السبت 11 شوال 1445 ﻫ - 20 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

"حزب الله" أوقع نفسه في الفخّ!

يُشير تقويم الغربَيْن الأميركي والأوروبي للوضع الحالي في لبنان البالغ الصعوبة اقتصاديّاً إلى أنّ “حزب الله” ومنذ بدء “انتفاضة 17 تشرين الأوّل” أدخل نفسه في مُعضلة يحتمل أن تكون لها مضاعفات وجوديّة بالنسبة إليه.

فهو فهم منذ البداية أن الرفض الشعبي الواسع للطبقة السياسيّة وسرقاتها ولإداراتها السامّة للبنان يُشكِّل تهديداً للنظام الذي حماه منذ عام 2005. وكان أمينه العام حسن نصرالله حذراً حيال اتخاذ موقفٍ حادٍّ ضدّها مُفضِّلاً نصح المتظاهرين بقبول تجاوب مؤسّساتيّ تدريجيّ مع أوضاعهم وأحزانهم.

لكنّه لم يُقدِّر حجم فقدان الثقة بين الشعب والقيادة السياسيّة. المتظاهرون رأوا أنّ قيادة “الحزب” كانت تسعى إلى شراء الوقت.

وعندما فشلت في ذلك تابع نصرالله دفعه الاحتجاج إلى الوراء ولكن من دون نتيجة. ولذلك انخرط في تراجع كلامي تكتيّ مع السماح بنشر مقاتلين حزبيّين لترويع المُحتجّين.

وفشل ذلك أيضاً ورفع النقد العام لـ”الحزب” الذي أصبح يُعتبر المدافع الرئيسي عن النظام السياسي الفاقد الصدقيّة. وعندما استقال الرئيس سعد الحريري قبل 35 يوماً ترك “الحزب” مُعلّقاً. وكان الأخير يريد استمرار حكومته.

لكنّه بخطوته قلب الطاولات لعلمه أن ذلك سيقود إلى حصيلة من اثنتين. الأولى السماح له بتأليف حكومة جديدة بشروطه.

والثانية منعه من تنفيذ ذلك الأمر الذي يدفع “الحزب” وحلفائه إلى تأليف “حكومة اللون الواحد” وإلى مواجهة الغضب الشعبي والانهيار الاقتصادي البادي للعيان.

ناور الحريري جيّداً بحسب التقويم نفسه. لكن في مواجهة رفض “الحزب” والرئيس ميشال عون ورئيس “التيّار الوطني الحر” جبران باسيل السماح له بتأليف حكومة تكنوقراط وهو مطلب الحركة الشعبيّة، انسحب من السلطة أو من السباق.

وبذلك جعل “حزب الله” المعلّق مُترنّحاً. والسبب أن الأخير يريد الحريري رئيس حكومة لأنّه بهذه الصفة سيؤمِّن له غطاء سُنيّاً قيّماً. فضلاً عن أنّه من المعروفين برصيد دولي معقول له أكثر من سُنّة آخرين الأمر الذي يمكّنه من اجتذاب أموال إلى لبنان ومن التصرُّف كمُحاور للمؤسّسات الماليّة الدوليّة والمستثمرين.

ولو أقدم “الحزب” على تأليف “حكومته” فإن مضاعفاتها اللبنانيّة ستكون كارثيّة. إذ ستُعارضها غالبيّة لبنانيّة وستكون بلا وزن دولي وبلا حريّة كافية للتفاوض مع العالم لـ”كفالة” لبنان ماليّاً.

وقد يكون الأكثر من مُرجِّح اعتبار أميركا حكومة كهذه عمليّة “حزبيّة” والتعاطي معها بزيادة العقوبات على “الحزب” وتوسيع مداها. ولا يبدو أنّه يمتلك قدرة خيار استعمال القوّة العسكريّة لإجبار اللبنانيّين على الوقوف في الصفّ.

إذ حتّى في بيئته الشيعيّة كان “الحزب” مُتردّداً في الذهاب بعيداً لإسكات المُحتجّين منها، كما في البيئات السُنيّة والمسيحيّة والدرزيّة.

وإذا حاول ذلك تنزلق البلاد إلى حرب أهليّة وذلك سيجمّد قدرته على مواجهة إسرائيل. والفكرة الأخيرة للخروج من هذه الورطة كانت اقتراح سمير الخطيب لتأليف حكومة.

لكن هذه الخطّة خرجت عن الخطّ لاعتبارات عدّة معروفة (السنية – الاحتجاج)، فضلاً عن أنّه لا يمتلك ما يحتاج إليه لقيادة سفينة لبنان عبر موجات بحر الانهيار المالي.

ولذلك فإن “الحزب” لا يزال يسعى إلى إقناع الحريري بالعودة عن قرار رفض ترؤّس حكومة جديدة. من الصعب في هذا المجال عدم موافقة “الحزب” على موقفه إذا كان مُقتنعاً به فعلاً. ويظنّ البعض أنّ قرار الحريري وتصرّفاته بعد الاستقالة هي لدفع الجميع إلى الوصول إلى النتيجة المذكورة.

فـ”حزب الله” سيبقى في الفخّ إذا رفض إبداء مرونة “حكوميّة”. وبمحاولة حماية النظام الفاسد وحلفائه الطفيليّين ومصالحهم فإنّه يُسرِّع وفاته.

وانعكاسات ذلك عليه ستكون صعبة وطويلة المدى. خلال وقت قصير نسبيّاً، استناداً إلى تقويم الغربَين نفسه، لن يكون أمام لبنان إلّا الذهاب إلى المؤسّسات الماليّة الدوليّة لتأمين رأسمال لاقتصاد في حاجة أكثر من ماسّة إلى “السيولة”.

والطبقة السياسيّة لن يكون في وسعها المُناورة هنا لأن صراخ اللبنانيّين الموجوعين سيكون بلغ السماء وتأخير التدخّل الخارجي سيكون على الأرجح انتحاريّاً لـ”الحزب” والطبقة السياسيّة. ومعروف أن صندوق النقد سيفرض حزمة إصلاحات على لبنان. وسيتسبّب ذلك بالألم.

لكن السياسيّين سيعتبرونه عقبة أمام سرقة أمواله وتالياً لن يكون أمامهم إلّا السير فيها. على كلٍّ لا بُدّ أن تتغيّر طبيعة القيادة السياسيّة للبنان لأنّ السلطة ستكون عندها صارمة. و”حزب الله” يعرف ذلك كلّه.

وما يفعله يجعل التدخّل الدولي المالي مُحتملاً. البديل الوحيد ساعتها هو قبول حكومة معقولة والشعور بالأمل في قدرتها على التوصُّل إلى تسوية معقولة مع المجتمع الدولي تُركِّز على إصلاح الاقتصاد وهيكلة الديون وعلى إقرار إجراءات تتلافى التقشُّف القاسي.

وبذلك يُترك للبنانيّين ضوءٌ يرونه في آخر النفق. أمّا اللجوء إلى “الشرق” كما دعا نصرالله ودعوته بيئته إلى تحمُّل الظروف الصعبة فتدلّ على أنّ “الحزب” يحاول التمسُّك بـ”قشّة”.

فدول هذا الشرق ليست في وضع يسمح لها بمساعدة لبنان. فضلاً عن أن اللبنانيّين يعرفون أن معظم القوّة الاقتصاديّة موجودة في الغرب.

علماً أن الشيعة لم يدعموا “الحزب” بصدق لتمضية السنوات المقبلة في الفقر. وهو رغم إمكاناته الماليّة غير قادر على تجنيبهم ذلك.

في النهاية ماذا يستطيع “حزب الله” أن يقدِّم؟ سلاح؟ مقاومة؟ شعارات؟ ما هي قيمة ذلك عندما يكون اللبنانيّون في مرحلة الصعود من الهاوية؟ اللحظة الحاليّة هي دراماتيكيّة له إذ يجد نفسه أسير بحر مُتلاطم من الاتهامات المُتبادلة والممزّقة لمنطقة هي في حال تحوُّل كلّي.

المصدر: صحيفة النهار اللبنانية \ راديو صوت بيروت إنترناشونال بتصرف