الجمعة 10 شوال 1445 ﻫ - 19 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

سليماني ودعاء "دامَ رعبُكُم" في لبنان حسن نصرالله

من آخر مبتكرات حزب تقديس الحرب والمنايا، استنساخه في مختبره لكولاج الصور وتذييلها بعبارات مستلّةٍ من عالمه القاتم والقاسي، صورةٌ مشتركة لقتلة وقتلى ثلاثة من أرفع أعلامه، قادته ونجومه، وصناع مسيرته البطولية المحمومة الهاذية: قاسم سليماني متوسطاً أبو مهدي المهندس وعماد مغنية. والصورة مذيّلةٌ بعبارة “دام رعبكم” المنحولة عن عبارة “دام عزّكم” التي تناظر في إيقاعها اللفظي وزمنها اللغوي والثقافي عبارة “السلام عليكم والموت لعدوكم”.

 

والحق أن صورة المرعبين الثلاثة، والمهلِّلة للرعب ودوامه حتى قيام الساعة على الأرجح، فاجأتني لحظة أبصرتها منصوبة على جدار خلف محطة الضناوي للمحروقات، في الشارع المنحدر من كركول الدروز نحو طرف البسطا السفلي. وإلى جانب الصورة هذه نُصِبت صورة كبيرة لقاتل وقتيل رابع من أمثال المرعبين الثلاثة: مصطفى بدر الدين.

وبنصبه صورة “أسياد قافلة الوجود” الأربعة الكبار هؤلاء في المكان الذي نصبها فيه، يريد الحزب الشيعي المسلح مضاعفة الشِّقاق الأهلي بين سنّة الحي البيروتي وشيعته، وحقنه بـ “الرعب” الذي حمل جمهوره ومحازبيه من الشيعة على اعتباره مذهبهم في العيش وحيازة القوة والسلطان على سواهم من مساكينهم السنّة، وإشعارهم بالذل والمهانة والهوان.

قبل انتباهي إلى موضع نصب الصور هذه، وإلى طلبها بعث الشِّقاق الأهلي المذهبي، فاجأتني فيها تلك المقدرة الصماء الصَّلِفة على طلب الرعب وتمجيده، والحض على اعتناقه في العلانية العامة، كأنه من آيات الله وحِكَمه الحسنى. وقد يكون حزب الرعب حسب أن ما يمجّده ويحضُّ عليه، لا يفاجئ ولا يصدم سوى ضِعاف القلوب من أهل المسالمة والإمساك عن العداوة والضغينة والحرب. أولئك الذين يعتبرهم أقرب في طباعهم إلى النساء منهم الرجال. رجال الإقدام على صناعة الموت الذي، حتى المتنبي قال فيه: “إذَا مَا تَأَمَّلْتَ الزَّمَانَ وَصَرْفَهُ /تَيَقَّنْتَ أَنَّ الْمَوْتَ ضَرْبٌ مِنَ الْقَتْلِ”.

ولربما ما يريد الحزب إياه قولَه في نجومه الأربعة: كان رعبكم مالِئَ الدنيا وشاغل ناسها، حتى قُتِلتم. وكان قتلُكم دليلاً على بعثِكم الرّعب الذي نريد استمراره بعد مقتلكم، لنستثمره من بعدكم في مسيرتنا التي صنعتموها رجلاً رجلاً، وقتيلاً تلو قتيلٍ، على طريق كربلاء وثورتها المستمرة منذ 1500 عام، وحتى قيام الساعة، لتمتلئ الأرضُ عدلاً، بعدما مُلئت جوراً.

لكن أمير طاهري كان قد كتب في واحدة من مقالاته الأسبوعية في صحيفة عربية، أن ملصقاتٍ وقمصانٍ ظهرت وشاعت في إحياء أربعين مقتل قاسم سليماني في طهران، ودوِّن عليها شعار: “مات لتحيا إيران”. وذكر طاهري أن اللغة الأدبية الفارسية يكثر فيها الإيهام والتورية وازدواج القصد. ويَحتمِل الشعار أن يكون مقصده: كان ضرورياً موت سليماني لتحيا إيران، ولو لم يمتْ لما كان لها أن تستمر في الحياة. والاحتمال هذا يؤكده كون سليماني – حسب طاهري – “فتى الاستراتيجية الإيرانية للعيش على حافة الهاوية، على الصعيدين الداخلي والخارجي”.

وشاع في ديارنا اللبنانية تمجيدُ اتباع حافظ الأسد مذهب سياسة حافة الهاوية في سوريا التي ألحقها كزائدةٍ باسمه، وجعلها مع لبنان وفلسطين من ملاعبه الخلفية في سوق سياساته الإقليمية والدولية. وهو في ذلك حوّل البلدان الثلاثة وشعوبها إلى ما آلت إليه من خراب، فورَّثَها بشّارَهُ من بعده، كما ورَّثَ صدام حسين العراق، إلى إيران الخميني والخامنئي، لتنعم مع اليمن الحوثية بموجة جديدة من الخراب والرعب.

ويجيز وجهٌ من وجوه شعار أربعين سليماني، اعتبار موته نجاةً لإيران من عيشها على حافة الهاوية التي دفعها إليها الخميني ومؤسس “فيلق القدس”. وقد يحملها غياب سليماني على أن تحيا حياة بلدٍ عاديٍّ، فلا تصّدر الموت إلى جيرانها في المشرق، ولا تملأ أخبارها الدنيا وتشغل الناس، صبيحة كل نهار وعند مغيب شمسه. فلا يهدد العالم بقنبلتها النووية، وبكلٍ من حسن نصرالله لبنان، وعبد الملك الحوثي اليمن، وأمثال أبو مهدي المهندس العراق، واسماعيل هنية وأمثاله من حماس غزة، وسواهم من عبدة الخامنئي بلا منازع.

أما شعار “دام رعبكم” في لبنان حسن نصرالله، درة تاج الخمينية والخامنئية، فلا يحتمل التأويل، مثل ذاك الإيراني. فهو لا يعني سوى أن إيران والعراق واليمن وسوريا ولبنان ما زالوا منذورين لرعب حافة الهاوية الموعودين ببلوغ قعرها المروع.

لكن لا بد من القول أخيراً: أعان الله سكان محيط محطة الضناوي والعابرين في ذلك الشارع بين كركول الدروز والبسطا، على الرعب الذي عليهم مكابدته كلما أبصروا صور المرعبين الأربعة في مرورهم هناك.