السوري، على مناطق ريفي حماة وإدلب، ثم تم نقله إلى تركيا للعلاج، ثم لفظ أنفاسه الأخيرة فيها، جراء إصابته، كما قالت أغلب مصادر المعارضة.

ومن خلال مصادر النظام السوري، والذي نقل خبر مقتل الساروت على صعيد واسع في أغلب وسائل إعلامه الرسمية أو القريبة منه، والدائرة في فلكه، فإن الساروت قُتِل من مسافة قريبة، وهو يهاجم إحدى نقاط جيش النظام، مع بضعة من رفاقه، وذلك تحت ضربات سلاح الجو العنيف، والذي لا تزال تشهده المنطقة ما بين ريفي حماة وإدلب، منذ شهر نيسان/ أبريل الفائت.

وكان تعرض الساروت، لإصابة، متداولا على صفحات أنصار النظام السوري، منذ أيام، باسمه وصوره المتعددة، قبل أن يتم التحقق من نبأ رحيله، في الساعات الأخيرة.
أغاني الوطن والثورة

أهمية الرجل، يظهرها إعلام النظام السوري، نفسه. فقد أفردت غالبية الصحف الرسمية التابعة للنظام، حيزا لخبر مقتل الساروت، بالاسم والصورة، ذلك أن الرجل كان يتمتع بشعبية قل مثيلها في أوساط الثورة السورية، منذ بداياتها عام 2011، عندما كان الراحل، يصدح بأغاني الوطنية والثورة، وإلى جانبه، رفيقة درب الثورة، الفنانة السورية الراحلة، ابنة مدينته حمص، فدوى سليمان، والتي رحلت في فرنسا، عام 2017، بعد إصابتها بمرض السرطان.

ولد عبد الباسط الساروت، في مدينة حمص عام 1992، وكان ولعه برياضة كرة القدم، يتفوق على ولعه بأي شيء آخر حوله، فبرز في هذا المجال، ولعب في أندية محافظته، ليصبح أحد أشهر حراس كرة القدم في سوريا، عندما نال جائزة أفضل ثاني حارس كرة قدم، في القارة الآسيوية.

وأصبح الساروت، حارس مرمى شباب المنتخب السوري لكرة القدم، إلا أن اندلاع الثورة السورية، عام 2011، فرض عليه، كما قال هو في عشرات التصريحات المتلفزة والمكتوبة، الاستجابة لطموحات أبناء مدينته، بالحرية والعدالة، مثله كمثل مئات الآلاف من السوريين الذين انخرطوا في ثورة سلمية على النظام السوري، قوبلت بالنار والحديد والتنكيل ودموية لم يشهد لها التاريخ العسكري مثيلا، كما تقر بذلك الأمم المتحدة، حتى بلغ عدد الضحايا مئات الآلاف من القتلى، وملايين المهجرين والنازحين في مختلف بقاع الدنيا.
مكافأة لاعتقاله أو قتله

برز الساروت مع الساعات الأولى للثورة على نظام الأسد، ونظرا لما يتمتع به من صوت شجيّ عفوي، فإنه كان يعبّر عن نضاله وكفاحه الثوري، من خلال إنشاد المقاطع الغنائية السياسية الثائرة، والتي وإن أطربت جمهور الثورة، إلا أنها كانت تنزل كالحمم على النظام السوري، بقول متابعين، فقام باستهدافه مرات، وفشل، ثم أعلن عن مكافأة لاعتقاله أو قتله. لقد كان الساروت، بشعبيته التي يحظى بها، في أوساط مجتمع مدينته، حمص، يشكل خطرا معنويا كبيرا على النظام السوري الذي سعى بمختلف الأشكال، لتشويه صورة وسمعة معارضيه، ومنهم الساروت الذي روّج عليه، زورا، أنه “بايع” تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وذلك للنيل من صورته المشرقة لدى طيف واسع من السوريين الذين نعوه على مختلف انتماءاتهم السياسية والدينية والطائفية والقومية، ما خلا نظام الأسد، بطبيعة الحال.

عرف الجمهور السوري، الساروت، من خلال قيادته التظاهرات المناهضة لنظام الأسد، في حمص، والفيديوهات التي يظهر فيها منشداً، تملأ موقع “اليوتيوب” الذي لا يزال يحتفظ للراحل، بمجموعة مميزة، يظهر فيها، منشدا ومطلقا للشعارات من مثل: “حرّية للأبد، غصباً عنك يا أسد”.
الساروت يخسر أغلب أفراد عائلته

صار الساروت، رمزاً نضالياً لمدينته حمص، قبل أن يضطره عنف النظام، لحمل السلاح، فقد خسر الساروت أغلب أفراد عائلته على يد جيش النظام السوري الذي اقترب من “إفناء” عائلة الساروت كما تقول مصادر سورية معارضة. فقد قتل النظام السوري، عدة أخوال له، ثم قتل أربعة من إخوته، هم وليد عام 2011، ومحمد عام 2013، ثم أحمد، وعبد الله، عام 2014، بحسب مصادر المعارضة السورية.

إذ ذاك، اضطر الساروت للدفاع عن بقية أفراد عائلته وأبناء مدينته حمص ومجمل أنصار المعارضة السورية، فشكل عام 2015 فصيلا عسكريا بسيطاً معنيا بالدفاع عن الأهالي يدعى (كتيبة شهداء البياضة) من محاولات عناصر جيش النظام الدائمة، بتصفية معارضيه قتلا واغتيالا، حيث سعى إلى اغتيال الساروت نفسه، أكثر من مرة، كما تؤكد جميع المصادر المتطابقة.

وبلغ الساروت حالة واسعة من الاشتهار الإنساني، في أوساط المعارضة السورية وغيرها، عندما سعى إلى تأمين مغادرة زميلته المعارضة الفنانة فدوى سليمان، خارج سوريا، لتلقي العلاج، فيما هو أصر على البقاء رمزا للثورة وأحد أبرز ناشطيها، ثم ليقضي وهو يقوم بما يؤمن به.

في هذه الأثناء، كان النظام السوري يضيق على أهالي حمص، أشد التضييق والحصار وبأعمال القصف والقتل، فغادر الساروت عام 2016، إلى تركيا، ليعود بعد فترة إلى شمال سوريا، في إدلب، ذلك المكان الذي سبق وهجّر نظام الأسد، جزءا كبيرا من معارضي حمص إليه، ومعارضي بقية معاقل الثورة، فعاد الساروت لقيادة التظاهرات في الشمال، وظهر في فيديوهات عديدة، منشدا ومطلقا الشعارات، كلما توقّف طيران النظام ومدفعيته، عن القصف.

كانت إقامة الساروت في شمال سوريا، محفوفة بمخاطر مختلفة، فقد سعت تنظيمات متشددة إلى تصفيته، مثلما صفّت عددا آخر من الإعلاميين والمعارضين السلميين، وكانت آخر محاولة اغتيال للساروت، مطلع هذا العام، في إدلب، عندما رصد الراحل محاولة زرع عبوة ناسفة في سيارته، فقام بمقاومة المجموعة التي اضطرت للانسحاب بعد حصول الاشتباك.
العودة إلى حمص

عنف النظام السوري وخياره العسكري لإجهاض الثورة المطالبة بإسقاطه، والذي تسبب بولادة مرحلة رفع السلاح في وجهه، لحماية الأهالي، كان الساروت، الصورة الأبرز لهذا التحول، من إطلاق الشعارات إلى إطلاق النار، فبعد تأسيسه كتيبة شهداء “البياضة” والأخيرة إحدى مناطق حمص التي ارتكب فيها النظام واحدة من مجازره الدموية، انضم الساروت إلى فصائل الجيش السوري الحر، في ما يعرف بجيش العزة، عام 2018.