الجمعة 10 شوال 1445 ﻫ - 19 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

نصرالله يستكمل الانقلاب.. المصارف والجيش ونهاية لبنان!

سياسة القضم التّدريجيّ الّتي انتهجها حزبُ الله منذ ما بعد الانسحاب السّوريّ من لبنان، بدأت تثمر سيطرة شبه كاملة على دولة لبنان،

وفي سرد سريع لمفاصل امتداد هذا الحزب على حساب الدّولة اللّبنانيّة، يمكن القول أنّ الحزبَ استطاع فرملة ثورة ١٤ آذار عبر إيقافها على أبواب قصر بعبدا، ودعم صمود الرّئيس الأسبق إميل لحود لمدّة ثلاث سنوات، وخلالها استطاع سحب التيار الوطني الحرّ إلى التحالف الايراني عبر إغرائه بتزعّم قيادة المسيحيين على مستوى الشرق ضمن ما يُسمّى بتحالف الأقليّات الّذي تديره طهران.

“حلف” الأقليات

وبعد أن حصّن نفسه بأكياس رمل هي القوى “الحليفة”، أي التيار الوطني الحر عند المسيحيّين، وطلال ارسلان في طائلة الموحدين الدّروز وبعض القوى المتطرفة السنية، انطلق زحفه باتّجاه المؤسسات الشرعية، فبعد إمساكه برئاسة مجلس النواب من خلال إخضاع رئيسه نبيه بري لإرادته، أوصل ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية بعد تعطيل دام لسنتين ونصف قبل أن ينقضّ على رئاسة الحكومة ويشكل حكومته برئاسة حسان دياب.

السيطرة نهائياً على لبنان تستوجب بالنسبة لاستراتيجية نصرالله إسقاط الخطوط الدفاعية الأخيرة للبنان، وهي القطاع المصرفي ومؤسسة الجيش اللبناني، ومن يدرك منهجية الحزب بالقضم التدريجي، يدرك جيداً انه لا ينتقل من معركة لأخرى إلا بعد إتمام السيطرة على الأولى، وأيضا لا يفتح معركتين في الوقت عينه لعدم تشتيت القوى، وبالتالي نفهم التحييد الحذر لهجوم نصرالله عن الجيش اللبناني والتركيز حالياً على القطاع المصرفي.

إسقاط النظام المصرفي

في الحقيقة، إنّ معركة حزب الله مع المصارف ليست جديدة، ولكنها لم تكن بهذا الشكل المباشر يوماً، ففي العام ٢٠١٦ وعند بدء مسار العقوبات المصرفية الاميركية على الحزب وإعلان المصارف اللبنانية الالتزام بتطبيقها، كانت رسالة أمنية واضحة عبر التفجير الذي استهدف احد المصارف في الحمرا، ولم يصل التحقيق حينها لأي نتيجة نظراً للظروف التي باتت معروفة.

البعض يلوم المصارف أنها هي الّتي تسببت بالعداء مع الحزب بسبب تطبيقها للعقوبات، وهنا سنستعين برواية حصلت بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في أثناء استقباله السفير الصيني، حيث بدا السفير مستاءًا من شدة العقوبات الاميركية على حزب الله ووصفها بأنها غير منطقيّة، واستفاض بشرح سيئاتها ومدى الظلم الأميركيّ، عندها سأل جعجع السفير الصيني: هل ستطبقون هذه العقوبات؟ فأجاب السفير: بكلّ تاكيد، فنحن لدينا تعاملات مع الجانب الاميركي وإذا تعاملت أيّة شركة من شركاتنا مع الحزب، فسوف تتعرض لعقوبات صارمة، عندها أجاب جعجع: لذلك لبنان لا يستطيع مواجهة الولايات المتحدة، والمصارف مضطرة للالتزام بها كي لا يتم إخراجها من النظام المصرفي الدولي.

بالعودة لانتقام نصرالله من المصارف، فالأمور ليست عند هذه النقطة فحسب، إنّما المصارف تشكّلُ امتداداً دولياً للبنان ونافذته الاقتصادية للخارج، وهذا أمر يتناقض مع استراتيجية الحزب السّاعية لعزل لبنان اقتصادياً كما وسياسياً من العالمين العربي والدولي. وللإجابة على سؤال: لماذا بات لبنان دولةً معزولة من العالمين العربي والدولي؟ الجواب الحتميّ هو: لتمرير المشروع الإيرانيّ. والأمر نفسه ينطبق أيضاً على الاقتصاد، ولعزل اقتصاد لبنان لا بدَّ من توجيه ضربة قاسية لهذا القطاع الّذي كانت له اليد الأولى في استقرار الأمن الاجتماعي للشعب اللبناني، فحوالي ١٥٪؜ من اللبنانيين يعملون في هذا القطاع، ٦٠٪؜ من الاستثمارات المرتبطة بالمصارف، ٨٠٪؜ من الشعب اللبناني استفاد من تسهيلات مصرفية لشراء منزل او سيارة او تأسيس شركة أو غيرها الكثير.

عزل لبنان “الاقتصادي”

يطلّ نصر الله اليوم ليهدّدَ المصارفَ مِن جديد، ويضع لها عناوينَ عريضةً لتتحرّك ضمنها، والسّؤال الأساسيّ المطروح: مَن أوصل المصارف إلى هذه الحال؟ ولماذا باتت المصارف تقيّد التّحويلات والسّحوبات؟ أليس السّبب في ذلك السّياسات الّتي قام بها حزبُ الله؟ أليس حلفاؤه هم الّذين تسبّبوا بالهدر الأكبر في لبنان، مِن رئيس مجلس النّواب نبيه بري إلى التيار الوطني الحر؟ أوَليست الكهرباء وفسادها ما تسبّب بأكثر من نصف الدَّين العام؟ وماذا عن الحدود السّائبة والتّهريب؟.. ألا يستوجب كلّ ذلك إجابات مِن أمين عام حزب الله؟

أمّا بما يتعلّق بتقديم جمعيّة المصارف مبلغ ٦ مليون دولار كهبة للحكومة من أجل المساعدة على مكافحة كورونا، تسأل أوساط سياسيّة عديدة: لماذا لا يقدّم الحزب المدعوم من إيران أيّة مساعدات للدّولة؟ أمّا وزارة الصّحة، والّتي ينتمي آخر وزيرين فيها للحزب، فلماذا تسبّبت بتفويت الفرصة على لبنان بحصوله على قرض ميسّر بقيمة ١٥٠ مليون دولار من البنك الدولي والبنك الإسلامي من أجل تجهيز المستشفيات الحكومية بدل انتظار المساعدات شمالاً ويميناً…

باتت نوايا نصرالله مكشوفة تجاه المصارف اللّبنانية، وهي ليست قضيّة عقوبات أو اختلاف في وجهات النّظر، إنّما هي فرصة “كورونا” للانقضاض والانقلاب على وجه لبنان الاقتصاديّ الدولي ليحلّ مكانه نظامٌ إقليميٌّ تقوده الخزانة الإيرانيّة