النظام السياسي اللبناني القائم نتج عن تسوياتٍ إقليمية ودولية كان هدفها الرئيس إنهاء الحرب الأهلية التي امتدت خمسة عشر عامًا، وقام على أساس التوازنات الإقليمية والدولية، الامر الذي تغير حالياً وبات اختلال التوازن الإقليمي منذ لحظة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري لصالح المحور المدعوم من طهران ودمشق.
ومنذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، عاد التوازن الإقليمي للتغير مجدداً ملقياً بثقله على الداخل اللبناني، بحيث انقسم اللبنانيون بين مؤيد للنظام ومؤيد للمعارضة، خاصة مع تدخّل حزب الله مباشرة في الصراع السوري، نتيجة لذلك دخل لبنان حالة من التوتر السياسي والأمني استمرت في الفترة 2011-2013، قبل أن تتدخل القوى الخارجية لتفرض الاستقرار فيه خوفًا من أيّ تداعيات سلبية على دور لبنان الذي يستضيف عددًا كبيرًا من اللاجئين السوريين وقواتٍ دوليةً في جنوبه، فضلًا عن الحاجة إلى إدارة النزاع البحري وحلّه بين لبنان وإسرائيل حول استغلال حقول الغاز المكتشف حديثًا حينها في شرق المتوسط.
التوازن الإقليمي الذي بدا في المنطقة لصالح إيران انعكس لبنانياً باستسلام قوى 14 آذار عبر انتخاب الجنرال ميشال عون للرئاسة مقابل تولّي سعد الحريري رئاسة الحكومة، لكن انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات عليها واستهداف حليفها حزب الله، والتصعيد السعودي ضد إيران في اليمن، وغيرها، في بداية مرحلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كل ذلك وضع ضغوطًا كبيرة على لبنان، وانعكس على النظام السياسي والاقتصادي، على نحوٍ أدى إلى تفجر الاحتجاجات.
الأهم من كل ذلك، أنّ وعيًا سياسيًا جديدًا يتشكل في لبنان ويؤسس لهوية وطنية جديدة وتطلّعًا إلى نظام جديد يطوي صفحة الحرب الأهلية و”اتفاق الطائف” الذي أنتج نظامًا سياسيًا لم يعد قابلًا للحياة. فهل تنجح الانتفاضة في تحقيق هذه النقلة في حياة لبنان السياسية، في ظل غياب قيادة واضحة، وآليات لتنفيذ المطالب، وفي ظل مقاومة شرسة للتغيير تبديها الطبقة السياسية التي تحكم البلد منذ عقود؟ المهمات صعبة، والإجابة عن هذه الأسئلة ليست نظرية، بل تتوقف على قدرة اللبنانيين على التنظيم خارج الطائفية السياسية، والاستمرار في امتناع ومنع القوى السياسية المسلحة في لبنان من التعامل بالعنف مع الانتفاضة الشعبية.