الجمعة 19 رمضان 1445 ﻫ - 29 مارس 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

بيان وزاري مُكَهرَب: حكومة تجديد طاقة الفساد

طمأنَ المجتمع الدولي لبنان أنه جاهز دوماً لمساعدته مالياً، شرط تنفيذ إصلاحات حقيقية ومؤثرة في الاقتصاد، ومن ضمنها الإصلاحات المتعلقة بقطاع الكهرباء. والحاجة للإصلاح أتت بعد النتائج السلبية التي حققتها خطة وزير الطاقة الأسبق جبران باسيل، والتي سُمّيَت بورقة سياسة القطاع.

 

بالإضافة إلى ما أكملته الخطط المتفرعة عنها، والتي كان يبتدعها الوزراء المتعاقبون بعد باسيل (وهم من طاقمه)، للإيحاء بأنهم يطوّرون العمل لما فيه من مصلحة عامة. لكن لم يحصل اللبنانيون سوى على مزيد من التقنين وهدر المال العام.

تطمينات المجتمع الدولي قابلتها الحكومة الجديدة بوعود تحقيق الإصلاحات المطلوبة. كما وعدت الحكومة بمحاربة الفساد، وصبغت نفسها بلون مختلف عمّا كان سائداً، وأصرّت على حيادها واستقلالها عن القوى السياسية. لكن سرعان ما كشفت الحكومة عن لونها المطابق للحكومات السابقة، وأثبَتَت ذلك في بيانها الوزاري، وتحديداً في الجانب المتعلق بقطاع الكهرباء.

استنساخ لما سبق

تحاول الحكومة إقناع الشعب بأنها ليست مرآةً لما سبقها من حكومات، لكنها تُقرّ بالتطابق عبر تبنّي السياسات التي أوصلتنا إلى “أزمة مأساوية”، وهو توصيف أطلقته الحكومة في بيانها الوزاري. وبرغم تأكيدها أن مأساوية الأزمة “تستدعي منا مراجعة عميقة للأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة”، إلاّ أن الحكومة تمسّكت بالأسباب عينها، وكرّرت ما قيل سابقاً.

تذرّعت حكومة حسان دياب بأن الإتيان بما هو جديد، يستغرق عدة أشهر “وسوف يؤدي ذلك إلى التأخير في توفير الكهرباء وتحميل الخزينة الأعباء المالية المستمرة، والتي تصل إلى نحو ملياري دولار سنوياً، وهذا يفوق كلفة المحطات التي سننشئها”. لذلك، سحبت الحكومة خطط سابقاتها، ونسخَتها، فأكدت انها ستعتمد “تنفيذ الخطة التي أقرت بالإجماع في جلسة مجلس الوزراء قرار رقم 1 تاريخ 8-4-2019، وأكدت عليها الورقة الإصلاحية التي وافق عليها مجلس الوزراء السابق بموجب قرار 1 تاريخ 21-10-2019، بعد إقرار التعديلات والاجراءات المجدية والضرورية لتسريع تحقيق الأهداف التي سبق ذكرها. تلزيم مشروع استقدام الغاز الطبيعي عبر المنصات العائمة لتخزين وتغويز الغاز الطبيعي (FSRU). تعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان بمعايير شفافة. إحالة مشروع قانون يتم بموجبه تعديل القانون 462-2002 (تنظيم قطاع الكهرباء) وتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء. تخفيض سقف تحويلات الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان بشكل جذري، باتجاه إلغاء الدعم بالتوازي مع تنفيذ خطة الكهرباء. شراء المحروقات لمؤسسة كهرباء لبنان بأفضل الأسعار وأعلى المعايير الشفافة. تحسين الجباية ورفع التعرفة مع تحسّن التغذية، بشكل لا يطال الطبقات الفقيرة والمحدودة الدخل. تجديد ولاية هيئة إدارة قطاع البترول أو تعيين مجلس إدارة جديد لها”.

تكرار الفساد

الخطة التي يتحدث عنها البيان الوزاري هي تلك التي أطلقتها وزيرة الطاقة السابقة ندى بستاني، والتي كانت عبارة عن صفقة استفاد منها كلّ من التيار الوطني الحر والثنائي الشيعي، حركة أمل وحزب الله. ومع أن الخطة سقطت في تصويت مجلس النواب عليها، إلا أن رئيس المجلس نبيه برّي، أحياها من بين الأموات وقرّر أنها نجحت. أما الورقة الإصلاحية التي وضعتها الحكومة السابقة، فكانت محاولة للتذاكي على الشعب الذي ثار في 17 تشرين الأول 2019، ولم تحمل إصلاحات حقيقية. ومع ذلك، تبنّت حكومة دياب ما أُثبِتَ فشله وما رفضه الشعب سابقاً.

أما التأكيد على مشروع استقدام الغاز الطبيعي، فلم يقترن بسعي الحكومة الجديدة للتثبّت من دفاتر الشروط التي حصلت مناقصة المشروع وفقها. ولم تتعهّد الحكومة، وإن للاستئناس، بسماع رأي إدارة المناقصات التي استبعدتها الحكومات السابقة ووزارة الطاقة عن المناقصات المتعلقة بمشاريع الوزارة، لأسباب باتت واضحة.
تعيين مجلس الإدارة وتشكيل الهيئة الناظمة، خطوتان مُحرّمتان في شرع وزارة الطاقة في العهد العوني، ذلك أن التعيين والتشكيل يقيّد الوزير، الذي يبتدع المشاريع ويعطي لنفسه صلاحيات واسعة مخالفة للقوانين والأنظمة. فهل سيقبل طرفٌ ما بتعيين جهات تقيّده أو تراقب أعماله وقراراته؟
في البيان الوزاري إشارة لخفض التحويلات لمؤسسة الكهرباء. لكن هذا المطلب القديم، كان يرتبط دائماً بشرط الإصلاح الذي سرعان ما أكدت الحكومة الجديدة غيابه لدى الحكومات السابقة، وذلك عبر طرح شراء المحروقات بأفضل الأسعار وأعلى المعايير. وفيما لم تجرِ الإصلاحات بعد، لا يمكن وقف سلف الخزينة التي تُهدَر بشهادة الحكومة الجديدة.

الشعب سيدفع الثمن؟

تقول الحكومة أن بيانها الوزاري “يرتكز على برنامج عمل يتضمّن خطة طوارىء إنقاذية وسلة إصلاحات”، لكن التجربة تُثبت بُعد ما تتبناه الحكومة عن الإنقاذ والإصلاحات. ما يعني اتجاه الأزمة المأساوية نحو التفاقم. وما يثير السخرية، هو أن الحكومة قالت: “مُخطىء من يعتقد أنه سينجو من أي انهيار اقتصادي ومن غضب الناس”.

إنها حكومة الانفصام وكهربة الأوضاع وتجديد الفساد، والشعب وحده سيدفع الثمن كما فعل مع الحكومات السابقة التي تديرها أحزاب السلطة، التي تدير الحكومة الحالية. فعن أي شراء للمحروقات تتحدث الحكومة الحالية، ومن أين ستؤمّن الدولارات اللازمة؟ من سيخبرنا مسار التفاوض في ملف معمل دير عمار؟
أي تحسين للجباية تريده الحكومة في ظل جباية حالية تستند إلى فواتير تعود للعام 2018؟ ناهيك عن استمرار التعديات، الذي لا يعني نزعها انطلاق عملية تحسين الجباية، وذلك بسبب تفاوت تاريخ إزالة التعديات مع تاريخ إصدار الفواتير. فضلاً عن عدم تركيب العدادات الذكية التي صدّع العونيون رؤوسنا بأهميتها لتحسين وضع الكهرباء عموماً. أما البواخر، فحدّث بلا حرج عن متاهاتها التي لم تقترب منها الحكومة الجديدة.

في المحصلة، ما تبتدعه حكومة دياب، هو كابتداع بستاني خطة مستنسخة عن خطة باسيل. ما يعني أن الناس ستزيد اعتمادها على المولدات الخاصة، وبكلفة أعلى، تحت ضغط شراء المازوت بالدولار الشحيح. أي أن الحكومة سترفع كلفة الكهرباء على الناس، وليس تخفيضها.