هذا المشهد غير المألوف لبلد من بلدان العالم الثالث يعاني شتّى أنواع الأزمات المعيشية والإقتصادية ويستقدم عمالة أجنبية تبلغ نصف عدد سكانه، بدأ يتغيّر مؤخّراً بشكل جذري.
لا يفوّت “نور الدين”، العامل البنغلادشي في شركة إعلانات، فرصة لكي يسأل عن آخر سعر لصرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية. “يستنبش” كل من يراه، لعلّه يسمع جواباً متفائلاً يسمح له بصرف 600 ألف ليرة لبنانية، بسعر مقبول وتحويلها إلى أسرته في بلاده. لكن كل محاولاته تبوء بالفشل. فالستمائة ألف ليرة لم تعد تعني 400 دولار كما في الماضي القريب، إنما 290 دولاراً. وهو ما سيُرتّب عليه بكل عملية تحويل الى الخارج خسارة 110 دولارات أو ما يعادل عمل أسبوعين متتاليين.
“شهنور”، عاملة التنظيف المنزلية، تشتكي بدورها من أن “ربّة المنزل بدأت منذ نهاية أيلول بدفع مرتّبها بالليرة اللبنانية، بدلاً من الدولار كما جرت العادة خلال العامين المنصرمين”. وهي إن كانت غير معنية بالأزمة النقدية اللبنانية، فقد تحوّل سؤالها ” كيف يعني بدي أعمل مستر هيك”، واستفسارها عن إمكان تقديم شكوى بحقّ مشغّليها لسان حالها مع كل من تلتقيه في “دكانة” الحي.
الدفع بالليرة قانوني
البعض من العمال الأجانب استفاد خلال منتصف شهر كانون الاول من العام الماضي بعرض محدود قدّمته شركة “ليبان بوست” أتاح للعمال “البنغلادشيين” و”الفلبينيين” تحويل مبلغ 300 دولار عبر “MoneyGram ” إلى دولهم، مقابل 500 ألف ليرة لبنانية فقط من ضمنها الرسوم. ووفق تلك المعادلة يكون سعر صرف الليرة اللبنانية من خلال التحويل الى الخارج هو 1666 ليرة لبنانية للدولار الواحد، بدلاً من نحو 2000 ليرة لبنانية كما كان سارياً في وقتها.
العروض على التحويلات ستتوقف
هذه الخطوة غير المفهومة والتي تُناقض مبدأ العمل التجاري الهادف إلى الربح يُتوقّع أنها لن تتكرّر، رغم كل الحديث عن إمكان تفعيلها في وقت قريب. أما السبب بحسب أحد الخبراء فهو قرار مصرف لبنان رقم “13164” الذي ألزم بموجبه كافة المؤسسات غير المصرفية، التي تقوم بعمليات التحاويل النقدية بالوسائل الإلكترونية، أن تُسدّد قيمة أي تحويل نقدي إلكتروني وارد من الخارج بعملة التحويل ذاتها، وليس حصراً بالليرة اللبنانية، ابتداء من 8/01/2020.
هذا الواقع سيدفع نسبة كبيرة من العمال الأجانب إلى المغادرة، سواء بإرادتهم الشخصية أو بسبب تخلّي مكاتب الإستقدام عن خدماتهم. وبحسب سمعان فإن شركتهم “التي لا توظّف من الأجانب أكثر من 10 في المئة، سوف تُبقي العمال الأساسيين الذين يعملون في بيئة صعبة وقاسية لا يدخلها اللبناني كالـمسلخ أو تنظيف زجاج الأبنية، وستسرح الباقي الذي يمكن الاستغناء عنه”.
أعداد غير مبرّرة
وبحسب أرقام وزارة العمل يوجد في لبنان حوالى 15 ألف عامل في الفئة الثانية و72 ألفاً في الفئة الثالثة و186 ألفاً في الفئة الرابعة ( العمالة المنزلية والتنظيف)، في حين يوجد حوالى 70 ألف عامل لا يحملون إجازات عمل رسمية ووجودهم يُعتبر غير شرعي على الأراضي اللبنانية.
أما في الأرقام غير الرسمية فيُشاع أنه يوجد في لبنان حوالى مليون ومئة ألف عامل أجنبي، من ضمنهم حوالى 800 ألف عامل سوري، في حين ان الحاجة لا تتجاوز الـ 250 ألفاً سنوياً.
الكلفة الإقتصادية للعمالة الأجنبية في لبنان باهظة، وهي لا تنحصر في منافسة اليد العاملة اللبنانية فحسب، إنما في حجم الاموال بالدولار التي يُخرجونها من لبنان والتي بلغت في العام 2017 حوالى 6.6 مليارات دولار. ولو أجرينا مقارنة مع الأسطورة اللبنانية التي تتغنّى بتحويلات المغتربين من الخارج، لوجدنا ان الفرق بينها وبين ما حوله العمال الاجانب من لبنان بلغ 1.1 مليار فقط لمصلحة لبنان. وبالتالي فإن قيمة تحويلات المغتربين التي بلغت في العام 2017 حوالى 7.8 مليارات دولار، لم يدخل منها فعلياً على الإقتصاد إلاّ حوالى مليار دولار.
البديل “لبناني”
هذه الإشكالية على تناقضاتها تطرح أكثر من سؤال عن البديل الذي يُمكن أن يحلّ مكان اليد العاملة الأجنبية، والكلفة التي سيرتّبها على الشركات التي تعاني من ارتفاع أكلاف الانتاج، وصعوبة في التصدير وإستيراد المواد الاولية.
وبرأي سمعان فإن “الاجور المنخفضة التي يتقضاها العمال الاجانب لا تعكس الكلفة الحقيقية لهم. ولو أضفنا الى رواتبهم ما تتحمّله مكاتب الاستقدام من رسوم وبدل تسجيل في الضمان، لا يستفيد منه العامل، ورسوم كاتب العدل وزيادة الرسوم على الإقامة من 400 ألف إلى 800 ألف ليرة في موازنة العام 2019، لأصبح العامل اللبناني أوفر”.
هذا الأمر من الممكن أن يحلّ اليد العاملة اللبنانية مكان الاجنبية، حتى في كثير من المجالات التي كان يرفض اللبناني العمل بها، وهو ما يشكل تطبيقاً لمعادلة رابح رابح Win Win SOLUTION.