تدارك لبنان الرسمي سريعاً ملامح “الأزمة” التي كانت بدأتْ تلوح في أفق علاقاته العائدة حديثاً الى التطبيع مع دول الخليج، كما مع المجتمع الدولي، وذلك من خلال موقفيْن، أوّلهما معاودة الإصطفاف خلف القرار 1701 الذي كانت اهتزّت مرتكزات الالتزام به مع كلام الرئيس ميشال عون الذي أضفى شرعية على سلاح “حزب الله” وضرورة وجوده “لانه مكمل لعمل الجيش اللبناني ولا يتعارض معه”، وثانيهما تجديد اعتبار البيان الوزاري لحكومة الرئيس سعد الحريري “الناظم” للسياسة الخارجية للحكومة وتحديداً لجهة “إلتزام القرارات الدولية ومنها 1701 والعلاقات مع الدول العربية”.
وكاد هذا التدارُك الذي حصل في جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت امس برئاسة عون ان يحجب الأضواء عن الإنجاز النوعي الذي تمثّل في بتّ سلّة من التعيينات الأمنية والعسكرية والقضائية والإدارية في مناصب الفئة الأولى التي كان غالبيتها وقع في “شِباك” التمديد في الأعوام الماضية نتيجة الاشتباك السياسي، وأبرزها موقع قيادة الجيش الذي عُين فيه العميد الركن جوزيف عون (من حصة رئيس الجمهورية) بعد ترقيته الى رتبة عماد والمديرية العامة لقوى الامن الداخلي التي اختير لها العميد عماد عثمان (من حصة رئيس الحكومة) الذي رُقّي الى لواء.
وبدا واضحاً ان الحكومة والعهد الجديد كانا بحاجة الى هذا الإنجاز لتعويم الزخم الذي ساد البلاد بعد التسوية السياسية التي أنهت الفراغ الرئاسي في 31 ت1 الماضي، والذي تلاشى بفعل “الغرق” في مناقشاتٍ بلا طائل حتى الساعة حول قانون الإنتخاب الجديد، ما ينذر بجعْل “المركب اللبناني” يعود الى “عين العواصف” وسط محاولاتٍ لايجاد “طوق نجاة” يوفّر عبوراً آمناً لاستحقاق انتهاء ولاية البرلمان في 20 حزيران.
وقد بات هذا التاريخ بمثابة “مفْصل” في الواقع اللبناني اذ صار يستحيل عملياً إجراء الإنتخابات النيابية قبله، وسط سباقٍ بين المحاولات لبلوغ قانون جديد يتضمّن في متنه تمديداً تقنياً للبرلمان، وبين مساعي البعض للإبقاء على خيار القانون النافذ الحالي اي “الستين” كـ”ورقةِ إحتياطٍ” يتصدّر رئيس الجمهورية مَن يكمنون لها لـ «حرْقها» ومعها اي مسعى لتمديدٍ ولو ليوم من خارج قانون جديد على قاعدة “الفراغ ولا التمديد او الستين”.
وإذا كان مجلس الوزراء أصرّ على تَجاوُز اعتراض بعض الوزراء مثل وزير التربية مروان حمادة على طريقة التعيينات بالاتفاق عليها خارج مجلس الوزراء من دون توزيع السير الذاتية على الوزراء قبل 48 ساعة، فإنه حرص، في موازاة ضخّ جرعة ايجابية في اتجاه الداخل، على احتواء الاهتزاز في علاقاته الخليجية الذي كان عبّر عن نفسه من خلال سلسلة إشاراتٍ عبّرت عن عدم ارتياح أقرب الى الامتعاض من مواقف عون حيال “حزب الله” ثم حملة الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله المتجددة على المملكة العربية السعودية وتَوسُّعها لتشمل الإمارات العربية المتحدة.
وبعدما كان وزير الخارجية جبران باسيل أبدى ارتياحاً الى تراجُع مستوى التحفظ في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة على بند “التضامن مع لبنان” ليقتصر على البحرين بعدما اشتمل إبان الاجتماع على مستوى المندوبين الدائمين لدى الجامعة العربية ايضاً على السعودية والإمارات، كان لرئيس الجمهورية امام مجلس الوزراء “أول الكلام” بعد “العاصفة” التي أثارتْها مواقفه التي أطلقها على هامش زيارته لمصر الشهر الماضي، والتي بلغت حد الكشف عن اجتماع سرّي عُقد في بيروت منتصف شباط وضمّ سفراء دول مجموعة الدعم الخاصة بلبنان وممثلة الأمم المتحدة وممثل لجامعة الدول العربية، والذي تضمّن خلاصات بالغة السلبية حيال الموقف اللبناني من القرار 1701، معتبراً ان موقف عون من سلاح “حزب الله” تجاوز الخطوط الحمر، وملمحاً الى تأثيرات سلبية على تسليح الجيش اللبناني ومصير قوة “اليونيفيل” في جنوب لبنان.
الا ان رئيس الجمهورية جدد امس إلتزام لبنان بالقرارات الدولية ولا سيما الـ 1701، مؤكداً انه أبلغ هذا الموقف الى رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي روبرت كوركر وقائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الجنرال جوزف فوتيل خلال زيارتيهما لبيروت، داعياً الى ان يكون تنفيذ الـ 1701 على الجميع بالتساوي، ومشدداً على “ان لبنان لم يعتد على احد وأنه معني بحماية حدوده ضد اي اعتداء وهذا حقنا في الدفاع عن أنفسنا”: ولافتاً الى انه طالب باستمرار دعم الجيش اللبناني لتمكينه من الاستمرار في القيام بواجبه.
وشدد عون على انه يحمل في زياراته الخارجية “رسالة لبنان الداعية الى السلام والمحبة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، موضحاً ان هذه الرسالة كما غيرها سينقلها في زيارته المقبلة الى الفاتيكان وبعدها الى القمة العربية في الاردن، مؤكداً “حق لبنان الطبيعي في الدفاع عن أرضه ومقاومة الاحتلال وممارساته”، ومعلناً «ان لبنان لا يعتدي بل يدافع عن نفسه وشعبه ووحدته الوطنية التي لا يجوز ان يؤثر عليها اي خلاف خارجي”.
ولفتتْ دعوة عون الى الانتقال من الطائفية السياسية الى المواطَنة الحقيقة، مطالباً بشتكيل اللجنة التي تحضّر للخروج من الطائفية الى المواطَنة.
وفي السياق نفسه، برز موقف لرئيس الحكومة سعد الحريري بدا فيه غمْز من قناة التمايز والإختلاف مع عون في ما خص الموقف من “حزب الله”، اذ جدّد اعتبار “اننا كحكومة واضحون في البيان الوزاري لجهة التزام القرارات الدولية ومنها 1701 والعلاقات مع الدول العربية”، مذكّراً بأن الجميع يعلمون “ان هناك أموراً نختلف في شأنها ونضعها جانباً”، داعياً الى الاهتمام بالشؤون للبنانية الداخلية والاهتمام بمصلحة لبنان اولاً وأن يكون البيان الوزاري الاساس في تعاملنا داخل مجلس الوزراء.