الجمعة 19 رمضان 1445 ﻫ - 29 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

توحيد الأرقام والمعالجات معبر إلزامي لإقناع صندوق النقد

يمضي لبنان في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي وسط ضبابية في المسار والنتائج، خصوصاً وأنّ الحكومة لم تتمكن بعد من تجاوز تعددية الأرقام الرسمية المقدمة وسبل المعالجات الممكنة، ما يضعف من موقفها أمام الهيئة الدولية التي ترى نفسها أمام أكثر من مرجعية مالية ونقدية.

 

حتى الآن، لا تزال المفاوضات في مرحلتها الأولى بعد عقد ثماني جلسات، بمعنى أنّ صندوق النقد لا يزال مستمعاً الى ما تضعه الحكومة والجهات المعنية من أرقام ووثائق وخطط، يفترض أنها تعبر عن خريطة طريق الحكومة الاصلاحية مقرونة بجدول زمني يبيّن أولويات التنفيذ ومواقيته.

إذ يشير أحد المتابعين للملف إلى أنّ هذه المفاوضات لم تعبر أولى معمودياتها ولا تزال الطريق طويلة بانتظار الانتهاء من فترة “الاستماع” إلى ما وضعته الحكومة من أفكار، تعكس رؤيتها الاصلاحية للخروج من نفق الأزمة المظلم… و”الاستفسار” بالتفاصيل عن الأوراق الحكومية سواء في ما يتصل بالقطاع المالي، المصرفي، الطاقة، وما الى ذلك من ملفات مرتبطة، يفترض إما أنها تشكل مواقع هدر، أو مكامن معالجة.

ويفترض أن تكون الكلمة في المرحلة الثانية لصندوق النقد لوضع ملاحظاته قبل التوصل الى برنامج مشترك، توضع خلاله خريطة طريق الشروط الواجب على لبنان الالتزام بها، كي يتمكن من الحصول على الدعم المالي الذي هو عبارة عن برنامج قروض.

ولكن إلى الآن، لم تتجاوز المفاوضات عتبة الأرقام غير الموحدة والتي ظهرت تبايناتها بوضوح أمام المفاوضين الدوليين. اللافت في هذا السياق، وفق تأكيد المطلعين على المفاوضات، هي إشارة ممثلي الصندوق إلى الأرقام التي قدمتها الحكومة عن تقديراتها لحجم الخسائر المالية، بكونها أقرب إلى الواقع، على خلاف الأرقام المقدمة من جانب المصرف المركزي التي تحتاج إلى الكثير من التدقيق والمراجعة، حيث يفترض أن الورشة التي تقودها لجنة المال والموازنة قد تساهم في تقليص الهوة المالية القائمة بين الحكومة ومصرف لبنان…

ومع ذلك، لم تصل بعد المشاورات الجارية تحت إشراف لجنة المال والموازنة، بمشاركة ممثلين عن جمعية المصارف ووزارة المال وهيئة الرقابة على المصارف، إلى قراءة موحدة للأرقام ولا حتى الى معالجات مشتركة للخروج من الأزمة. ولو أنّ النقاش بين الأطراف الأربعة لا يزال مستمراً في محاولة لتوحيد المقاربات ووضع خريطة طريق مشتركة.

ولعل أبرز الخلافات الحاصلة في هذا السياق تتصل بكيفية سدّ الفجوة المالية الحاصلة، سواء تلك الموجودة في المصرف المركزي أو تلك الموجودة في القطاع المصرفي. ولذلك تقترح جمعية المصارف مدعومة من المصرف المركزي امكانية الاستعانة بأملاك الدولة لبيعها والاستفادة من مردود هذه الأصول لتغطية العجز المالي، في مصرف لبنان أولاً وفي المصارف ثانياً.

ويقول المطلعون إنّ فريقاً سياسياً متكاملاً يقود هذا الطرح إلى جانب المصارف والمصرف المركزي كونه الطريق الأسهل والأقصر لتأمين الايرادات واطفاء الخسائر، وذلك من خلال إنشاء صندوق توضع فيه ممتلكات عامة، كعقارات الدولة وشركتي الخلوي ومؤسسات تابعة لمصرف لبنان كطيران الشرق الأوسط وكازينو لبنان وغيرها، بعد خصخصتها أو بيعها. ذلك لأنّ المصارف رفضت الاقتراح الوارد في الخطة الحكومية، والرامي إلى استخدام كامل رساميل المصارف في عملية إطفاء الخسائر، لأن ذلك سيؤدي عملياً إلى شطب ملكيات المصارف الحالية، على أن ينضم مالكون جدد بعد تسييل الودائع الكبيرة أسهماً في هذه المصارف.

وتقول مصادر حكومية إنّ الحكومة ترفض طرح المصارف بشكل نهائي وتطرح في المقابل انشاء صندوق سيادي يتضمن أرباح استثمارات القطاع العام، على قاعدة “تسنيد أرباح” هذه الاستثمارات أي اصدار سندات للدائنين والمودعين كتغطية لجزء من الفجوة الحاصلة. ولكن حتى اللحظة لا تزال هذه النقطة الجوهرية موضع خلاف أساسي.

ومع ذلك، يقول أحد النواب العاملين في الشأن المالي والمشارك في الاجتماعات الرباعية والأضلاع التي تضم وزارة المال وجمعية المصارف وهيئة الرقابة على المصارف، والهادفة الى توحيد الأرقام والمعالجات، إنّ وتيرة العمل ضمن هذه اللجنة مكثفة ويراد لها أن تنهي مهمتها في وقت سريع، حيث يتوقع النائب نفسه أن يشهد الأسبوع المقبل صيغاً موحدة بين الجهات الثلاث، مشيراً الى أن هذا الهدف ليس ترفاً يمكن التخلي عنه، لا بل هو شرط مهم للمضي قدماً في المفاوضات مع صندوق النقد، ويساعد الوفد اللبناني على اختصار الوقت الذي يضيع حتى الآن في متاهة الأرقام المتباينة.