تنظر القوى السياسية في لبنان إلى ما ستؤدي إليه الانتخابات الرئاسية الأميركية على أنها محطة يمكن من خلالها استقراء المسار العام للحرب الدائرة في الجنوب ومدى استعداد الرئيس العتيد للضغط على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، للتسليم بوقف إطلاق النار بعدما انقلب عليه مرات عدة واستمر في عدوانه من دون أن يلقى الضغط المطلوب من واشنطن، لعله يدفع لبنان للرضوخ لشروطه لتطبيق القرار الدولي 1701 على نحو يتطابق مع تفسيره له، بخلاف التفسير اللبناني، كونه لن يؤمّن، من وجهة نظره، الضمانات المطلوبة لنزع سلاح حزب الله وانكفائه إلى ما بعد جنوب الليطاني.
ويفتح استمرار الحرب في جنوب لبنان الباب أمام تدارك الفراغ في المؤسسات العسكرية والأمنية، بإحالة الممدد لهم إلى التقاعد، بدءاً بقائد الجيش العماد جوزف عون في العاشر من كانون الثاني المقبل، والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في منتصف مايو المقبل، وذلك بالتمديد لهما لعام جديد، إضافة إلى المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري، شرط الفصل بين التمديد وانتخاب رئيس الجمهورية، الذي لا يزال يدور في حلقة مفرغة.
ولا يرتبط انتخاب الرئيس بوقف النار فحسب، بل لأن الظروف المحيطة بإنهاء الشغور في الرئاسة الأولى، سواء أكانت محلية أم دولية، ليست ناضجة حتى الساعة، وذلك على الرغم من إلحاح المجتمع الدولي على إخراج الانتخاب من أزمته بعدم ربطه بالتهدئة في الجنوب.
ولن يكون في وسع البرلمان التمديد للقادة العسكريين والأمنيين ما لم تعقد جلسة تشريعية بدعوة من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يسبقها الاتفاق على جدول أعمال، كما حصل سابقاً، ومن بين بنودها التصويت على اقتراح قانون ينص على التمديد لهم، علماً بأن بري لم يقل كلمته حتى الساعة. والموقف نفسه ينسحب على حليفه حزب الله، وإن كان يشترط فصل التمديد عن انتخاب رئيس للجمهورية، فيما التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل باقٍ على موقفه برفضه التمديد؛ لأنه يرفع من الحظوظ الرئاسية للعماد جوزف عون، ويتيح له التقدم على منافسيه في السباق إلى الرئاسة.
على الرغم من أنه نُقل عن الرئيس بري قوله إنه لم يعرف حتى الساعة ما إذا كان النواب المنتمون لحركة أمل سيصوّتون، كما في السابق، على اقتراح القانون الذي يقضي بالتمديد لقادة الأجهزة العسكرية والأمنية، فإن مصادر نيابية تؤكد لـ”الشرق الأوسط” أنه سيرعى التمديد لتفادي الشغور المترتب على إحالتهم للتقاعد في ظل الظروف الحرجة الناجمة عن مواصلة إسرائيل حربها التدميرية على لبنان، التي تستدعي توفير حصانة السلم الأهلي، بعدم تعريضه إلى أي شكل من أشكال الاهتزاز.
لكن هناك زحمة في اقتراحات القوانين التي يُفترض أن تتقدم بها أكثر من كتلة نيابية، افتتحها نائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان، الذي حصر اقتراحه بالتمديد لقائد الجيش، معللاً الدوافع التي تستدعي التمديد له، على الرغم من أنها تنطبق على غيره من قادة الأجهزة الأمنية.
وعلمت “الشرق الأوسط”، من مصادر نيابية متعددة، أن معظم الكتل النيابية فوجئت بتفرّد عدوان بطلب التمديد للعماد عون وحده، مع أنها كانت على تواصل معه للتوافق على التقدم من الأمانة العامة للمجلس النيابي بصيغة موحدة تقضي بأن يشمل التمديد قادة الأجهزة الأمنية.
وكشفت المصادر النيابية أن أطرافاً في المعارضة كانت أول من فوجئ بحصر عدوان التمديد لقائد الجيش، وقالت إن المفاجأة انسحبت أيضاً على كتلة الاعتدال التي تواصلت معه واستوضحت منه الأسباب الكامنة وراء تفرّده باقتراحه.
وكان جواب عدوان، حسب المصادر، أن لا شيء يمنع الكتل النيابية أن تتقدم باقتراحات قوانين تقضي بشمول التمديد قادة الأجهزة الأمنية، على أن يصار، كما حصل في التمديد الأول، إلى دمجها باقتراح واحد صدّقت عليه الأكثرية النيابية.
وتأكد أن كتلة الاعتدال تتشاور حالياً مع عدد من الكتل النيابية، استعداداً للتقدم في اليومين المقبلين، باقتراح قانون يقضي بالتمديد لقادة الأجهزة الأمنية والعسكرية من رتبتي لواء وعماد، مع أن قائد الجيش هو وحده من يحمل رتبة عماد.
ويُفترض أن يتقدم اللقاء الديمقراطي باقتراح مماثل في حال قرر أن يعيد النظر في مسودة أولى تقترح أن يشمل التمديد جميع العاملين في الأسلاك الأمنية والعسكرية على اختلاف رتبهم، حتى نهاية عام 2025، فيما تميل كتلة نواب تحالف قوى التغيير التي تضم: مارك ضو، ووضاح الصادق، وميشال الدويهي، إلى إعداد اقتراح قانوني يقضي بأن يستفيد جميع العسكريين والأمنيين من التمديد لعام واحد، بذريعة أن لبنان في حرب مع إسرائيل، تتطلب منه تفادي حصول شواغر في المؤسسات الأمنية بصرف النظر عن رتبهم.
لذلك، فإن حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تنأى بنفسها عن إعداد مشروع قانون بالتمديد لهم، وتترك المهمة، كما في التمديد الأول، للكتل النيابية لتفادي طعن وزير الدفاع موريس سليم بالتمديد للعماد عون، بذريعة أنه لا يحمل توقيعه، وهو كان اقترح بحضوره وزملائه الجلسة شرط ملء الشغور في قيادة الجيش والمجلس العسكري، وهذا ما قوبل برفض ميقاتي إصدار التعيينات بغياب رئيس الجمهورية، وهو يتفق مع باسيل في هذا الخصوص، قبل أن يسحب الأخير اعتراضه ولو مؤقتاً؛ لأن ما يهمه إبعاد عون الذي يتصدر لائحة المتنافسين عن الرئاسة.
وعليه، يبقى الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، من أشد المطالبين بالتمديد لهم، ولا يؤيد أن ينوب عن العماد عون رئيس الأركان اللواء حسان عودة، على الرغم مما يتمتع به من قدرات وكفاءات عسكرية، وذلك للحفاظ على التوازن وعدم الإخلال به، خصوصاً في المؤسسة العسكرية ودورها إلى جانب القوى الأمنية الأخرى في الحفاظ على السلم الأهلي في ظل تأكيده بأن الحرب طويلة.