الخميس 18 رمضان 1445 ﻫ - 28 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

بعد "السبت الأسود" كاتب أميركي يتساءل: هل يمكن إنقاذ لبنان؟

رصد جوزيف كشيشيان، أستاذ السياسة الأميركي والزميل الرفيع لدى مركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية، المشهد في لبنان على الصعيد السياسي والاقتصادي والمجتمعي، مشيراً إلى أن الشعب اللبناني يمكنه فقط إنقاذ بلاده من الفشل عن طريق إحداث تغيير حقيقي وتجنب اشتعال حرب أهلية تلوح في الأفق.

 

وتساءل كشيشيان، في مقال بحثي نشره مركز الملك فيصل، عما إذا كان السُنة والمسيحيون في لبنان في خطر، لافتاً إلى خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في 16 يونيو (حزيران) الماضي، عندما بدا قلقاً من العقوبات الأميركية الأخيرة في سوريا ولبنان، التي كانت جزءاً من قانون قيصر.

مشيراً إلى أن نصر الله فهم أن هذا الإجراء سيضر بقاعدته الشعبية أكثر كثيراً من أي أمر سابق، ويهدد قدرته على الدفاع عن الأسلحة الإيرانية التي بحوزته. ومن ثم هدد زعيم حزب الله وقتها قائلاً “سنقتل أي شخص يحاول إجبارنا على الاختيار بين الموت بالسلاح أو المجاعة؛ لن نتخلى عن أسلحتنا وسنقتلك”. ويقول الكاتب إنه ليس من الواضح بعد ما إذا كان نصر الله يقصد بالتهديد الأميركيين أم المسيحيين والسنة، على الرغم من أن المعلقين اللبنانيين شعروا بالغضب ورفضوا تهديداته.

 

انتفاضة أكتوبر

ويرصد الكاتب المشهد في لبنان منذ 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية الغاضبة من الفساد والركود الاقتصادي، مشيراً إلى أن المحن الاجتماعية والاقتصادية الحالية في لبنان والتي نشأت عن مزيج من ضعف التمثيل السياسي والفساد والركود، تعود إلى فترة طويلة قبل الانتفاضة التي هزت المؤسسة الحاكمة والتي لم تسفر سوى عن إسقاط حكومة سعد الحريري.

تسبب الشتاء وجائحة فيروس كورونا المستجد في إبقاء الكثيرين بعيداً عن الشوارع، على الرغم من أنه كان مقرراً في 6 يونيو (حزيران) الماضي، عودة الاحتجاجات مجدداً لإحياء أجندتها وربما إتمام المهمة التي بدأت في أكتوبر. فما طالب به اللبنانيون آنذاك من إجراء انتخابات برلمانية مبكرة والنأي بعيداً من الصراعات الإقليمية ووضع حد للفساد ومساءلة واسعة النطاق، واجه رفضاً جديداً من السياسيين الراسخين.

وفي حين كان المواطنون يرغبون في رؤية حكومة ذات دوافع حقيقية يمكن أن تقوم بإصلاحات قوية، فإن بيروت تعتز بإخفاقها الدائم في التصدي للتحديات. ومقابل كل دعوة تم توجيهها لمؤسسة – علمانية ودينية على حد سواء- للتصرف بضمير حي ومسؤولية، واصل السياسيون ورجال الدين التظاهر بأن البلاد ممتلكات خاصة بهم يمكنهم حكمها من دون عقاب.

شبح الحرب الأهلية

ووسط انشغال معظم اللبنانيين بمشكلات اقتصادية وسط أزمة صحية كبيرة، يبدو أن المسؤولين الحكوميين قد استغلوا الفترة بين 17 أكتوبر 2019 و6 يونيو 2020، لإعداد أنفسهم بشكل أفضل، بهدف نهائي متمثل في سحق الانتفاضات المستقبلية. ففي 6 يونيو، واجه حزب الله وحليفه حركة أمل، المتظاهرين، بسبب خوف حقيقي من تعرض قبضتهما الحديدية على الدولة للخطر.

وبطبيعة الحال، حدثت مواجهات، أسفر بعضها عن اشتباكات مسلحة، وعلى الرغم من تلاشي الاشتباكات، لكن ما حدث يهدد بالفعل بتجديد الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد عام 1975. وقد تُرك هذا الصراع معلقاً على الرغم من اتفاقيات الطائف لعام 1990، والتي استلزمت جهوداً كبيرة من قِبل وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل.

 

وبينما لم يهتم المتظاهرون بتغيير الحكومة بعد أن منحوا رئيس الوزراء حسان دياب فرصة مئة يوم لمعالجة بعض المخاوف الخطيرة التي واجهتها بيروت، يطالب المحتجون بشكل متزايد بالانفصال التام عن النظام السابق، لأن معظم اللبنانيين فقدوا الثقة في البرلمان والرئاسة والجيش وحتى القضاء. واليوم، فإن العريضة الرئيسية تتضمن المطالبة بإجراء انتخابات برلمانية مبكرة تليها خطة إنقاذ اقتصادية، بالنظر إلى التحديات الخطيرة التي تواجهها الغالبية الساحقة. وعلى القدر نفسه من الأهمية، هناك حاجة إلى استقلالية القضاء، وهو المطلب الذي ربما كان من المستحيل تحقيقه بالنظر إلى مدى مهارة الهيئات التنفيذية والتشريعية في تشبيك مصالحها مع القوى الأخرى.

نزع سلاح الميليشيات

ويشير الكاتب إلى أن حزب الله رأى في الإنذارات التي أظهرها المتظاهرون الغاضبون واليائسون، تهديداً مستتراً بنزع أسلحة ميليشياته، ولهذا تعهد أعضاؤه بأنه لا يمكن لأي مخلوق حي أن يسلب الجماعة أسلحتها ليس في مئة عام، ولا حتى إذا لم تعد إسرائيل موجودة. ويوم السبت 6 يونيو 2020، جاب رجال الميليشيات الشوارع حاملين أسلحتهم أمام وحدات الأمن الداخلي والقوات المسلحة اللبنانية لإظهار تصميمهم وإرسال رسائل واضحة للجميع.

وعلى الرغم من الحديث عن “التعايش المشترك”، هتف رجال ميليشيات حزب الله بـ “الشيعة، الشيعة، الشيعة” وهم يندفعون نحو وحدات قوى الأمن الداخلي والقوات المسلحة اللبنانية، في ما اعتبره معظم اللبنانيين أكثر من مجرد عرض طائفي يقصد به إثارة رد من الجانب الآخر.

طالب المتظاهرون اللبنانيون بحق نزع أسلحة حزب الله غير الشرعية، داعين الميليشيات إلى تسليمها إلى الجيش. ولعدة أشهر، ظهر وزير العدل السابق (والقائد السابق لقوى الأمن الداخلي) اللواء أشرف ريفي في العديد من المنافذ الإخبارية يطلب إنفاذ قرار مجلس الأمن رقم 1559. الصادر في 2 سبتمبر (أيلول) 2004، الذي دعا إلى إن نزع سلاح كل الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية داخل لبنان.

غير أنه من المدهش أن حلفاء حزب الله، وبشكل رئيسي التيار الوطني الحر الذي ينتمي له الرئيس اللبناني ميشال عون، والآن قائد الجيش العماد جوزيف عون، وقفوا مع الميليشيات بحجة أن أي أسلحة موجودة كانت تستخدم للدفاع عن البلاد من إسرائيل. بينما قلة من الناس قبلوا الفرضية القائلة بأن تصميم حزب الله على الاحتفاظ بأسلحته قد يؤدي إلى مواجهة واسعة النطاق، وربما يعيد إيقاظ الحرب الأهلية الخاملة.

وضع اقتصادي متفاقم

ويقول كشيشيان إن رئيس الوزراء اللبناني أهدر ثلاثة أشهر قيّمة منحه بها القدر، بفضل الطقس القاسي في فصل الشتاء إضافة إلى جائحة (كوفيد-19)، من دون تلبية أي من المطالب الجوهرية التي قدمها المواطنون اللبنانيون اليائسون في أوائل مطلع 2020. وما يقرب من مليون لبناني فقدوا فرص عمل، أمام عينه، على مدى مئة يوم فقط، وهو رقم ضخم ربما تجاوز 50 في المئة من القوى العاملة، مما خلق التصور بأن لبنان احتذى بكوبا – على الرغم من أن الدولة الجزرية الكاريبية يمكنها على الأقل إطعام جميع مواطنيها.

ويشير إلى أنه من دون مساعدة المنظمات الخيرية المختلفة، فإن أكثر من 300 ألف عائلة لبنانية ستتضور جوعاً بالمعني الحرفي هذا العام. خصصت حكومة دياب 400 ألف ليرة لبنانية (260 دولاراً أميركياً) لمساعدة أكثر من 150 ألف أسرة في مايو (أيار) 2020، على الرغم من مزيد من تراجع سعر الليرة اللبنانية في أواخر يونيو 2020. فتخفيض قيمة العملة في الوقت الذي وصلت فيه السلع الاستهلاكية الشحيحة بشكل متزايد إلى أسعار فلكية، كان مدمراً.

وبدلاً من التعامل مع متطلبات البقاء الأساسية للمواطن، شرع السياسيون في ما كان يمكن أن يثير بوضوح مواجهة بين السنة والشيعة. هذا هو السبب في وصف المعلقين ليوم السادس من يونيو على أنه “يوم السبت الأسود”، اللون الذي اعتاد عليه اللبنانيون، حيث يتوقع الكثيرون ليالي مظلمة في الخريف المقبل عندما لن يتوفر النقد لاستيراد الوقود المستخدم لتوليد الكهرباء، بالنظر إلى أن ما تبقى من الدولارات قد تبخر راحلاً إلى حسابات مصرفية في سويسرا أو تم تهريبه إلى سوريا.

 

أراد المحتجون الغاضبون تغييرات جذرية وطالبوا بحقوق سياسية ودعوا إلى الرعاية الطبية وأصروا على التعليم الجيد، ونادوا بوظائف ذات أجر جيد بدلاً من تصدير رأس المال البشري، إلى جانب الحقوق الأساسية اللازمة للبقاء على قيد الحياة. ومن المفارقات أن قوات الأمن التي فرضت إملاءات الحكومة ظلت غافلة داخل فقاعتها الخاصة، غير مدركة أن حزب الله لا يستطيع معالجة الإفقار العام، حتى لو تفوقت الميليشيات في عمليات غسل الأموال والتلاعب بالأسعار التي لفتت انتباه وزارة الخزانة الأميركية وهيئات دولية أخرى. وكواحد من أكثر البلدان مديونية في العالم (90 مليار دولار أميركي)، مع دين يعادل أكثر من 170 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، تعثر لبنان لسد مدفوعات ديون سندات اليورو في مارس (آذار) الماضي، مما ترك البلاد تحت رحمة صندوق النقد الدولي.

ويتساءل الكاتب هل ما زال لدى اللبنانيين ما يكفي لتغيير مجتمعاتهم، وتحقيق تغييرات سياسية على أعلى المستويات، ووضع حد للفساد المنظم من خلال القبض على 400 أو 500 “زعيم / لص” هربوا بما يقرب من 50 مليار دولار أميركي خلال أقل من ثلاثة عقود، ووقف عمليات غسل الأموال المتطورة وإغلاق الحدود مع سوريا بشكل فعال لوقف عمليات التهريب التي أغنت المسؤولين الفاسدين فقط؟

نزوح قسري للسنة والمسيحيين

بالنظر إلى الأزمات العديدة التي واجهت اللبنانيين، كيف كان من المفترض أن يتحمل المواطنون هذا الواقع، وبماذا يعدهم المستقبل؟ ويشير الكاتب إلى أنه بعيداً من التصريحات الطائفية البشعة، حذرت موجة من مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي مسيحيي لبنان والمسلمين السنة، على الأقل أولئك الذين لم يوافقوا على تصرفات حزب الله، لإعداد أنفسهم للرحيل عن وطنهم. وقام بعض رجال الدين الشيعة ببعض هذه الدعوات، على الرغم من أن شخصيات دينية- مثل الشيخ صبحي الطفيلي والشيخ علي الأمين – رفضت الادعاءات بأن لبنان ينتمي إلى الشيعة وحدهم.

لم يكن نشطاء حزب الله أول من استخدموا هذه النبرة، فلقد سبقهم الرئيس عون، في تعليقه على الاحتجاجات بعد شهر من اندلاعها أواخر العام الماضي، قائلاً إذا كان أولئك المتظاهرون يرون أنه لا يوجد أناس محترمون في هذا البلد، فدعهم يهاجرون.

وبغض النظر عن تصريحات الرئيس غير المدروسة، كانت تكرارات حزب الله الأخيرة بنفس القدر من الخطورة، بخاصة أن الميليشيات كانت تأمل في خلق تداعيات من شأنها أن تزيد من تعزيز قبضتها على البلاد. ما فكر به حزب الله لم يكن أقل من الرغبة في دفع السكان للنزوح، وهو أمر شائع جداً حول العالم. في الواقع، ولكي لا يفترض أحد أن مثل عمليات النزوح هذه نادرة، فهناك قائمة طويلة من عمليات الترحيل في أنحاء المنطقة والعالم، من فلسطين إلى الهند وهونغ كونغ، للتأكيد على الواقع.

فمثلما يرغب معظم الشيعة اللبنانيين في العيش وتربية أسرهم في مجتمع سلمي، فإن ما يريده المسيحيون والمسلمون السنة، يقول كشيشيان، هو ممارسة حرياتهم خارج ولاية الفقيه (في إشارة إلى إيران).

إذا لم يعد الشيعة اللبنانيون يرغبون في العيش في سلام وانسجام مع المسيحيين والمسلمين السنّة، وإذا أصروا على أن لبنان كله يجب أن يكون تحت سيطرة حزب الله – وإيران – بهيمنة كاملة، على عكس السيطرة الحالية المسموح بها عبر الوكلاء، فإنه ربما يكون الوقت المناسب للبعض للتفكير في البلدان التي قد تمنحهم إقامة دائمة؟

 

ويقول الكاتب إن هذه الافتراضات لا تعني بأي شكل من الأشكال أن المسيحيين والمسلمين السنة يرغبون في التخلي عن وطنهم. ومع ذلك، فإن هذه الترتيبات أو الاستراتيجيات تمثل بدائل حقيقية للحرب الدائمة. إذا لم يعد اللبنانيون الشيعة يريدون العيش في دولة ديمقراطية حيث يسري حكم القانون على الجميع، وإذا لم تستطع بيروت نزع سلاح حزب الله، فما البدائل الموجودة باستثناء الحرب أو تهجير السكان؟

ويرى الكاتب أن الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، رئيس الكنيسة الكاثوليكية المارونية – وهي أكبر طائفة مسيحية في لبنان – ومفتي لبنان الشيخ عبد اللطيف دريان، رئيس الطائفة السنية، تقع عليهما مسؤولية إعادة تقييم مواقفهم بعناية. وبخلاف ما كان مستعد أن يخسره رجال الدين، بالنظر إلى تملك الهيئات الدينية المسيحية والإسلامية في لبنان أكثر من 40 في المئة من جميع الأراضي الخاصة في البلاد، كان من الضروري للرجلين إعادة تقييم علاقاتهما مع المؤسسة التي يدعمونها. ويتساءل “هل يستطيع رجال الدين تحمل نزوح السكان وهل بإمكانهم استيعاب الشركاء الشيعة في علاقة أكثر انسجاماً، أي تطبيق العيش المشترك، إذا أصر حزب الله على شروطه؟”.