الانتخابات البلدية - تعبيرية
بعد تسع سنوات من التمديد القسري للمجالس البلدية، عاد الناخبون في محافظة جبل لبنان إلى صناديق الاقتراع يوم امس، في استحقاق طال انتظاره وكشف عن تغيّرات ملموسة في المزاج الشعبي والسياسي. وقد شكّلت هذه الانتخابات اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدولة على تنظيم الاستحقاقات، ولوزن القوى السياسية في بيئاتها التقليدية.
رغم التحضيرات المتأخرة والشكوك التي سبقت موعد هذا الاستحقاق ، فقد جرت العملية الانتخابية بسلاسة حيث بلغت نسبة الاقتراع 44.59 في المئة في محافظة جبل لبنان ، رغم ان نسبة المشاركة كانت متفاوتة بين الأقضية. ففي بعض البلدات، بقيت النسبة دون 30%، ما يعكس تراجع الحماسة السياسية، بينما شهدت بلدات أخرى إقبالًا ملحوظًا، خصوصًا في المناطق ذات المنافسة الحادة أو حيث برزت لوائح مستقلة.
مصادر سياسية متابعة اعتبرت عبر “صوت بيروت إنترناشونال ” ان أبرز ما ميّز الاستحقاق الانتخابي البلدي هو تراجع الحضور الحزبي التقليدي، سواء بسبب الانقسام الداخلي أو لتراجع التمويل والدعم اللوجستي، وهو ما أفسح المجال أمام لوائح مستقلة أو تحالفات مدنية في عدد من البلدات.
وتشير المصادر بانه على سبيل المثال فقد برزت بقضاء المتن، منافسة بين لوائح مدعومة من التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية من جهة، ولوائح محلية مستقلة من جهة أخرى. أما في الشوف وعاليه، فقد حافظ الحزب التقدمي الاشتراكي على حضوره، لكن ضمن تفاهمات محلية أكثر منها حزبية صِرفة.
ولفتت المصادر إلى المفاجآت التي برزت حتى الان في النتائج في بعض المناطق، حيث خسر عدد من المرشحين مرشحون المحسوبين على أحزاب نافذة لصالح وجوه جديدة أو لوائح مستقلة، وهو ما يعكس تحوّلًا تدريجيًا في المزاج العام، وإن لم يصل بعد إلى مستوى “البديل المنظم” حسب تعبير المصادر، التي تشير الى بروز دور الناشطين المحليين والمجتمع المدني، لا سيما في بلدات كسروان وجبيل، حيث نجحت مجموعات شبابية في إيصال عدد من الأعضاء إلى المجالس.
اما تنظيميًا، فتعتبر المصادر بانه ورغم الشح المالي الذي تعانيه الدولة، فانه سُجلت إيجابية نسبية في أداء وزارة الداخلية، وسط انتشار أمني كثيف سهّل العملية الانتخابية. معتبرة ان ما سجل من بعض الخروقات والمخالفات يبقى محدوداً جدا.
وتشير المصادر إلى انه مع انتهاء الجولة الانتخابية في جبل لبنان، فان الأنظار ستتجه إلى المراحل التالية من الانتخابات البلدية والاختيارية التي تُستكمل خلال شهر أيار 2025، وفقًا للجدول الزمني الذي أعلنته وزارة الداخلية: الأحد 11 أيار في محافظتي الشمال وعكار، الأحد 18 أيار في بيروت، البقاع وبعلبك – الهرمل، والأحد 25 أيار في الجنوب والنبطية. حيث ستكتسب هذه المراحل أهمية خاصة نظرًا لتنوع التحديات والخصوصيات في كل منطقة، لا سيما في الجنوب حيث تتقاطع العملية الانتخابية مع تداعيات الحرب الأخيرة.
وفي المحصلة ، فان هذه الانتخابات ستكون بمثابة “بروفة مبكرة” للانتخابات النيابية المقررة في ربيع 2026. لانها في النهاية ستتيح للأحزاب اختبار قوتها التنظيمية، ولمجموعات المجتمع المدني قياس حضورها الشعبي.
من هنا، فإن نتائج الاستحقاقات البلدية ستكون بمثابة مؤشّر أولي على موازين القوى المقبلة، وخارطة التحالفات السياسية المحتملة في المرحلة الآتية.