جيش الاحتلال الإسرائيلي على الحدود مع لبنان - أرشيفية
بين محاولةِ فَتْح الأفق السياسي في «قمة القاهرة للسلام»، وفتْح أفقٍ إنساني بإطلاق رهينتين أميركيتيْن، وفتْح أفقٍ إغاثيّ من خلال معبر رفح، مثلثٌ انشدّ إليه لبنان الذي تبقى عيونُه على وقائع الحرب بين «حماس» وإسرائيل والتي تقترب من دخولِ مرحلةٍ جديدةٍ عنوانُها الاجتياح البري، فيما قلْبُه على إمكانِ أن ينزلقَ إلى الصراعِ المتعدّد البُعد والطرف انطلاقًا من «الأوعية المتصلة» التي تربطه، ولا سيما عبر «حزب الله»، بكل «صفائح» المنطقة بامتداداتها الإقليمية والدولية.
ومع دخول «طوفان الأقصى» أسبوعه الثالث وسط انفلاش المواجهات على طول الحدود الجنوبية للبنان، وإن من دون أن تبلغ حتى الساعة فتْح الجبهة وربْطها بـ «جهنّم» التي تزجّ فيها إسرائيل غزة وأهلها، فإن المشهدَ السياسي الذي صار «حربياً» بامتياز منذ 7 تشرين الأول بقي موزّعاً على جبهتين:
– الأولى، السِباق بين تَوالي الدعوات للرعايا العرب والغربيين بمغادرة لبنان، وآخر دفعةٍ كانت لمواطني سلطنة عُمان وألمانيا وهولندا وبلجيكا وأوكرانيا، وبين الحضّ وعلى مدار الساعة من عواصم دولية لبيروت بوجوب تفادي أي «خطأ في الحسابات» وإقحام البلاد في حربٍ لن يجد مَن يقف معه فيها ولا بعدها، وهي رسائل كانت وصلت مباشرة وعبر الهاتف، من باريس وبرلين وواشنطن التي تَواصَل وزير خارجيتها أنتوني بلينكن هاتفيًا مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يوم الجمعة.
ولم يكن عابراً في هذا السياق ما أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لعدد من الصحافيين من أن باريس بعثتْ رسائل «بشكل مباشر للغاية» إلى حزب الله من أجل ثنيه عن الدخول في النزاع بين إسرائيل وحركة حماس، كما «أبلغنا هذه الرسائل إلى السلطات اللبنانية».
– والثانية، محاولة الحصول على إجابة على «سؤال المليون» والمتمثّل في «هل سيفتح حزب الله الجبهة» ما أن يبدأ الاجتياح البري لتخرجُ المواجهات عن الضوابط التي تحكمها منذ أسبوعين تحت ما يُعرف بـ «قواعد الاشتباك» وإن مع اتساعِ رقعة العمليات والاشتباكات.
وما زال الجوابُ على هذا السؤال متعذِّراً في ضوء الحسابات المعقّدة التي تتحكّم باتخاذ قرارٍ بحجم الضغط على زرّ الانفجار الكبير الموجود في «حقيبة» محور الممانعة (بقيادة إيران) برمّته والذي كان لوّح بتفعيل شعار «وحدة الساحات» ما لم تقف الحرب على غزة وبحال تمسكت اسرائيل بإنهاء «حماس» ولو على أنقاضِ القطاع ودم أبنائه.
وجاءت مشهديةُ تحريك جبهات اليمن عبر إطلاق صواريخ على إسرائيل اعترضتْها مدمّرة أميركية، والعراق باستهداف قاعدة عين الأسد الأميركية، وسورية بمهاجمة قاعدة التنف، بالتوازي مع التسخين التصاعدي من جنوب لبنان، لتشكِّل أول شرارةٍ إلى قرب «تشغيل» تَلاحُم الساحات، وسط علامات استفهام حول هل أن الأمر في سياق «إشارة سبّاقة» ومحاولة إرساء «توازن رعب» لوقف خيار الغزو البري لغزة مقابل الردع الأميركي الذي شكله المجيء بحاملات طائرات وفتْح جسر جوي عسكري مع اسرائيل، أم أن ثمة قراراً نهائياً بانخراط المحور في الحرب ولعْب كل أوراقه التي راكَمها على مدى أعوام وعقود لإنقاذ «حماس» وحفْظ «رأسها».
وإذ ترى أوساط سياسية أن ثمة صعوبة في تَصَوُّر تفريط طهران «ضربةً واحدة» بكل أذرعها ووضْعها في «سلّة واحدة» في لحظة «يا قاتل يا مقتول» التي وجدت إسرائيل نفسها فيها، فإنها تَعتبر أن تحريك الساحات الأربع «معاً» في الساعات الماضية يعكس في جانبٍ منه تَعَدُّد الخيارات أمام طهران لمحاولة الحؤول دون التفرّد بـ «حماس» وقطْع الجسر الذي أوْصَل إيران إلى قلب العنوان الفلسطيني وحوّلها لاعباً رئيسياً لا يمكن تحديد مصير هذه القضية ولا رسْم مساراتها من دونها.
ومن هنا لا تُسْقِط هذه الأوساط إمكان أن يكون فتْحُ جبهة الجنوب، في الشكل الذي يستجرّ تمدُّد الحرب إلى لبنان، بمثابة «احتياط استراتيجي» لا يُستخدم إلا بحال بلغتْ «الموس ذقن» طهران نفسها، من دون أن يعني ذلك ألا يستمرّ «حزب الله» في دوره البالغ الأهمية في إشغال الجيش الإسرائيلي وفرق النخبة فيه وتشتيت قواه وتركيزه، وألا تحصل تطورات غير محسوبة يمكن أن تجرّ الجميع إلى الحرب بخطأ كبير ما لم يكن بقرار كبير تفرضه أي دينامية غير متوقَّعة في الميدان.
ويتوقف أصحاب هذه القراءة في هذا السياق عند مسألتين:
– الأولى، إصرار واشنطن، التي لا تريد توسُّع المواجهة في المنطقة، على «نصيحة» تل أبيب بعدم المبادرة إلى فتْح الجبهة مع لبنان وإبقاء المواجهات منضبطة، ودعوتها إلى التركيز على غزة و«حماس» وترْك الأمر لها لردع «حزب الله» أو للردّ عليه بحال اختار هو الضغط على زناد تفجير الجبهة.
وكان لافتاً تذكير وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خلال اتصاله بنظيره الإسرائيلي يوآف غالانت «لبحث التحديثات المتعلقة بعمليات إسرائيل الرامية إلى استعادة الأمن عقب هجمات حماس الإرهابية» بـ «دعم الولايات المتحدة لإسرائيل في الدفاع عن نفسها» وتشديده، في غمز من إيران و«حزب الله»، على «التزامنا بردع أي دولة أو جهات فاعلة غير حكومية تسعى إلى تصعيد هذا الصراع».
– والثانية، سقفان رَسَم من خلالهما «حزب الله» ما يشبه معادلة «ردع الجنون الإسرائيلي وليس استدراجه»، وتعميق «الحيرة» الإسرائيلية مع تلويحٍ بأنه «إذا تدخّلت إسرائيل أكثر فالأمور ستتوسّع».