الجمعة 16 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

حزب الله "يقوض" النظام المصرفي ويحاصر الصندوق الدولي‎

ليس سراً الصراع الذي نشأ منذ سنوات بين “حزب الله” والنظام المصرفي اللبناني، حين اتهم أمينه العام حسن نصر الله القطاع المصرفي بالتماهي التام مع العقوبات الأميركية، وبأن سياسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ذهبت أبعد من المطلوب أميركياً، إلى درجة أنها باتت تطاول وتقيِّد البيئة الحاضنة للحزب بشكل عام.

بضائع غير مألوفة

إلا أن إجراءات حاكم مصرف لبنان عبر تطبيق العقوبات الأميركية لم تستطع منع “حزب الله” من إنشاء نظام اقتصادي مواز يعتمد على التداول الورقي للنقد، وسوق التهريب مستفيداً من قدرته على إدخال وإخراج البضائع على أنواعها انطلاقاً من الحدود اللبنانية – السورية. ووفق معلومات موثوقة فإن الحزب استفاد من أزمة الاستيراد التي يعانيها التجار نتيجة تقييد قدرتهم على التحويل المالي للخارج، لزيادة وتيرة تهريب البضائع من سوريا والعراق وإيران، حتى باتت الأسواق تزدحم ببضائع من أنواع غير معهودة في الأسواق اللبنانية. كذلك يشكو قطاع الدواء من منافسة لأدوية إيرانية المنشأ وغير خاضعة للإجراءات المعمول بها وفق الأصول للموافقة على استيراد أنواع الأدوية.

وحول هذا الموضوع يجيب وزير الاقتصاد اللبناني راوول نعمة بالقول، إن وزارته تحاول قدر الإمكان العمل على الحد من مظاهر الإفلات في الأسواق، وإن فرق حماية المستهلك التابعة لوزارته تسطر محاضر ضبط بحق المخالفين في مختلف المناطق اللبنانية، مشيراً الى انه وعلى الرغم من النقص في العديد البشري لموظفي حماية المستهلك، إلا أن وزارته أنجزت الكثير حتى الآن.

تبييض الأموال وفلتان الحدود

ووفق تقارير اقتصادية فإن السوق الموازي الذي يقوده “حزب الله” باتت يشكل حوالي 50 في المئة من السوق اللبنانية، بعدما كان يقدر بحوالي الثلث من الاقتصاد المحلي، وذلك نتيجة مباشرة للنقص الحاد في السلع والبضائع، الذي سرعان ما ملأه تجار التهريب من جهة، ومن جهة ثانية اعتماد اللبنانيين على النقد الورقي بدلاً من الحوالات المصرفية وبطاقات الائتمان، إضافة الى اعتمادهم على الصرافين بدلاً من المصارف، الذين بدورهم يتحكمون بسعر الصرف، إضافة إلى شبهات عن قيام بعض الصيارفة بعمليات تبييض أموال غير مشروعة.

وفي هذا السياق يقول التاجر اللبناني (محمد ك.) بأنه حصل من أحد المصارف على شيك بقيمة 100 ألف دولار إلا أنه نتيجة القيود لم يكن أمامه إلا التوجه الى أحد الصيارفة الكبار في الضاحية الجنوبية لبيروت واستبدال الشيك بمبلغ قدره 75 ألف دولار نقداً، مشيراً إلى أن هذه الصيغة باتت متداولة بشكل كبير بين التجار، كخيار أخير للحصول على النقد، ما يطرح السؤال عن شرعية الأرباح التي يحققها هؤلاء، إضافة إلى مصادر تلك الأموال ومدى الرقابة على عمليات تبييض الأموال من خلال استبدالها بالأرصدة غير المشروعة الموجودة بالمصارف ولو مقيدة على المدى المنظور.

سرقة “الثورة”

وتتخوف مصادر سياسية من “مخطط مدمر للاقتصاد اللبناني تمهيداً لتغيير هوية لبنان ووجهه الاقتصادي استكمالاً لمشروع تغيير هويته السياسية والحضارية”، مشيراً الى “أن “حزب الله” ومنظومته السياسية يعملان منذ فترة على سرقة الثورة، وتحوير أهدافها واستغلال نقمة اللبنانيين على الأسباب الحقيقية للانهيار المتمثلة في إلحاق لبنان بالمشروع الإيراني”.

وتضيف أن “مخطط “حزب الله” للمرحلة المقبلة، وهو تعطيل النظام المصرفي اللبناني باعتباره محركاً للاقتصاد بعدما تعذر على الحزب إخضاع هذا القطاع لشروطه وتوظيفه في خدمة سياساته”، مشدداً الى أن الحزب “يسعى من خلال تقويض المصارف إلى تمويل نفسه نتيجة العقوبات على إيران وتأمين الأسواق للمنتجات السورية والإيرانية وللشركات والتجار الدائرين في فلك الحزب والذين يعتبرون جزءاً من منظومته المالية”.

الدولة لا تكافح العصابات

من ناحيته يعترف الناشط السياسي المقرب من حزب الله ياسر الحريري، بوجود عمليات تهريب واسعة في الأسواق اللبنانية، الا انه يرى ان مسؤولية التفلت الحدودي تقع على عاتق الدولة اللبنانية المقصرة بحماية الحدود وملاحقة عصابات التهريب وليس حزب الله، نافياً ان يكون حزب الله من يحمي المهربين على الحدود.

وعن سعي حزب الله الى تقويض النظام المصرفي اللبناني لتوسيع دائرة السوق الموازي المرتبط بالمحور الإيراني، يقول الحريري ان “العقوبات الأميركية اضعفت القطاع المصرفي اللبناني دون ان تصيب حزب الله بأي ضرر”، مشيراً الى انه في الأساس حزب الله لا يضع أمواله في المصارف.

لبنان ينافس فنزويلا

في المقابل وبرأي الباحث الاقتصادي والاستراتيجي في أسواق البورصة العالمية جهاد الحكيّم، “الشعب اللبناني تعرض لعملية سطو موصوفة على أمواله التي باتت محتجزة في المصارف، وأملاكه التي انهارت قيمتها ورواتب الموظفين التي تآكلت قيمتها”، مشيراً الى أن إدارة الطبقة السياسية للأزمة المالية والاقتصادية “هي الأسوأ في التاريخ الحديث بعد أزمة فنزويلا، وما لم يُفرج عن الودائع ستبقى الدورة الاقتصادية مأزومة وسيتقلص حجم الاقتصاد أكثر فأكثر”.

ونعى الحكيم نظام سعر الصرف الثابت لليرة اللبنانية، حيث يقتصر الدعم على أسعار النفط والخبز والدواء فقط حتى إشعار آخر ما سيرفع وبوتيرة متسارعة نسبة الفقر في لبنان، لافتاً إلى أن تحذير الخبراء “من خطورة السياسات الاقتصادية المتبعة انتهى بتخوينهم وملاحقتهم أمام القضاء لإسكاتهم في حين أن “المطبِّلين لتلك السياسات باتوا نجوم الشاشات”.

تعقب الأموال المنهوبة

أما في ما يتعلق بقرار الحكومة اللبنانية حول استحقاق سندات “اليورو بوند”، يقول الحكيّم “التخلف عن الدفع هو قرار “شعبوي”، وهو الخيار الأسهل لكن الأكثر كلفة لأنه يعني تلكؤ الحكومة عن القيام بأي إصلاحات من أجل تفادي هذا الأمر”، مقترحاً لإظهار جديتها في عملية الإصلاح الاقتصادي “فرض ضريبة مع مفعول رجعي تصل إلى 60 في المئة على الذين حققوا أرباحاً خيالية في السنوات الأخيرة من الاقتصاد الريعي، وتطال الأموال التي تم تحويلها إلى الخارج بهدف إخفاء الثروات”، مؤكداً سهولة تعقب كل تلك التحويلات كون كل البيانات المتعلقة بقيمة التحويلات موثقة لدى المصارف، وهذه الطريقة العملية لاسترجاع الأموال المنهوبة”.

وسأل الحكيّم، “لو أرادت السلطة التخلف عن الدفع لماذا لم تقم بذلك عام 2016 قبل الشروع بالهندسات المالية؟ وقبل تكبُّد كل هذه التكلفة أو قبل عام 2017؟ قبل فرض الضرائب وهدر كل هذه الأموال. الاقتصاد اللبناني كان بحال أفضل والإصلاحات كانت أسهل، أما اليوم فالشروط التفاوضية ستكون أصعب والتكلفة باهظة الثمن”، الحكيم يعتبر خيار الدفع من عدمه، ليس بأهمية الإجراءات المتعلقة بالخروج من هذه الأزمة المالية والمعيشية، والنهوض بالاقتصاد”، سائلاً أيضاً “هل سنستمر في حجب أموال المودعين وترك الاقتصاد اللبناني يتدهور أكثر فأكثر حتى نصل للانحلال التام”؟

شروط الحزب

من ناحية أخرى، كشف وزير سابق في كتلة تيار المستقبل أن سعد الحريري الرئيس السابق للحكومة اللبنانية كان يريد منذ ثلاث سنوات طلب استشارة تقنية من صندوق النقد الدولي حول كيفية معالجة الأزمة اللبنانية، إلا أن ضغوطاً من “حزب الله” منعت هذا الأمر، فالحزب لم يكن يحبِّذ حتى المساعدة التقنية لئلا تتحوَّل إلى ما هو أكبر لاحقاً.

ورأى ان “حزب الله” يخشى أن يخوض نزاعاً سياسياً مع الصندوق، بخاصة ما يتعلق بمعابر التهريب على الحدود اللبنانية – السورية، والضغط الدولي باتجاه انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون جديد قد يطيح بإمساكه الغالبية النيابية داخل البرلمان. وقد أبلغ الحزب رئيس الحكومة حسان دياب بالاشتراط مسبقاً على الصندوق عدم تجاوز الاستشارة التقنية أو رفضها.

صندوق النقد مشمئز

في المقابل نقلت مصادر عن أحد أعضاء الوفد تعبيره بقرف عن اللامسؤولية لدى المسؤولين اللبنانيين، الذين جهدوا لإلقاء المسؤوليات على بعضهم البعض، ووصف أعضاء الوفد أن المسؤولين اللبنانيين ما زالوا في حالة ضياع حول ما يتوجب عليهم فعله، وأنهم يخلطون بين ما هو سياسي وما هو مالي. وكل طرف منهم يحاول أن يكسب سياسياً وشعبياً من خلال تعاطيه مع الملفات المطروحة، بينما المسؤولية توجب عليهم التعاطي خارج هذه الحسابات الضيقة.

ولم تقف الملاحظات عند هذا الحدّ، إنما عبّر أعضاء الوفد عن استغرابهم لعدم معرفة الحكومة لما يتوجب عليها فعله، وفق الآلية المتبعة من قبل صندوق النقد الدولي