السبت 11 شوال 1445 ﻫ - 20 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

حكومة الفوضى الكبرى و"عهدها": حزب الانتصار يتسيّد الخراب

لا يمكن تكثيف الواقع اللبناني إلا بكلمة واحدة: الفوضى.. بل الفوضى المنظمة، على صيغة ومعنى الجريمة المنظمة، التي تسعى أطراف عديدة إلى الولوغ فيها وتكريسها وإرسائها.

 

حكومة الفوضى

لبنان ينحدر أكثر فأكثر في هوة هذه الفوضى وتمجيدها. كحال الحكومة في تمجيدها إنجازاتها البالغة 97 في المئة من الإصلاحات. وكثرة إنجازاتها حملتها على تلقين الدروس إلى وزير الخارجية الفرنسي واتهامه بالتقصير، أو بقصر النظر.
ليس بالضرورة أن تكون الفوضى وضعاً أمنياً سيئاً. فالفوضى اللبنانية الراهنة أبعد وأعمق من أمنية. فهي سياسية ومالية واجتماعية وإدارية. إضافة إلى الفوضى العسكرية والأمنية الحدودية. وكل ما يعيشه لبنان اليوم تكريس للفوضى وجعلها نهجاً. سواء في تصرف الرؤساء والوزراء في ما بينهم، أو في آليات إدارتهم المؤسسات والقطاعات الأساسية.

أوكسجين التسيّب ومحطاته

وللبنان مع الفوضى تاريخ مديد. أطراف كثيرة داخلية وخارجية استفادت وتستفيد من هذه الفوضى أو التسيّب الكبير.

منذ سبعينات القرن العشرين قامت السياسة والاقتصاد اللبنانيان على هذه الفوضى، التي تخللها دعم مالي هائل للمجموعات المتقاتلة أو المتنازعة والمتضاربة المشاريع.

واليوم وصلت الفوضى بتاريخها وأنواعها إلى حائط مسدود. الأوكسيجين الذي كان يُضخ فيها دولياً وعربياً، فيجددها ويمنع البلاد من السقوط الكبير، توقف ضخه تماماً. ولبنان الحالي ينتقل من التسيّب إلى نسخة جديدة ومنقحة منه: تسيّب في قطاعات الكهرباء، المحروقات، السدود، الإدارة، المالية، المصارف… القطاعات كلها تدار بأكثر من رأس وهدف وبرنامج. وهذا ينطبق على الوضع الأمني والسياسي والعسكري: جيش رسمي، ومؤسسات أمنية رسمية متشققة من جهة، وحزب الله من جهة أخرى (وأحزاب ميليشياوية مسلحة متحالفة معه)، قوات اليونيفيل من الجهة الثالثة، وأحزاب سياسية لا تستثمر في غير الأمن والخوف، ولكل منها شبيحتها.

فوضى المنتصر الأخير

من تجليات الفوضى الجديدة، أنها تسعى إلى تعميق الانهيار والانحدار. وكأنما الهدف هو سقوط كل شيء، على منوال السقوط في الكهرباء، المالية، الاقتصاد، العلاقات العربية والدولية.

كأن لا بد أن يستمر هذا السقوط ليخرج حزب معلناً الانتصار. انتصاره الفعلي والواقعي، لأنه حقق مشروعه: إبعاد الآخرين الذين ينافسونه وإسقاطهم، وانتصاره عليهم في مدار هذه الفوضى الكبرى.

تفكيك بنية الدولة

لم يعد هذا السلوك الذي يسلكه كل من الحكومة والعهد وأركان الدولة، يعبر عن عجز. إنه قرار متعمّد، وعن سابق تصور وتصميم، إمعاناً منهم في الفوضى والتوجه بها توجهاً جديداً. فأي قرار إصلاحي يفترض إعادة ترتيب الدولة وتركيب نظام المصالح سيكون متناقضاً مع نظام المصالح القائم اليوم.

لكن التركيبة الجديدة لا بد لها أن تبقى مستمرة في استثمارها في الفوضى، ولو بلغت قاع الخراب، فيما تدّعي التركيبة أنه البطولة والشرف والكرامة، إن لم يكن الإعمار والازدهار. ومنطق سياسيي هذه التركيبة وأعلاهم شأناً، عماده أن الكوارث والأزمات ووهن المجتمع واقتصاده وماليته، تؤدي إلى إضعاف معارضيها ووهنهم، ومضاعفة قوة التركيبة السلطوية الراهنة والقائمة، والتي تقتضي مصلحة سيدها الذهاب بعيداً في الفوضى، لتفكيك بنية الدولة.

سيطرة ولو على الركام

بمعنى أوضح وأبسط: هذه الحكومة ومن وراءها، هم أكثر من استفاد من الأزمة. استفادوا من أزمة كورونا، وأجهضوا التحركات الشعبية، وضمنوا بقاء الحكومة. استفادوا من الانهيار الاقتصادي وانشغال الناس بالبحث عن لقمة العيش، بدلاً من الاهتمام بالسياسة.

استفادوا من قانون قيصر، الذي سمح للحكومة بالبقاء نظراً لعدم توفر البديل، ولتمسك حزب الله القاطع بها وببقائها. استفادوا من التخلي الدولي والعربي عن لبنان وعدم تقديم أي مساعدة. وهذ ضاعف قوتهم وأوهن خصومهم حتى التلاشي. وبقاء الحكومة منوط بأن لا اهتمام دولياً ينتج تسوية جديدة تطيح بها.

هذا النموذج من الفوضى تستفيد منه أطراف الحكم، التي يهمها أن تبقى مسيطرة ولو فوق الركام. وما تريده هو التأسيس لمنظومة فوضوية جديدة تؤبد سلطويتها.

لذا يتجه لبنان إلى مزيد من الفوضى القابلة للتطور، وصولاً إلى شبهه بسوريا الأسد أو العراق أو إيران. وحادثة الجنوب اللبناني الإثنين 26 تموز قد تتكرر، فتزداد المناوشات وتتسع.