السبت 11 شوال 1445 ﻫ - 20 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

مصرف لبنان للمرضى: موتوا بصمت

لا وقت للسلطة السياسية وأدواتها المصرفية للقلق على أحوال المرضى، وكذلك القلق على كل شرائح المجتمع، فهي منشغلة الآن في انتشال نفسها من الأزمة التي تورَّطَت بها، جرّاء فشلها في إدارة البلاد. وفي خضّم الفشل المنتشر في كل القطاعات، تَرَك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، القطاع الطبي ومرضاه، في مواجهة نتائج شح الدولار، الذي هو بدوره أحد أوجه أزمة السلطة وأدواتها.

ومرَّ قرار سلامة بالتراجع عن التزام المصرف المركزي في تأمين كميات الدولار المطلوبة لاستيراد المستلزمات الطبية، مرور الكرام عند أحزاب السلطة، التي تجد الوقت للتناحر حول تحاصص مقاعد الحكومة المنتظرة، ولا تجد بعض الوقت لبحث آلية توفير الدولار لقطاع لا يمكن تجاهله، لأن التجاهل فيه يعني الموت، خصوصاً للفقراء الذين يعانون في الأصل من استنسابية المستشفيات في اعطائهم العلاج.

سلبيات في ازدياد
منذ بداية أزمة شح الدولار وازدياد عراقيل الاستيراد من الخارج، حذّر أصحاب المستشفيات الخاصة، وتجمع مستوردي المعدات والمستلزمات الطبية، من الوصول إلى مرحلة الخطر وانخفاض مستوى توفّر المستلزمات الطبية، ما ينعكس سلباً على الخدمات الطبية التي يحتاجها المرضى. ورغم ذلك، أصرّ سلامة على التراجع عن الاتفاق الموّقع مع وزارة الصحة، والذي يؤمّن خلاله المصرف المركزي الدولار المطلوب للاستيراد. ولم يعلّق سلامة على التراجع، وكأنّ شيئاً لم يكن.

لم يستطع وزير الصحة جميل جبق تغيير المسار السلبي، لأن مفاتيح الحل بيد سلامة وحده. فهو صاحب القرار في الحالتين، سلباً أو إيجاباً، إذ “عندما يعطي الأمر للمصارف فإن كل الأمور تُحل”. وحتى الآن لم يعطِ سلامة الأمر للمصارف لفتح الاعتمادات.

العجز الذي تقف أمامه وزارة الصحة، يجعلها “شاهد على أزمة قد تخلّف نتائج كارثية إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه”، وفق ما تقوله مصادر في الوزارة، والتي تشير في حديث لـ”المدن”، إلى أن الوزارة “لا يمكنها فعل شيء لحل هذه الأزمة، لأنها لا تتعلق بأمور إدارية في الوزارة أو حتى قرارات إجرائية في المستشفيات. بل هي أزمة أدوات ومستلزمات لا خيار آخر لتأمينها سوى تحويل الدولار إلى الخارج، لاستيراد ما تحتاجه المستشفيات”. وتستغرب المصادر “قرار الحاكم الذي جاء معاكساً تماماً للدور الإيجابي المطلوب من المصرف المركزي في الظروف الحالية التي تمر بها البلاد”.

 

تبِعات القرار، حسب المصادر، قد تُلمَس بدايةً من خلال “سلسلة من الاعتصامات التي تنفذها المستشفيات، على غرار ما قامت به منذ بداية الأزمة. لكن ما لا يمكن حسمه، هو الخطوات التصعيدية التي قد تلجأ إليها المستشفيات التي كانت اعتصاماتها عادةً، تستثني مرضى السرطان وغسيل الكلى والحالات الطارئة. فمع ارتفاع حدّة الأزمة، كل شيء متوقَّع”.

الضغط التقليدي غير مجدٍ
الاعتصامات والتوقّف عن استقبال المرضى، هي سياسات تعتمدها المستشفيات للضغط على الدولة لإيجاد الحلول المناسبة. لكن في الوقت الراهن، الاعتصامات بصورتها التي اعتادت عليها المستشفيات والدولة والمرضى “لن تنفع”. فبالنسبة للمصادر، “الأزمة اليوم عميقة وتتداخل بين الأزمات السياسية والمالية والاقتصادية، وتطال بنية النظام اللبناني. وهي ليست محصورة في العلاقة بين وزارة الصحة والمستشفيات، أو بين المستشفيات والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على سبيل المثال. فالعلاقة الداخلية بين الدولة والمستشفيات، خلال الأوضاع الاقتصادية والسياسية المستقرة، تنفع معها الإضرابات وسياسات الأخذ والرد، لكن ما هو مطلوب اليوم، يدخل فيه عنصر خارجي، أي الشركات الأجنبية، وعنصر استفحال الأزمة الداخلية اللبنانية”.

الضغط التصعيدي الوحيد الذي تواجهه السلطة السياسية والمصارف، هو التظاهرات الشعبية. لكن حتى اللحظة، مازالت السلطة تراهن على إصلاح الوضع وفق منهجها السابق، الذي أوصَلَنا إلى الأزمة. وتساندها المصارف في ذلك، استناداً إلى آلية رياض سلامة في إدارة القطاع المصرفي، والذي يستسهل تغليب المصالح الخاصة على المصالح العامة. ويندرج قرار التخلي عن تأمين الدولار لاستيراد المستلزمات الطبية، في اطار تلك الآلية.

يتخوف البعض من لجوء المستشفيات إلى اقفال أبوابها لفترات أطول، أو اعتذارها عن استقبال بعض الحالات المَرَضية، حتى وإن حَسَم المصرف المركزي قراره نهائياً بعدم تأمين الدولار، وحتى لو أدى الإقفال إلى خسائر تتكبدها المستشفيات، لأن الأخيرة “ليست جمعيات خيرية. وعندما يتراجع مردود المستشفى وتتراجع خدماتها لقاء نقص المستلزمات، قد تُقفل نهائياً حفاظاً على سمعتها وعلى صحة المرضى”. وهو ما لا تأخذه السلطة السياسية ولا حاكم مصرفها رياض سلامة، بالحسبان. ولأجل ذلك “على المتضررين التفكير بآلية ضغط جديدة تكون مشتركة بين المرضى والمستشفيات ومستوردي المعدات الطبية”، مع الإشارة الى أن الوقت حالياً “ليس للتذكير ببعض الممارسات السلبية التي تقوم بها المستشفيات بحق المرضى، لأن الأولوية في هذه الظروف هي لتأمين المستلزمات لضمان تقديم العلاجات اللازمة. أما طريقة تعامل المستشفيات مع مرضاها، فيمكن نقاشه وتعديله عندما يصبح هناك وزارة صحة وأجهزة رقابية تمارس دورها بصورة صحيحة”.
وإلى حينه، يبقى على المرضى مواجهة مرضهم ومصيرهم بصمت، لأن مصرف لبنان وحاكمه لديهم ما يهتمّون لأجله أكثر من صحة اللبنانيين.