السبت 17 شوال 1445 ﻫ - 27 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

الأزمة النقدية..المغتربون يُدخلون الدولار من "الباب" والمستخدَمون "يسحبونه" من "الشبّاك"

شكّل لبنان في سنوات ما بعد الحرب جنّة للعمالة الأجنبية، وتحديداً السورية منها والآسيوية. فتوجّه السوريون للعمل في قطاعَي البناء والزراعة، فيما لبّت العمالة الآسيوية والشمال أفريقيّة متطلّبات الخدمة المنزلية. وقد استفاد العمّال لسنوات طوال من ارتفاع مستوى الدخل في لبنان بالمقارنة مع بلدانهم، وتمتّعه بنظام حرّ، سهل وسريع لصرف العملة وتحويلها إلى الخارج من دون أي عقبات.

 

هذا المشهد غير المألوف لبلد من بلدان العالم الثالث يعاني شتّى أنواع الأزمات المعيشية والإقتصادية ويستقدم عمالة أجنبية تبلغ نصف عدد سكانه، بدأ يتغيّر مؤخّراً بشكل جذري.
لا يفوّت “نور الدين”، العامل البنغلادشي في شركة إعلانات، فرصة لكي يسأل عن آخر سعر لصرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية. “يستنبش” كل من يراه، لعلّه يسمع جواباً متفائلاً يسمح له بصرف 600 ألف ليرة لبنانية، بسعر مقبول وتحويلها إلى أسرته في بلاده. لكن كل محاولاته تبوء بالفشل. فالستمائة ألف ليرة لم تعد تعني 400 دولار كما في الماضي القريب، إنما 290 دولاراً. وهو ما سيُرتّب عليه بكل عملية تحويل الى الخارج خسارة 110 دولارات أو ما يعادل عمل أسبوعين متتاليين.

“شهنور”، عاملة التنظيف المنزلية، تشتكي بدورها من أن “ربّة المنزل بدأت منذ نهاية أيلول بدفع مرتّبها بالليرة اللبنانية، بدلاً من الدولار كما جرت العادة خلال العامين المنصرمين”. وهي إن كانت غير معنية بالأزمة النقدية اللبنانية، فقد تحوّل سؤالها ” كيف يعني بدي أعمل مستر هيك”، واستفسارها عن إمكان تقديم شكوى بحقّ مشغّليها لسان حالها مع كل من تلتقيه في “دكانة” الحي.

الدفع بالليرة قانوني

المدير التنفيذي في شركة “A to Z Services” غابي سمعان يُشير إلى أن “كل العقود الموقّعة مع العمال الأجانب هي بالليرة اللبنانية حكماً، نظراً إلى أنها تمرّ بوزارة العمل”. وعليه لا يحق لأي عامل تقديم شكوى بهذا الخصوص.

البعض من العمال الأجانب استفاد خلال منتصف شهر كانون الاول من العام الماضي بعرض محدود قدّمته شركة “ليبان بوست” أتاح للعمال “البنغلادشيين” و”الفلبينيين” تحويل مبلغ 300 دولار عبر “MoneyGram ” إلى دولهم، مقابل 500 ألف ليرة لبنانية فقط من ضمنها الرسوم. ووفق تلك المعادلة يكون سعر صرف الليرة اللبنانية من خلال التحويل الى الخارج هو 1666 ليرة لبنانية للدولار الواحد، بدلاً من نحو 2000 ليرة لبنانية كما كان سارياً في وقتها.

العروض على التحويلات ستتوقف

هذه الخطوة غير المفهومة والتي تُناقض مبدأ العمل التجاري الهادف إلى الربح يُتوقّع أنها لن تتكرّر، رغم كل الحديث عن إمكان تفعيلها في وقت قريب. أما السبب بحسب أحد الخبراء فهو قرار مصرف لبنان رقم “13164” الذي ألزم بموجبه كافة المؤسسات غير المصرفية، التي تقوم بعمليات التحاويل النقدية بالوسائل الإلكترونية، أن تُسدّد قيمة أي تحويل نقدي إلكتروني وارد من الخارج بعملة التحويل ذاتها، وليس حصراً بالليرة اللبنانية، ابتداء من 8/01/2020.

فمؤسسات تحويل الاموال التي حققت خلال الشهرين المنصرمين أرباحاً كبيرة تجاوزت الـ 30 في المئة على كل دولار محوّل، من خلال دفع تحويلات الدولار الآتية من الخارج بالليرة اللبنانية، لم تعد تستطيع المناورة وتقديم العروض مع إجبارها على دفع التحويلات بذات عملة التحويل”.

هذا الواقع سيدفع نسبة كبيرة من العمال الأجانب إلى المغادرة، سواء بإرادتهم الشخصية أو بسبب تخلّي مكاتب الإستقدام عن خدماتهم. وبحسب سمعان فإن شركتهم “التي لا توظّف من الأجانب أكثر من 10 في المئة، سوف تُبقي العمال الأساسيين الذين يعملون في بيئة صعبة وقاسية لا يدخلها اللبناني كالـمسلخ أو تنظيف زجاج الأبنية، وستسرح الباقي الذي يمكن الاستغناء عنه”.

أعداد غير مبرّرة

ليس “البرستيج” وغيره الكثير من العناصر الثقافية والمجتمعية هو السبب الوحيد الذي دفع الى تدفّق مئات الألوف من العمال الأجانب، بل أيضاً “تواطؤ كان يحصل في الفترات السابقة، قبل تولّي كميل أبو سليمان حقيبة وزارة العمل، بين تجار وأجهزة أمنية ونافذين في وزارة العمل، لإدخال آلاف العمال ورميهم في الأسواق مقابل عمولة وسمسرات، ومن دون أن يكون لهؤلاء التجار أي شركة أو مكتب أو عمل في هذا الشأن”.

 

وبحسب أرقام وزارة العمل يوجد في لبنان حوالى 15 ألف عامل في الفئة الثانية و72 ألفاً في الفئة الثالثة و186 ألفاً في الفئة الرابعة ( العمالة المنزلية والتنظيف)، في حين يوجد حوالى 70 ألف عامل لا يحملون إجازات عمل رسمية ووجودهم يُعتبر غير شرعي على الأراضي اللبنانية.

أما في الأرقام غير الرسمية فيُشاع أنه يوجد في لبنان حوالى مليون ومئة ألف عامل أجنبي، من ضمنهم حوالى 800 ألف عامل سوري، في حين ان الحاجة لا تتجاوز الـ 250 ألفاً سنوياً.

الكلفة الإقتصادية للعمالة الأجنبية في لبنان باهظة، وهي لا تنحصر في منافسة اليد العاملة اللبنانية فحسب، إنما في حجم الاموال بالدولار التي يُخرجونها من لبنان والتي بلغت في العام 2017 حوالى 6.6 مليارات دولار. ولو أجرينا مقارنة مع الأسطورة اللبنانية التي تتغنّى بتحويلات المغتربين من الخارج، لوجدنا ان الفرق بينها وبين ما حوله العمال الاجانب من لبنان بلغ 1.1 مليار فقط لمصلحة لبنان. وبالتالي فإن قيمة تحويلات المغتربين التي بلغت في العام 2017 حوالى 7.8 مليارات دولار، لم يدخل منها فعلياً على الإقتصاد إلاّ حوالى مليار دولار.

رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان كاسترو عبد الله يتوقع “أن تكبر أزمة العمالة الأجنبية في لبنان وتتعمّق أكثر”. ويرى أن “النسبة الكبيرة من العمالة الأجنبية تعمل لدى شريحة من العمال والموظفين في القطاعين العام والخاص وليس فقط عند ميسورين ورأسماليين، وبالتالي فإن هذه الشريحة تعرَّض جزء كبير منها لفقدان الوظائف أو العمل بنصف راتب، وكلها في النهاية خسرت حوالى 30 الى 40 في المئة من قدرتها الشرائية. وعليه فقد أصبحت كلفة هذه العمالة المنزلية التي تُدفع كل ثلاثة أشهر، تشكّل عبئاً كبيراً”. ويلفت إلى أن “هؤلاء العمال يتعرضون للاستغلال من خلال تحويل رواتبهم من الدولار الى الليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف الرسمي. فالعقود الموقّعة بالليرة هي على اساس الحد الادنى للاجور وليس 300 الف ليرة كما يتقاضون”، وعليه فإن نسبة كبيرة منهم ستغادر لبنان خلال الاشهر المقبلة.

 

البديل “لبناني”

هذه الإشكالية على تناقضاتها تطرح أكثر من سؤال عن البديل الذي يُمكن أن يحلّ مكان اليد العاملة الأجنبية، والكلفة التي سيرتّبها على الشركات التي تعاني من ارتفاع أكلاف الانتاج، وصعوبة في التصدير وإستيراد المواد الاولية.

وبرأي سمعان فإن “الاجور المنخفضة التي يتقضاها العمال الاجانب لا تعكس الكلفة الحقيقية لهم. ولو أضفنا الى رواتبهم ما تتحمّله مكاتب الاستقدام من رسوم وبدل تسجيل في الضمان، لا يستفيد منه العامل، ورسوم كاتب العدل وزيادة الرسوم على الإقامة من 400 ألف إلى 800 ألف ليرة في موازنة العام 2019، لأصبح العامل اللبناني أوفر”.

هذا الأمر من الممكن أن يحلّ اليد العاملة اللبنانية مكان الاجنبية، حتى في كثير من المجالات التي كان يرفض اللبناني العمل بها، وهو ما يشكل تطبيقاً لمعادلة رابح رابح Win Win SOLUTION.