قضيّةُ إقفال الفنادق تتخطّى مسألةَ أزمةٍ سياسيّة أو اقتصاديّة يمرّ بها لبنان، إنّها قضيّةُ انهيارٍ للقطاع السّياحيّ الّذي كان يشكّلُ العمودَ الفقريّ للاقتصاد اللّبنانيّ ووجهَ لبنان الحضاريَ في محيطَيْهِ العربيَ والدَّوليّ، وقضيّة إقفالِه لن تقفَ على عتبةِ الـ 117 موظّفاً والّذين أصبحوا عاطلين عن العمل، بل إنَّ الآلافَ باتوا في الدّائرة الحمراء قبل أن ينضمّوا إلى الـ 50 % من اللّبنانيّين العاطلين عن العمل.
عندما نتمعّن في هذا الواقع المذري، ندرك أنّ القضيّة ليست نتيجة أزمة وحسب، بل هناك مؤامرة واضحة لضرب وجه لبنان السّياحيّ المنفتح لاستكمال المشروع الأيديولوجيّ الدّينيّ السّياسيّ المتطرّف، والّذي يسلخ لبنان من جوهر عروبته وانفتاحه الغربيّ باتّجاه محور إقليميّ، لا يتأقلم مع سهرات الأندية اللّيليّة، وشرب الكحول والرّقص والغناء والفرح، فهو يرى فيها فسقاً ومجوناً وانحلالاً أخلاقيّاً، فالسّياحة المنسجمة مع هذا التّوجّه المستجدّ في لبنان، ترتكز على الزّيارات الدّينيّة والأضرحة، ونبش المناسبات الدّينيّة المنسيّة وإعادة إحياء شعائرها لتكون محفّزاً للتّطرّف وكره الآخرين (أي أهل الذّمّة وأهل الكتاب).
إقفال فندق “البريستول” في قلب بيروت ليس خبراً عاديّاً، فهذا الصّرح الفندقيّ العريق أعمق من مكان أو زمان، فهو شاهد على مدى سبعة عقود على محطّات هذا البلد بحلوها ومرّها، وإقفاله يكشف أنّ بيروت ستّ الدّنيا لم تعد هي نفسها، بل هناك من أراد إلباسَها زيّاً دينيّاً لا يليق بدورها ورسالتها الجامعة لكلّ الأطياف والأفكار. بيروت كانت تستقطب مضطهدي الرّأي من مختلف أنحاء العالم العربيّ، بيروت كانت منارة الشّرق، ولكنّ بيروت اليوم تقاومُ مَشروعاً لا يشبهُها ولا يشبهُ أهلها، تقاوم ثقافةَ الموت لأنّ ثقافتَها هي الحياة، تقاوم الاستبدادَ لأنّها منبعُ الحرّيّة، تقاومُ الهيمنةَ الدّينيّة لأنّها رسالة دينيّة.