الجمعة 16 شوال 1445 ﻫ - 26 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

ما الذي خسره الحوثيون بمقتل سليماني؟

أحدث مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليمان بضربة أميركية ليلة الجمعة الماضية، صدمة غير متوقعة لطهران وأذرعها بالمنطقة، إذ فقدت مهندس نفوذ وتمدد الحرس الثوري، خصوصا فيلق القدس في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وبحسب مصادر متطابقة، فقد أشرف سليماني على إنشاء وتسليح وتدريب الميليشيات المسلحة التي تتبع الحرس الثوري، وتأتمر بأمره، كحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والميليشيات الشيعية في سوريا، وبالتأكيد جماعة الحوثي في اليمن.

 

فمع سيطرة المتمردين الحوثيين على العاصمة اليمنية سارع الجنرالات في الحرس الثوري الإيراني بإعلان البشارات تارة بإعلانهم سقوط العاصمة العربية الرابعة صنعاء تحت سيطرتهم بعد بيروت ودمشق وبغداد وتارة بزيارات مكثفة لخبراء عسكريين تابعين للحرس الثوري الإيراني.

ارتباط مبكر

وظهر ارتباط جماعة الحوثي بالحرس الثوري في وقت مبكر إبان الحرب مع الحكومة اليمنية في معقل الجماعة في صعدة شمال غربي اليمن، إذ كان التدريب والخبرات العسكرية والأدبيات التي تعمل عليها الجماعة نسخة مكررة للحرس الثوري الايراني. وأخيرا جمعت الجماعة بين أدبيات الحرس الثوري في إيران وحزب الله في لبنان.

العلاقة العسكرية بين الحرس الثوري والحوثيين قديمة لكنها ظلت غير ظاهرة، إلا أنها بدأت بالانكشاف أكثر في عام 2013 عندما كثّف الحرس الثوري الإيراني من عملية تهريب السلاح والخبراء للحوثيين، ففي مطلع يناير (كانون الثاني) من عام 2013 ألقت البحرية اليمنية القبض على السفينة الإيرانية جيهان1 في البحر الأحمر قبالة سواحل ميدي وعلى متنها الآلاف من قطع السلاح الحديث وفريق من خبراء من الحرس الثوري الإيراني وتم نقل الخبراء إلى صنعاء، غير أن سقوط العاصمة اليمنية صنعاء تحت سيطرة الميليشيات الحوثية أدى إلى إطلاق سراحهم.

فعندما سيطرت ميليشيات الحوثي على العاصمة اليمنية صنعاء حاصرت مقر جهاز الأمن القومي اليمني، الذي كان يوجد فيه عدد من خبراء الحرس الثوري الايراني وتمكنت من إطلاق عدد من الخبراء العسكريين كانوا ضمن طاقم سفينة الأسلحة الإيرانية جيهان1، التي احتجزتها السلطات اليمنية في يناير 2013، وكانت تحمل أسلحة للميليشيات الحوثية وتم نقلهم إلى سلطنة عمان.

 

وفي وقت سابق أطلقت الميليشيات سراح 3 إيرانيين في وضع مماثل تم توقيفهم في عمران شمالي صنعاء كانوا معتقلين على ذمة صلتهم بميليشيات الحوثي وتقديمهم تدريبات لمقاتليها.

وفي عام 2017 كشف تحقيق صحافي لوكالة “رويترز” إن إيران زادت في دورها بالصراع المستمر في اليمن حيث كثفت إمدادات السلاح وغيرها من أشكال الدعم. ويضاهي ذلك نفس الاستراتيجية التي انتهجتها إيران لدعم حليفتها جماعة حزب الله اللبنانية في سوريا.

وأورد التحقيق أن “قاسم سليماني يعد الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، اجتمع مع كبار مسؤولي الحرس الثوري في طهران لبحث سبل تمكين الحوثيين”.

وذكر المسؤول “في هذا الاجتماع، اتفقوا على زيادة حجم المساعدة من خلال التدريب والسلاح والدعم المالي”.

وأضاف، “اليمن هو المنطقة التي تدور فيها الحرب بالوكالة الحقيقية وكسب معركة اليمن سيساعد في تحديد ميزان القوى بالشرق الأوسط”.

وفي 4 ديسمبر (كانون الأول) من عام 2019 كشفت الحكومة الأميركية عن وجود قيادي كبير بالحرس الثوري الإيراني في اليمن يدير معارك الحوثيين، مُعلنة عن مكافأة قدرها 15 مليون دولار أميركي لمن يعطي معلومات عن مواقع أنشطته في اليمن.

وقالت الخارجية الأميركية، إن الحرس الثوري الإيراني ارتكب أبشع الفظائع بحق الشعب اليمني، وإن مجرمهم الأكبر عبد الرضا شهلايي يقبع في العاصمة اليمنية صنعاء.

وفي نهاية عام 2019 صرح مسؤولون أميركيون إن سفينة حربية أميركية احتجزت شحنة من أجزاء صواريخ إيرانية موجهة كانت في طريقها إلى الحوثيين باليمن.

وأضاف المسؤولون أن العملية جرت شمال بحر العرب في الرابع من ديسمبر 2019 ونفذتها سفينة حربية أميركية وفريق من قوات خفر السواحل الأميركية.

وتابعوا أنها المرة الأولى التي يحتجز فيها أجزاء متطورة كهذه كانت في طريقها إلى الحوثيين. ووفق المصدر نفسه، فإن حجز قطع صواريخ متطورة دليل على استمرار إيران في تهريب السلاح للحوثيين.

وفي ساعة متأخرة من ليل الجمعة الماضية أعلنت الولايات المتحدة أنها نفذت ضربة جوية على مطار بغداد الدولي أدت إلى مقتل عدد من الأشخاص على رأسهم الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس الذي يرعى عدداً من الميليشيات في المنطقة فماذا خسر الحوثيون بمقتل قاسم سليماني؟ .

خسارة مؤقتة

الباحث في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية علي الذهب يرى “أنه‏ كثيرا ما كان يثار ارتباط فيلق القدس الذي كان يقوده قاسم سليماني، بالميليشيات الطائفية بالمنطقة العربية، وقد كان الممول الرئيس لها، وبكافة أشكال التمويل المادي العسكري، واللوجستي ولا يستبعد أن يكون للحوثيين ارتباط بسليماني شخصيا؛ لأن علاقات الرجل مع زعماء هذه الجماعات كانت من دون حواجز، ولأنه يمثل القائد الروحي العابر للحدود لهذه الميليشيات”.

وأوضح الذهب لـ”اندبندنت عربية”، “أن خصوصية ارتباط الحوثيين بسليماني وفيلق القدس، تكمن في أنها كانت تركز على الجانب اللوجيستي، والأسلحة، فضلا عن التدريب والخبراء، ولم يكن حضوره في اليمن كحضوره في سوريا ولبنان والعراق، بسبب الفصل الجغرافي بين إيران واليمن وتلك الدول”.

 

وأضاف، “بناء على هذا، ستكون هنالك خسارة من جانب الحوثيين، وغيرهم من أذرع إيران، لكنها مؤقتة، إذا ما استطاعت إيران الحفاظ على دور فيلق القدس في المنطقة، لا سيما أن سليماني كان يعمل ضمن فريق وليس بمفرده، وأن هذا الفريق لا يزال موجودا، فالخسارة في مقتل القائد وليس الفريق كله، وهو كذلك فريق عابر للحدود”.

الحوثيون بين خيارين

من جانبه قال الباحث اليمني عبد السلام محمد، رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث، إن مقتل قاسم سليماني الذي يمثل رمزية عسكرية مهمة لإيران وخلفائها في المنطقة، ومنهم الحوثيون يمثل خسارة فادحة.

وأضاف، “إذا علمنا أن سليماني مهتم بالحوثيين تسليحا وتخطيطا وإشرافاً على معاركهم فهو يقود فيلق القدس الذي يعتبر بمثابة مخلب إيران في المنطقة العربية وتمكن خلال العقد الأخير من السيطرة على أربع عواصم، هي بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء، ما يعني أن سليماني بمثابة مسئول نفوذ إيران في الشرق الأوسط”.

وأشار إلى أن “سليماني أشرف بشكل مباشر على عملية انقلاب الحوثيين في سبتمبر (أيلول) 2014 وزودهم بأسلحة نوعية وخبراء من الحرس الثوري وحزب الله لمواجهة التحالف العربي وبالتالي فمقتله يمثل كارثة للحوثيين لا يمكن تعويضها خصوصا أن كلمته مسموعة”.

ولفت إلى أن “احتمالية تفكك ميليشيات إيران في المنطقة بعد سليماني سينعكس سلباً على الحوثيين إلى جانب فقدان مخطط وممول وداعم كبير لهم، كما أن استهداف واشنطن لسليماني معناه تجريم كل من تعامل معه أو يفكر أن يكون بديلا عنه، أو يكرر ذات أعماله وبالأصح، فإن هذه هي أول مواجهة مباشرة بين الأميركيين والإيرانيين وأدت لخسارة إيران ما لم تخسره منذ توقف الحرب مع العراق”.

 

وذكر الباحث، “أعتقد أن الحوثيين بين خيارين سيئين في هذه الفترة بين اتخاذهم قرار التقارب مع واشنطن وبين الضغط عليهم من طهران للرد على مقتل سليماني والتصعيد ضد السعودية لإحداث حالة إرباك بالمنطقة، ولا يستبعد أن حادثة مقتل سليماني ستدفع الحوثيين إلى اتخاذ قرار تفجير الوضع في المنطقة، ولا يستبعد تهديد ممرات التجارة الدولية أو القرصنة ضد سفن أو القيام بهجمات على موانئ أو مطارات خليجية”.

خسارة كبيرة

الصحافي والباحث في الشأن الخليجي والسياسة الإيرانية عدنان هاشم، قال إن “مقتل سليماني خسارة كبيرة للنفوذ الإيراني بشكل عام في الشرق الأوسط فمنذ التسعينيات عمل الرجل على صناعة هذا النفوذ بالعديد من الدول منها اليمن”.

وأضاف هاشم، إن سليماني “اكتسب شعبية المحارب الذي لا يقهر وسط المقاتلين الإيرانيين والحوثيين. وبخسارته تكون الجماعة فقدت واحدا من أبرز المؤمنين بها داخل إيران”، مبينا أن سليماني “كان يعتقد أن المعركة بالوكالة التي تخوضها إيران موجودة في اليمن وليس في مكان آخر”. وأشار إلى ارتباط أهمية جماعة الحوثي بوجود الميليشيات الكبرى التي يديرها سليماني مباشرة”.

وأوضح هاشم، “أعتقد أن الجماعة ستنضم بقوة لحملة الانتقام الإيرانية لمقتل سليماني وستدفع اليمن لحفرة جديدة مع زيادة الفاعلين الدوليين في البلاد”.

خسارة رمزية

ويرى الباحث السياسي مصطفى ناجي الجبزي، “أن خسارة الحوثيين بمقتل سليماني رمزية”، لافتا إلى أن “سليماني صانع نفوذ في المنطقة وأسطورة الرجل الذي لا ينفذ إليه الموت”.

وأضاف الجبزي، إن سليماني يُعرَّف بأنه رجل حديدي، وسفاح، وهذا يعزز من هيبة الحوثيين، مبينا أن مقتله جسّد عجز قدرتهم وجعلها على محك لإثبات النفوذ.

وأوضح، “الحوثيون يستمدون سلطتهم المعنوية من صلف إيران وقوة نفاذها وتحرشها بالعالم”، لافتا إلى أن “تلقي إيران لهذه الضربة سيغير من قواعد اللعبة ومن عناصر معادلة القوة والنفوذ في المنطقة”.

 

وأضاف الباحث، “إيران وسليماني يمثلان الأب القوي المقتدر الذي يجعل أولاده وتابعيه في شعور الأمان، غياب الأب يعني إرباك تابعيه وهذا ما سيحدث للحوثيين. فالرجل كان مهندس النفوذ وممسكا بخيوط اللعبة شخصيا، وغيابه يعني غياب العقل المدبر”.