قد يكون من العجائب أن تجد دولة في القرن الحادي والعشرين لا تسمح لمواطنيها باستخدام منصات التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي بلغ فيه عدد مستخدمي وسائل التواصل النشطين أكثر من 5 مليارات شخص، أي نحو 62.3% من سكان العالم.
في تركمانستان يحظر استخدام خدمات المراسلة الكبرى: واتساب وفايبر وتلغرام. وبدلا منها، أنشأت الحكومة تطبيقا خاضعا لسيطرتها أطلقت عليه “بيزبارد”.
كذلك، أطلقت السلطات تطبيق “بيليت” وهو بديل لمنصة يوتيوب، أزيل منه أي محتوى من المحتمل أن يكشف العالم الخارجي للتركمانستانيين، سواء كان معلومات أو مواد ترفيهية.
يقول بياشيم إيشانغولييف، وهو بائع فواكه في تركمانستان، إحدى أكثر الدول انغلاقا في العالم حيث تمارس الدولة سيطرة شبه كاملة على الإنترنت “نحن نعلم بوجود فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب، لكن لا يمكننا الوصول إليها. كل شيء هنا محظور”.
والالتفاف على الحظر ليس أمرا سهلا.
ويوضح هذا الشاب البالغ 19 عاما لوكالة فرانس برس في أحد أسواق العاصمة عشق أباد أن “بعض الأشخاص يتمكنون من الاتصال بشبكة +في بي إن+ (شبكة خاصة افتراضية) لكن ذلك يكون موقتا إذ يتم حظره أيضا”.
ويضيف “والإنترنت بطيء. وبالتالي إذا تمكن شخص ما من تنزيل مقطع فيديو أو فيلم مثير للاهتمام، نشاهده مع بعضنا بعضاً”.
مع ذلك، يبدو أن تلك القيود الصارمة ليست كافية بالنسبة إلى سردار بيردي محمدوف، رئيس هذه الجمهورية السوفياتية السابقة الواقعة في آسيا الوسطى والغنية بالموارد الهيدروكربونية.
ومنتصف كانون الثاني/يناير، أعلن بيردي محمدوف “رغبته في تعزيز الأمن السيبراني في البلاد” تماشيا مع القيود التي فرضها أسلافه، والده قربان قولي بردي محمدوف وصابر مراد نيازوف المعروف بقمعه الوحشي لكل أشكال المعارضة.
“واقع مواز”
يقول رسلان مياتييف، رئيس تحرير موقع “تركمان نيوز” الإخباري المحظور في بلده، لوكالة فرانس برس “لا يوجد مشهد إعلامي”.
ويؤكد هذا الصحافي الذي يعمل من هولندا أن التركمانستانيين لا يرون إلا “دعاية لتعزيز صورة سلالة بيردي محمدوف”.
ويضيف “حتى لا ينهار هذا الواقع الموازي الذي أوجدته وسائل الإعلام، يحظر حكّام البلاد الإنترنت”.
ولا تبث وسائل الإعلام التركمانستانية التي تملكها الدولة إلا معلومات رسمية، وتقدم الكثير من التقارير عن أشخاص يقدّمون الشكر لقادة البلاد ويثنون عليهم.
ويعتبر يوسوب باخشييف، وهو موظف حكومي يبلغ 38 عاما ويعيش في عشق أباد أن “التلفزيون التركمانستاني ممل جدا، ولا يقدم معلومات، ويكرر بث البرامج نفسها دائما”.
وكان بإمكان باخشييف الوصول إلى قنوات أجنبية عبر الأقمار الاصطناعية، لكن ذلك أصبح اليوم مستحيلا.
ويروي “جاء موظفون في مجلس المدينة إلى منزلي وطلبوا مني إزالة طبق الأقمار الاصطناعية قائلين إنه يفسد الهندسة المعمارية للمدينة”.
ولدى بعض القنوات الغربية مثل “فرانس 24″ و”بي بي سي” و”يورونيوز” تراخيص بث في البلاد، لكن جمهورها ضئيل جدا إذ لا يتحدث في تركمانستان الانكليزية إلا عدد قليل من السكان.
أسوأ البلدان السيئة
وبالتالي، فإن التركمانستانيين يشاهدون كل يوم على شاشاتهم برامج يوبخ فيها سردار بيردي محمدوف وزراء أو يزرع أشجارا في الصحراء أو يحظى بتصفيق حار.
من جهته، يتمتع والده الذي يحمل لقب “البطل الحامي” أو “أركاداغ” بالتركمانية، بامتيازات كبرى وما زال يظهر عبر الشاشات في أحداث رياضية أو موسيقية.
لكن خلف العناوين الصحافية التي يتم التحكم فيها بدقة، بلد ذو سجل قاتم في مجال حقوق الإنسان.
صنّفت منظمة “فريدوم هاوس” الأميركية غير الحكومية التي تتّبع وضع الحريات المدنية والسياسية في دول العالم، تركمانستان في فئة “أسوأ البلدان السيئة” بنتيجة 2/100، وهي حتى وراء كوريا الشمالية (3).
كما أن تركمانستان تتذيل تصنيفات حرية الصحافة التي تقدمها منظمة “مراسلون بلا حدود”.
لكن لا شيء من ذلك يزعج أوكسانا تشوميلوفا (40 عاما)، وهي موظفة في شركة إنشاءات في عشق أباد، وهي سعيدة باستقرار بلدها.
وتؤكد لوكالة فرانس برس حاملة نسخة من صحيفة “تركمانستان المحايدة” التي تحمل صورة الرئيس على صفحتها الأولى أنها تشعر “بالاستقرار والهدوء” عند قراءتها لأنها “لا تحتوي على مقالات نقدية ولا معلومات سلبية”.