الخميس 18 رمضان 1445 ﻫ - 28 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

انتقادات أميركية لحيرة واشنطن تجاه لبنان

مع المنحى التصاعدي والتصعيدي الذي انتهجته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه إيران، جُعل لبنان ساحة من ساحات المواجهة السياسية بين واشنطن وطهران. وقد التزمت الولايات المتحدة الحدَّ الأدنى من العلاقات مع بعض الأطراف اللبنانية، وفي شبه قطيعة مع آخرين، وهددت بالتخلّي عن احترامها واعترافها بنوع من الخصوصية عند مقاربتها الشؤون اللبنانية.

انتقادات في واشنطن
غير أن هذه السياسة الأميركية المتبعة تجاه “بلاد الأرز”، باتت تتعرض لانتقادات من الصحافة في واشنطن وكبار المفكرين. وكان لافتاً ما تحدث عنه ديفيد إغناتيوس، كبير كتّاب مقالات الرأي في صحيفة “واشنطن بوست” قبل أسابيع، عن ضرورة دعم واشنطن لمسيرة الإصلاح الاقتصادي في لبنان، والتوقف عن الضغوط المفرطة التي قد تتسبب بفوضى عارمة ترمي البلاد بالكامل في أحضان إيران، وتُفقد الولايات المتحدة نفوذها في هذا البلد الصغير.

في السياق ذاته، انتقدت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية تجميد مساعدات للجيش بقيمة تتجاوز 100 مليون دولار. معتبرةً أنه بدلاً من مضاعفة دعمها للقوات المسلحة اللبنانية، التي من شأنها أن تعزز مؤسسات الدولة اللبنانية وتضغط على حزب الله، قام البيت الأبيض بخطوةٍ في الاتجاه المغاير.

مجلس الأمن القومي
صاحب هذا القرار المثير للجدل، حسب المجلة، هو مجلس الأمن القومي الذي تخلى عن التوافق الأميركي الطويل لدى كلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي حول السياسة اللبنانية. إذ يحاول موظفو مجلس الأمن القومي المسؤولين عن الشرق الأوسط إعادة استخدام برنامج المساعدة العسكرية في لبنان، وتقليص حجمه لأكثر من عام.

قاد هذا الجهد مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، لكنه استمر على وتيرته حتى بعد إقالته. ولم يقدم مكتب الإدارة والميزانية أي سبب لتعليق التمويل، إلا أنه وكما العادة يعلل مجلس الأمن القومي خطواته بالقول إن حزب الله يسيطر على الحكومة اللبنانية، ويشكل تهديداً أمنياً لإسرائيل، ويحاول أن يجعل الجيش اللبناني أكثر التزاماً بتحدي الحزب، رابطاً الأمر بالمساعدات العسكرية الأميركية.

ثمة حجة أخرى لتجميد المساعدات التي قد تكون لها علاقة بلبنان. فمنذ توليه منصبه، فضل ترامب قطع المساعدات الأجنبية، لأنه يعتقد أن الولايات المتحدة لا تحصل على ما يكفي من أموال من أصدقائها. وكان لبنان، مثل العديد من البلدان الأخرى، هدفاً لتقليص المساعدات وتجميدها.

خلاف أميركي
وتضيف المجلة بالقول أنه لا يوجد أي مخاوف غير عقلانية في مجلس الأمن القومي، التي تشاركه فيها القيادة العليا في وزارتي الدفاع والدولة والقيادة المركزية الأميركية حول دور الحزب لبنان. فهذا الأخير يمتلك أسلحة وخبرة قتالية أكثر من الجيش اللبناني، ويتمتع بنفوذ هائل على السياسة في بيروت. وهو يقرر متى ستخوض البلاد الحرب أو تصنع السلام.

رغم التوافق على المبدأ، هناك خلاف في واشنطن حول كيفية تحدي حزب الله. إذ تنظر الإدارة الأميركية الحالية إلى لبنان من خلال منظور ضيق لحملة الضغط القصوى ضد إيران. معتقدةً أن وقف المساعدات للجيش اللبناني سيجبر قيادته بطريقة ما على مواجهة الحزب. وهو منطق يفتقر للحذر والصواب.

قرار خاطئ
ليس لدى الجيش اللبناني الوسائل أو السلطة لمواجهة حزب الله بالقوة. كل ما يمكن أن يفعله هو الاستمرار في تقديم نفسه للمجتمع اللبناني كبديل موثوق للحزب. كما أن قيادته تدرك أن أي محاولة لمواجهة الحزب، والتي لم يتمكن الجيش الإسرائيلي بما يمتلك من قوة من القيام بها بنجاح، ستؤدي إلى انشقاق الجيش على أسس طائفية والعودة المحتملة للحرب الأهلية.

يعمل الجيش اللبناني، حسب المجلة، على أساس الإجماع السياسي، وليس لديه سلطة أو مجال مستقل للمناورة في بيئة لبنان المختلة. لذا فإن اختيار إدارة ترامب معاقبته على الرغم من أنه كان شريكاً لا تشوبه شائبة في الحرب ضد تنظيم داعش والقاعدة لهو أمر محير. كما يضع هذا الإجراء واشنطن في موقف أضعف بكثير في جهودها لإقناع قائد الجيش اللبناني، العماد جوزاف عون، بعدم قبول العروض الروسية الكبيرة لتقديم الدعم العسكري.

دعوة للتنبه
من جهتها، رأت مجلة “إنترناشيونال بوليسي دايجست” الأميركية، بأن صناع السياسة الأميركية ليسوا مخطئين في افتراضهم أن حزب الله يمثل تهديداً لمصالح واشنطن، لكن يجب على الولايات المتحدة أن تكون حريصة على ضمان ألا تؤدي عقوباتها إلى إلحاق المزيد من الضرر بالاقتصاد اللبناني المنكوب، وتغرق عامة الناس في المزيد من المشاكل المالية. فمثل هذه الخطوة يمكن أن تعزز من منطق الحزب المناهض للإمبريالية، وستحول الأحزاب السياسية اللبنانية الأخرى للتحالف مع شركاء أجانب بديلين.

يتمتع الاقتصاد اللبناني بدرجة عالية من الدولرة، ما يجعله أكثر عرضة للعقوبات الأميركية. بالتالي فإن سحب المساعدات وفرض عقوبات أشد، سيكون خطوة متهورة من غير المرجح أن تحقق أي أهداف للسياسة الأميركية في لبنان. قد تتعرقل قدرة الحزب على العمل داخل الحكومة اللبنانية، لكن من المرجح ألا تتأثر ميليشياته المسلحة بأي شكل من الأشكال. وبديهي القول أن أي ضرر إضافي للاقتصاد اللبناني من شأنه أن يحد من قدرة الحكومة الشرعية على توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية.

ستحد الكارثة المالية من التمويل المتاح للقوات المسلحة اللبنانية، وتعزز دور حزب الله كضامن أمني للشعب اللبناني، ما يزيد من إضعاف قدرة الحكومة المركزية. وبعيداً عن إضعاف الحزب، يمكن أن توفر العقوبات الواسعة النطاق لحزب الله فرصاً أكبر لتعزيز قبضته على لبنان وسط ثورة اجتماعية كبيرة.

التقارب من روسيا
من المحتم أن تسعى روسيا، كما ترى المجلة، إلى توسيع نطاق نفوذها ليشمل لبنان. إذ إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يتمتع بالفعل بمركز قوي نسبياً في سوريا مع وجود قواعد للقوات الجوية والبحرية. وفي الآونة الأخيرة، كثفت موسكو عروض التعاون العسكري وصادرات الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع بيروت. وحتى الآن، كان بعض صناع السياسة اللبنانيين يترددون في قبول عروض روسيا استرضاءً للأميركيين، لكن إذا ضغطت واشنطن بشدة من خلال فرض عقوبات، فقد تجد بيروت نفسها مضطرة لعقد تحالفات أخرى.

وتختم المجلة بالقول أنه من أجل تأمين بدائل مقنعة للحزب وإيران وروسيا، يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات من قواعد اللعبة الناعمة. وسيشمل ذلك تعزيز التجارة الثنائية، واستمرار المساعدات المالية، ودعم القوات المسلحة اللبنانية. كما على الولايات المتحدة أن تبذل خطوات، تجعل الشعب اللبناني ينظر إليها بأنها تبذل أكبر جهد ممكن لمنع ظهور المزيد من خطوط الصدع في السياسة اللبنانية، وأنها تجلب الرخاء، خصوصاً في المرحلة الحالية من عدم الاستقرار الاقتصادي.