بعد سنوات قاسية من الحرب اللبنانية دامت 15 سنة ولد اتفاق الطائف الذي أرسى دستور لبنان، وذلك بعناية مباشرة من العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز الذي أوكل مهمة الوصول إلى هذا الاتفاق للرئيس الشهيد رفيق الحريري، هذا الاتفاق الذي نقل لبنان من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلام والإعمار، وتحديدا في 22 تشرين الأول من العام 1989 حين أقرّت وثيقة الوفاق الوطني بقانون من قبل المجلس النيابي. ولكن وخلال السنوات 35 الماضية فان بعض من المنظومة السياسية اللبنانية رفضت تطبيقه، والبعض الآخر أراد تفسيره وفقا لمصالحه الطائفية الضيقة، حيث تم تطبيق بعض بنوده بشكل انتقائي علما أن اتفاق الطائف ليس رهنا لا بعهد ولا بشخص و لا بحكومة بل هو ركيزة أساسية للجمهورية اللبنانية، ومن البديهي ان يتم الالتزام بكافة بنوده لان النصوص واضحة ولا تحتاج إلى شرح بل إلى تطبيق كما تقول مصادر سياسية واكبت إقرار هذا الاتفاق، وهي تعتبر ان الذي سقط ليس الدستور بل المنظومة السياسية التي حكمت البلد.
وشددت المصادر ان الطريق للخروج من الازمة الراهنة الذي يعاني منها لبنان هي بالعودة الى تطبيق الدستور بنصه و روحيته، وتشير الى ان المادة 95 من دستور تقضي بالانتقال من دولة تتغلب فيها الطوائف على الدولة الى دولة مدنية تبقى فيها الطوائف ككيانات مذهبية طائفية ولكن مستوعبة من قبلها، معتبرة الى ان الكثير من المفاهيم الدستورية تم تشويهها من خلال الممارسات التي سلكتها الطبقة الحاكمة، مذكرة بأن المادة 95 ايضا تنص على إنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية وعلى رأسها رئيس الجمهورية، واعضائها هم رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وشخصيات فكرية واجتماعية وأن لا تكون طائفية وتوجهاتها وطنية، وعابرة في طروحاتها للطوائف من أجل وضع خطط وبرامج تنفذ من قبل مجلسي النواب والوزراء للسير تدريجيا باتجاه الغاء الطائفية وقيام حكم مدني.
وتقول المصادر”ان ما حصل هو عدم احترام هذه المادة ولم يتم انشأ الهيئة الوطنية ولا الغاء الطائفية في القضاء و الوظائف الامنية وفي الجيش والادارات العامة، باستثناء وظائف الفئة الاولى حيث توزع فيها حسب المادة 95 الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، دون تكريس اي وظيفة لأي طائفة ولكن في الواقع تم تكريس كل الوظائف بجميع فئاتها للطوائف خلافا للدستور، واصبح لكل طائفة مركز في السلك القضائي و تجذرت الطائفية وغلبت الدولة بدل من ان تقويها، ولم يتم استيعاب المواطنين الذين ظُلموا بسبب زعمائهم الذين كرسوا حقوق طوائفهم لمصالح حاشيتهم ، وأصبحت تثار حولهم الشبهات ويتهمون بالفساد، بينما أبناء الطائفة الذين يحكمون باسمها يعانون اسوء الأوضاع المعيشية”.
واعتبرت المصادر ان موضوع العيش المشترك ركن اساسي في النظام اللبناني وهو ميثاق بين اللبنانيين من اجل بناء دولة وهذا ما نصت عليه مقدمة الدستور، وتلفت الى ان من مارس السلطة بعد اتفاق الطائف فسر العيش المشترك في اطار تقسيم الحصص وتقاسم الدولة وتوزيعها في اطار المحافظة على هؤلاء الزعماء وهذا ما اوصل الدولة الى الحالة التي وصلنا اليها.
اما بالنسبة الى الفصل المتعلق ببسط سيادة الدولة ونزع سلاح الميليشيات وتسليمه الى الدولة، فترى المصادر ان هذا البند لم يطبق بشكل كامل بل ما حصل هو التفاف عليه، كما هو الامر بالنسبة لموضوع انتشار الجيش على كامل اراضي الجنوب، فهذا البند لم ينفذ رغم أهميته وبدلا من انتشار الجيش امسكت المقاومة بزمام الامور هناك وهذا ما شكل خرقا اضافيا لهذا الاتفاق.
واذ تلفت المصادر ايضا الى ان اداء بعض المسؤولين أساء للبنان ولدستوره ،اكدت على ان الدستور نص على ان النظام اللبناني هو ديموقراطي برلماني قائم على المشاركة في السلطة في بعدها الوطني والطائفي، مبدية في المقابل اسفها لان النظام بات يحكمه عدد من رؤساء العشائر اسمها طوائف تحكمها المحاصصات فيما بينها، بينما الديمقراطية البرلمانية براء من تصرفات المسؤولين.