السبت 25 شوال 1445 ﻫ - 4 مايو 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

نصف الثورة.. انتحار محقّق!

يقول جبران خليل جبران “لا تجالس أنصاف العشّاق، ولا تصادق أنصاف الأصدقاء، لا تقرأ لأنصاف الموهوبين، لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، لا تختر نصف حلّ، ولا تقف في منتصف الحقيقة، لا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل، إذا صمتّ.. فاصمت حتّى النّهاية، وإذا تكلّمت.. فتكلّم حتّى النّهاية”.

كلام جبران هذا، ينطبق على كلّ زمان ومكان، ولا شكّ أنّ إسقاطه على انتفاضة الشّعب اللّبنانيّ له بعده الواقعيّ والصّادق، فالثّورة الّتي انطلقت في 17 تشرين الثّاني 2019 لا يجب أن تقف في منتصف الطّريق، لأنّ مَن يصنع نصف ثورة يحفر قبره بيديه، والشّعب اللّبنانيّ لديه تجربة الـ “نصف ثورة” الّتي قام بها في 14 آذار 2005 والّتي هزم فيها احتلال النّظام السّوريّ للبنان، إلّا أنّ عدم استكمالها للإطاحة برموز حقبة الاحتلال، جعل منها “نصف ثورة”، حيث أعطت آلة القتل الإيرانيّة فرصة للاغتيالات المتتالية الّتي طالت رموز الحرّيّة والاستقلال، ولتأتي باحتلال أطاح بفرص قيام لبنان الّذي يجسّد طموحات وتطلّعات وآمال الشّباب الحرّ.

الانقلاب

17 تشرين الثّاني لم يكن موعداً للثّورة، إنّما كان موعداً للانقلاب على الوطن، حيث أنّ من قاد الانقلاب هو حزب الله الّذي بادر وقطع الطّرقات وأقام الحواجز في محاولة للإمساك بلبنان من أقصاه الى أقصاه، إلّا أنّ المفاجأة كانت بردّة الفعل الثّوريّة وتدفّق الثّوّار إلى الطّرقات والسّاحات، ما أربكَ أصحاب الانقلاب وأطلق ثورة وطنية جامعة واسقط أهداف أصحاب “القمصان السّود”، وطاردهم حتّى في عقر دارهم بثقافة الحبّ والحياة وبرايات الحرّيّة والاستقلال.

الإطاحة بالانقلاب لا يعني الانتصار، والدّليل أنّ الانقلابيّين يستكملون انقلابهم بوسائل وطرق عدّة، ولن يردعهم رادع، حقدهم يدفعهم للاستمرار، واسترزاقهم يجعلهم وقوداً تحرقهم وتحرق الوطن معهم. فما قام به اللّبنانيّون هو نصف إنجاز، والوقوف في الوسط بات أخطر من الانقلاب نفسه، وكما قال “طارق بن زياد” عند نزول القوّات العربيّة من سفنهم استعداداً لفتح الأندلس ثمّ قيامه بحرق سفنهم: “البحر من ورائكم والعدوّ من أمامكم”، فلا خلاص للبنان إلّا بثورته ضدّ تحالف الفساد والسّلاح.

الأهداف

ولكن قبل المضيّ في استكمال النّصف الآخر من الطّريق الشّاق، كان لا بدّ للثّورة من أن تنظّف نفسها من عملاء النّظام البوليسيّ، الّذين أرادوا أن يأخذوا الثّورة إلى مكان آخر ومشروع آخر، وللأسف قد نجحوا في أخذ البعض من “الثّوّار” لتشويه صورة الثّورة الّتي تحوّلت في مرحلة وجيزة إلى أداة تحطيم للمصارف وابتزاز لمصرف لبنان وحاكمه، وكأنّ الثورة قامت من أجل الإطاحة برياض سلامة والحفاظ على الطّبقة السياسية التي نهبت أموال المصارف وأموال الناس.

الثورة مقبلة على مرحلة جديدة، وعليها أن تدرك أنّ لبنان مسلوب السّيادة، والأزمة الاقتصاديّة هي نتيجة طبيعيّة لأيّ احتلال، وعلى الثورة أن تدفع بحزب الله  للعودة إلى لبنان، كما عليها أن تنظّف نفسها من بعض المجموعات الطُّفيلية التي تحاول “خبثاً” تحييد حزب الله تحت شعار “المقاومة” الّذي بات شعاراً باهتاً.