اتّفَقوا، لم يتّفِقوا وقد يتفقون وربما لن يتفقوا… هكذا هو حال موقف القوى السياسية اللبنانية من الصيغ المتداوَلة في شأن قانون الانتخاب العتيد، الذي بات يشكل “أم المعارك” في بيروت مع تحوُّل عامل الوقت سيفاً مصلتاً على رقاب السلطة التشريعية المهدَّدة بالفراغ في حال تَطوّر الصراع على “جنس” قانون الانتخاب إلى حرب استنزاف للمرحلة الفاصلة عن انتهاء ولاية البرلمان الحالي في 20 يونيو المقبل.
ووسط حالٍ من “توازن الرعب” بين مَن يضغط بقانونٍ يناسبه ملوّحاً بالسقوط في فم الفراغ، ومَن يقاتل لقانونٍ يناسبه مهدداً بالتمديد للبرلمان “السيّد نفسه”، يختلط الحابل بالنابل في غموضٍ “غير بناء” يحوط مصير المساعي لعقد صفقةٍ كبرى بين القوى السياسية حيال قانون انتخابٍ جديد، يتيح تفادي السيناريوات المأسوية كالفراغ والتمديد وتمْنع دفع البلاد نحو المأزق الصعب.
وبات من الواضح أن معركة شرسة تدور الآن بين مشروعيْن، واحد اقترحه رئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل ويقوم على اعتماد نظام مختلط بين الاقتراع الأكثري (طائفياً) والاقتراع النسبي (وطنياً)، وآخر يدفع في اتجاهه “حزب الله” ويقوم على اعتماد “النسبية الكاملة” في لبنان كدائرة واحدة أو دوائر عدة، ما جعل القوى السياسية وكأنها في معرض “الاستفتاء” حيالهما.
ورغم إعلان رئيس البرلمان، رئيس حركة “امل” نبيه بري عدم موافقته على مشروع باسيل، وطرْح “حزب الله” ملاحظات عليه كفيلة بنسْفه، وتعاطي “تيار المستقبل” معه على طريقة “لعم”، أي أنه لا يؤيده ولا يرفضه، فإن “التيار الوطني الحر” ما زال يدافع عن حظوظه، استناداً الى ما يشيعه عن مواقف ايجابية لمختلف الأطراف من اقتراح باسيل المفتوح على “روْتشات” تأخذ في بعض الملاحظات التي تجعله مقبولاً من القوى الرئيسية.
وعلى عكس هذه الخلاصة، فإن ثمة تقديرات بدت حاسمة في القول ان مشروع “النسبية الكاملة” الذي وضعه “حزب الله” على الطاولة تحوّل ملاذاً للخروج من المأزق بعد تأييده من أوساط واسعة وانفتاح “تيار المستقبل” على مناقشته، وهو المشروع الذي يتفيأ موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ويحظى بدعمٍ قوي من الرئيس نبيه بري ويلبّي طموحات فئات في طوائف مختلفة.
واللافت في هذا السياق ان “تيار المستقبل”، الذي سبق ان نصح الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بالجلوس في المقاعد الخلفية وترْك الأمور تأخذ مداها، يتعامل مع ما يُعرض عليه من صيغ لقانون الانتخاب بـ “حيادية”، ما جعل المعركة الدائرة حالياً مواجهة “وجهاً لوجه” بين “الثنائية الشيعية” (حزب الله وحركة امل) و”الثنائية المسيحية” (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية).
ولفت أمس اعلان رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع رفضه المبدئي والمطلق لاعتماد “النسبية الكاملة” أياً يكن عدد الدوائر، وسط تقديرات تحدثت عن تفاهم في هذا الشأن بين “القوات” و”المستقبل” وجنبلاط نتيجة ما يصيب تلك الاطراف من خسائر انتخابية – سياسية إذا تم اعتماد النسبية الكاملة.
هذا المشهد الاقرب الى “الهرج والمرج” يعكس ارتباكاً من جهة وحماوة من جهة أخرى، بعدما جرى التلويح من “الثنائية الشيعية” بأن 17 ابريل المقبل يشكل “خط النهاية” للتوصل الى اتفاق حول قانون الانتخاب وإلا أديرت محركات التمديد المتدحرج للبرلمان، ربما في انتظار انصياع الجميع لقانون “النسبية الكاملة” التي نصح “حزب الله” باعتمادها “اختصاراً للوقت”.