السبت 11 شوال 1445 ﻫ - 20 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

جردة حساب طرابلس الإعلامية: صورة واحدة ومراسلون مذهولون

صورة جديدة أخرجتها مدينة طرابلس منذ بدء الثورة الاحتجاجية في لبنان، رسمت ملامح المدينة وأخرجتها من صورة نمطية وضعها الاعلام فيها طوال الحقبة الماضية. فاللقب الذي كسبته، وهو “عروس الثورة”، جاء من صورة واحدة، صنعتها الثورة الشعبية، وتحوّلت عاصمة الشمال إلى رمز الجمال وإرادة التغيير.
هذا الإنقلاب في النظرة والتعاطي الإعلامي، ساهم فيه عدد كبير من الفاعلين على الأرض الذين أدركوا أهمية الصورة في عصر المعلومات.

الدرونز وفن الوحدة
لم ينتظر عمر العمادي كثيرًا ليكتسب لقب “مصوّر الثورة”، فهو منذ اللحظات الأولى للحراك وضع خبراته الفنية و”الدرون” الخاصة به في خدمة التغيير، سواء على صعيد طريقة تغطية الأحداث أو في تقديم صورة حقيقية جميلة عن عاصمة الشمال.

إندفع عمر وعدد كبير من الناشطين إلى الساحة، للتعبير عن أوجاع الناس ولكل منهم قضية وقصة يريد إبرازها. أما قضية إبن طرابلس فكانت أن يكون جندياً في خدمة مدينته، لذلك لم يهتم لسرقة صُوره أو إستخدامها حتى من دون إستئذانه.

يقول عمر العمادي لـ”المدن” أنه كان أول من إستخدم كاميرا الدرون في تغطية ثورة 17 أكتوبر، وساهم ذلك في إبراز حجم التجمعات الشعبية الهائلة وغير المسبوقة، كما أدى إلى تقديم صورة حقيقية لطرابلس بعيدًا من الأفكار النمطية التي شوهتها وصورتها على أنها قندهار. وشجع المزيد من الهواة للنزول إلى “ساحة النور” للتنافس الخلّاق وتقديم الصورة الحلوة.

ركز عمر على تصوير الحشود التي قاربت المئة ألف شخص ملأوا الساحة وتمدّدوا إلى الشوارع الفردية، وأرشَف إندفاعة العائلات إلى الطرقات بشيبها وشبابها للتعبير عن حبهم للبنان الواحد. وكان عمر يستعجل لينشر الصور في صفحته، وما لبثت هذه الصور المبهجة والجامعة أن تناقلتها وكالات الأنباء العالمية إلى جانب وسائل الإعلام المختلفة.

يجزم العمادي أنه رفض تقاضي أي بدل مادي لقاء الصور والفيديوهات التي نُشرت، فالغاية ليست تحقيق عوائد مالية وإنما خدمة مدينته وتقديم الصورة الحضارية والصور الجميلة لطرابلس بالإضافة الى التحسينات التي طاولت “ساحة النور”. ويؤكد العمادي أنه كان ينشر في النهار حوالى 10 بوستات، ولولا وجود شيء جميل ومؤثر لما كانت إستُخدمت. كما يلفت الى أنه لم يستخدم أي تقنية لتعديل الصور، وإنما كان ينشرها على الفور ويزوّد الوكالات العالمية بها، وهي تستمر بطلب ذلك منه لأنها باتت تثق فيه.

الحدث الجذاب
إلى جانب سعي المصورين لتقديم صورة جذابة عن مدينة طرابلس، فإن التغطية المباشرة للقنوات المحلية والعالمية أبرزت مكانتها في الثورة. ولاحظ الكثيرون تركيز وسائل الإعلام كاميراتها ومراسليها على منصة مرتفعة، وتطل على الساحة. البعض إنطلق من هذه الواقعة للتساؤل عن السبب وللتشكيك في الأسباب الكامنة وراء ذلك.
ويُجمع المراسلون المتواجدون في طرابلس على عدم وجود أي هدف مسبق من وراء ذلك. يشرح عمر السيد، مراسل “ال بي سي” في طرابلس، الأمر من الناحية التقنية، ويعتبر أن هناك فرقاً في الكادر بين الأماكن المرتفعة وتلك القريبة من الأرض. ففي البداية، حاول فريق “أل بي سي” تثبيت منصة منخفضة إلا أن الكادر كان محدوداً، كما أن إرتفاع أعداد الناس عرقل حركة المصورين، وإستقر الأمر على إختيار الكادر من الأعلى للحصول على صورة عامة للساحة، لافتًا إلى أنه في النهار تتجول مراسلة “ال بي سي” بين الناس وتستصرحهم بكل حرية.

يتفق مراسل “الجديد” نعيم برجاوي مع كلام السيد، ويقول ان تغطية “الجديد” تعتمد على كاميرتين ثابتتين على المنصة، وكاميرا درون لإلتقاط صور الساحة بمجملها. ويعتبر أن هناك تعذراً لأن تكون الكاميرا على الأرض بين عشرات الألوف من الناس، تحديدًا بين حشد لديهم الكثير من المعاناة.

أجندة التغطية

يؤكد نعيم برجاوي أن أحدًا لم يفرض قيوداً على حركة المراسلين أو يضع لهم أجندة، وينطلق من تجربته ليقول انه خلال 7 أيام من التغطية أجرى أكثر من 200 مقابلة مع عامة الناس ومن مختلف الشرائح المتواجدة في الساحة. وتطرقت الناس فيها الى المطالب الأساسية للتظاهرات، وكذلك لهمومهم العامة، ومعاناتهم الخاصة كقضية الأساتذة المتعاقدين وقضية العفو العام ومشاكل البيئة والحرمان الذي تعيشه طرابلس، كما جال على خيم المبادرات الإيجابية الفنية، والحوارية والتثقيفية من دون إستثناء. ويختصر برجاوي القاعدة الذهبية للتغطية: “على الصحافي أن يحترم رأي الجمهور وألا يمارس أي توجيه لهم، وفي المقابل على الجمهور أن يحترم قواعد العمل الصحافي”.

أقرب إلى الناس
مع تقدم الأيام، تمكنت راشيل كرم من ترسيخ المصالحة بين قناة “الجديد” والطرابلسيين، كما بات يهتف بإسمها المحتشدون في الساحة. كما حظي مراسل “أم تي في”، آلان ضرغام، بالكثير من الإهتمام الى درجة توجيهه تحية لأهل طرابلس على حُسن ضيافتهم، وهي صور لم تكن تعكسها وسائل الإعلام التقليدية. أما مراسلة “ال بي سي”، هدى شديد، فأكملت مسيرة كانت قد بدأتها منذ سنوات عندما كانت تجول في الأحياء الداخلية والشعبية لإعداد تقارير تظهر معاناة ووجع الناس.

الإعلام العالمي في المقدمة

يتواجد في طرابلس عدد كبير من مراسلي القنوات الدولية، وفيما تحفظ بعض المراسلين عن الحديث بسبب سياسة قنواتهم التي تفرض موافقة مسبقة، يؤكد مراسل TRT، وائل حجار، أن الحدث اللبناني غير المسبوق هو الذي فرض التغطية لأن موقع لبنان إستراتيجي مؤثر في صراعات المنطقة. ويشير الى أن طرابلس فرضت نفسها على القنوات الإخبارية لأنها أذهلت الجميع بسبب الحشود والإستمرارية، جازمًا بأن قناته ليست لديها اي أجندة في لبنان سوى متابعة الحدث.
من جهته يتحدث مراسل “الحرة”، ويليام عزام، عن تحوّل طرابلس إلى محطة رئيسية في كافة النشرات، ويدعو إلى الإبتعاد عن الحديث عن الأجندات لصالح قواعد العمل الإعلامي، ففي التلفزيون الصورة والمشهدية هي ما تشد الإعلام وتختصر رأي الناس، مذكرًا بأن شوارع الساحة في طرابلس والطرق الفرعية كانت ممتلئة وسبّاقة للحشد لذلك فرضت نفسها على التغطية.

ويُقر عزام بأن طرابلس فاجأت للجميع لأنها كانت موسومة بالتطرف والمشاكل والتهميش والبطالة، إلا أنها ما لبثت أن قدمت مشهداً جامعاً عابراً للطوائف والمناطق. كما يوضح أن تركيز المنتج الإعلامي على الرسائل المباشرة على حساب التقارير يأتي من أن العمل حاليًا يفترض السرعة ومواكبة التطورات الآنية.