يبدو أنه مكتوب على لبنان وشعبه أن يعيش النكسات والخيبات ويختبرها واحدة تلو الأخرى، فبعد الآمال التي وضعت عن إمكانية أن يصبح لبنان بلدًا نفطيًا، كانت الخيبة والصدمة كبيرة على اللبنانيين بإعلان شركة “توتال” الانتهاء من عملية حفر البئر في البلوك 9، وقد أبلغت الشركة عددًا من المسؤولين المعنيين بوصولها إلى عمق 3900 متر تحت قعر البحر ولم تجد سوى الماء، ولكن المضحك المبكي هو رهان الطبقة السياسية على حل مشاكل لبنان الاقتصادية والمالية من خلال المردود الذي يمكن أن يؤمنه هذا المورد المجهول، حتى أن الطبقة السياسية ذهبت إلى مرحلة التفكير بكيفية وطريقة بيع الغاز، على طريقة “يبيع السمك بالبحر”.
وها هو مشهد إغلاق “البلوك” رقم 4 الخالي من الغاز، يتكرر اليوم مجددًا مع إعلان شركة “توتال”.
وردًا على ما أعلنته “توتال” اعتبرت هيئة قطاع النفط أنّه بالرغم من عدم حصول اكتشاف لمواد هيدروكاربونية نتيجة لحفر البئر في البلوك 9، إلا أن البيانات والعينات التي تم الاستحصال عليها من داخل البئر ستشكل أملًا جديدًا ومعطيات إيجابية، لاستمرار عمليات الاستكشاف في البلوك 9 والبلوكات الأخرى وبالأخص تلك المحيطة ببلوك 9، كما أنها تعطي قوة دفع إضافية للاستكشاف في البحر اللبناني.
وبحسب المعلومات فإن شركة “توتال “تتجه للموافقة على حفر بئر ثانٍ على البلوك رقم 9 ضمن مرحلة الاستكشاف الثاني ومدتها 3 سنوات، وذلك استنادًا إلى العقود الموقعة مع الدولة اللبنانية، ولكن لم تحدد الشركة موعد بدء عملية الحفر مع ترقب الأوضاع في المنطقة وبقاء الخطط الاستثمارية المقبلة رهن التطورات الأمنية، كما أفيد أن الشركة قررت نقل جميع موظفيها غير اللبنانيين إلى قبرص والعمل عن بُعد للتحضير للمرحلة الاستكشافية المقبلة لحين عودة الهدوء إلى المنطقة، مع إبقاء العدد الأدنى من الموظفين لإدارة جزء من العملية من بيروت.
مصادر خبيرة في ملف الطاقة وموضوع التنقيب شرحت مسار ما جرى بالنسبة لملف التنقيب لـ “صوت بيروت إنترناشونال” فقالت: “كما هو معلوم فإنّ شركة “توتال” هي الشركة المشغلة لموضوع الحفر، وهي وصلت من خلال الحفارة “ترانس أوشن” إلى عمق 3900 متر في البحر، بما يتناسب مع واجباتها التعاقدية حيث تم الوصول إلى الطبقة الجيولوجية ” C ” و” D”، ووجدوا في المكمن ماءً، وبالتالي فإنه من المتعارف عليه أنه عند وجود ماء في المكمن يتم التوقف عن العمل، لأنها تكون أكثر ثقلًا من الغاز لأنه في حال تواجده فهو يكون فوق الماء وليس تحته، لذلك وللأسف نتيجة ما تم الوصول إليه سيتم إقفال البئر، كما حصل في البلوك 4″.
وأشارت المصادر إلى أن منصة الحفر “ترانس أوشن” العابرة للمحيطات ستغادر لبنان متوجهة إلى قبرص لبدء أعمال حفر أخرى في مياهها، بسبب ارتباطها باستكشافات لصالح شركة “إيني” الإيطالية، ولفتت المصادر إلى أنّ نظرية المؤامرة المثارة حاليًا ناتجة عن أن كل طرف يقارب الموضوع من منظار معيّن، مشيرة إلى أنّ الحقيقة تؤكد أنه كان لدى شركة “توتال” تصور جيولوجي محدد وتم الحفر على أساسه وهذا الأمر يحصل عادة، وتعطي مثلًا على ذلك بأنّه في قبرص من أصل 6 آبار هناك ثلاثة تم حفرهم ولم يتم إيجاد أي مكمن نفطي فيهم، كذلك الأمر في حقل ظُهر في المنطقة الاقتصادية المصرية، حين كان هناك نية بوقف الأعمال، لكن بعد حفر نحو 50 مترًا إضافيًا وجد أحد أكبر مكامن النفط في البحر المتوسط.
وتلفت المصادر إلى أنّه من الناحية العلمية، فإن المنطق يقول إنّ شركة “توتال” تكلفت أكثر من 100 مليون دولار ليس من أجل أن يكون هناك بئر جاف، أو من أجل أن يتم إغلاقه لاعتبارات سياسية أو جيو سياسية، لا سيما أنها وبالشراكة مع “الكنسورتيوم” الشركة الإيطالية “إني” وشركة “قطر للبترول” تقدموا للحفر في البلوكين 8 و10، وهذا الأمر يؤكد على اهتمام الشركات بملف الغاز في لبنان، حسب ما تقول المصادر.
وكشفت المصادر عن استلام هيئة إدارة قطاع النفط عروض حفر البئر 8 و10، وأنها في طور بدء تقييّم كافة العروض.
ورأت المصادر أن الوضع الجيوسياسي الحالي سينعكس على حماسة الشركات للعمل في المنطقة ككل وليس فقط في لبنان، داعية إلى انتظار ما يمكن أن تؤول إليه المستجدات الأمنية إن كان في لبنان أو داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، باعتبار أن الأوضاع الأمنية باتت تشكل الأولوية لدى الجميع.