ذلك ما أكده زعيم الحزب حسن نصر الله مرة أخرى في خطابه الأخير تعليقا على البدء بتنفيذ قانون قيصر الأميركي. وإذا ما كان ذلك الخطاب في مجمله ينطوي على رغبة صريحة في تهديد إسرائيل بالحرب، كونها من وجهة نظره تمثل الولايات المتحدة في المنطقة فإن ذلك التهديد كان موجها للبنانيين في الوقت نفسه. إذ ذكرهم بأنهم سيدفعون ثمن تلك الحرب.
يجمع نصر الله الإسرائيليين واللبنانيين الذين يطالبون بنزع سلاحه في جبهة واحدة ويهددهم بالحرب التي سيدفع لبنان ثمنها، كونه البلد المستضيف لها. وهو ما يمكن تخيله على النحو التالي. طرفان يتحاربان على أرض دولة لا علاقة لها بتلك الحرب، غير أنها ستكون ضحيتها حين تدفع ثمنها من بشرها وبنيتها التحتية. كان نصرالله واضحا حين قال “إما السلاح وإما الجوع”.
بين حين وآخر تتمكن شرطة الإنتربول الدولية من القبض على عدد من أفراد الشبكة التي نشرها حزب الله حول العالم من أجل القيام بعملياته المالية القذرة. وهو ما أفقد الحزب الجزء الأعظم من إيراداته المالية إضافة إلى أن العقوبات الأميركية طالت حسابات عدد من عملائه ممن لم تتمكن الشرطة الدولية من القبض عليهم.
تلك مصالح لا علاقة لها بالقدس ولا بالمقاومة ولا بالحرب على إسرائيل أو الولايات المتحدة ولا بالدفاع عن المذهب الشيعي. إنها مصالح المافيا التي يقودها حسن نصر الله مستعملا الخرافات الشعبية من أجل تمريرها على الناس البسطاء خدمة لوليه في طهران.
بعد كل ما جرى في لبنان من احتلال إيراني تدريجي لم يعد نصرالله يعتبر نفسه ممثلا للطائفة الشيعية داخل لبنان في إطار النظام الطائفي. فهو في حقيقة أمره مندوب سلطة الاحتلال الإيراني في لبنان. لذلك فإنه يخلط في خطاباته بين لبنان وإيران. هما بالنسبة له الشيء نفسه.
وهو حين يعد اللبنانيين بأن إيران ستنقذهم من تداعيات قانون قيصر فإنه لا يدرك حجم السخرية التي ينطوي عليها وعده. فالرجل بالرغم من براعته في مزج الأوهام بالحقائق من أجل اختراع بطولات زائفة غاطس في مستنقع الخرافة الإيرانية. فهو على يقين من أن في إمكان إيران أن تقاوم العقوبات المفروضة عليها كما أنه يؤمن بأن في إمكان الميليشيا التي يتزعمها أن تشعل حربا في المنطقة إذا ما شعرت إيران بالضيق.
كل ما يهذي به من كلام لا يعبر عن لبنانيته بقدر ما يؤكد من خلاله إيمانه العميق بإيرانيته. وهو حين يكرر “سنقاتل” إنما يشير إلى مكانه على الجبهة الإيرانية. لبنان كله بالنسبة له هو جبهة إيرانية. وهو يقاتل باللبنانيين فذلك لأنه يعتبرهم من رعايا إمبراطورية فارس.
لا يصدق نصرالله أن أولياءه قد فقدوا كل أوراقهم للحوار مع العالم وهم في طريقهم إلى الاستسلام. يومها سيُترك لهذياناته التي سيكون على اللبنانيين أن يبحثوا عن سبل لإنهائها.