الثلاثاء 7 شوال 1445 ﻫ - 16 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

طمر الفساد وتدويره: المحافظ نهرا يتآمر على بلدية طرابلس

رائحة الصفقات والمؤامرات لم تفحّ يوم الثلاثاء من الملف الحكومي وحسب، وإنّما كانت طاغيةً على عاصمة الشمال، بعد أن أنتجت عملية “التآمر” بين محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا ورؤساء بلديات الميناء والقلمون والبداوي، انتخاب رئيس بلدية الميناء عبدالقادر علم الدين رئيسًا لاتحاد بلديات الفيحاء، بدلًا من رئيس بلدية طرابلس رياض يمق.

كسر العرف
منذ أيام الرئيس الراحل رشيد كرامي، كان العرف السائد بأن تتولى طرابلس رئاسة الاتحاد، والميناء نيابته، لا سيما أن أغلب منشآت ومراكز اتحاد بلديات الفيحاء موجودة في طرابلس. وبلدية طرابلس تساهم بنسبة 80 بالمئة من ميزانية الاتحاد. وطرابلس هي العاصمة الثانية. وتعتبر البلدية الممتازة الثانية في لبنان بعد بيروت. وهي تضم 24 عضوًا.

قبل نحو أربعة أشهر، سحبت بلدية طرابلس ثقتها من الرئيس السابق أحمد قمر الدين، ونجح الأعضاء في خوض معركة شرسة انتخبوا فيها رئيسًا جديدًا يمثلهم، وهو رياض يمق، لطيّ صفحة الفساد التي كانت تستشري في البلدية والاتحاد. واسقاط أحمد قمرالدين، تلاه تلقائيًا اسقاطه من رئاسة الاتحاد، الذي تتغلغل فيه ملفات الفساد، وتحديدًا في إدارة ملف النفايات وما يحيطه. وخلال هذه الأشهر، كان من المفترض أن يدعو نهرا لجلسة فورية من أجل انتخاب يمق رئيسًا للاتحاد، لكن المماطلة استمرت لثلاث جلسات، إلى أن تم تدبير مسار الأمور يوم الثلاثاء 3 كانون الأول لانتخاب عبد القادر علم الدين بطريقة “مشبوهة”.

مقايضة
هذه النتيجة، التي يتسلح بها علم الدين ونهرا مع رئيسي بلديتي القلمون والبداوي على أنها “قانونية”، خالفت العرف القائم، ليس تنفيذًا للقانون، وإنما تكريسًا للفساد المستشري وحمايةً لرموزه! ويمق الذي لا يمثل أحدًا من تيارات السلطة، تفاجأ بترشح علم الدين بوجهه من دون علمه مسبقًا، فانسحب من الجلسة، ثم استكملها المحافظ نهرا لانتخاب علم الدين بثلاثة أصوات، صوته مع رئيسي البداوي حسن غمراوي والقلمون طلال دنكر. ثم صوّتوا لغمراوي نائبًا للرئيس.

وحسب معلومات خاصة لـ”المدن”، فإنّ اتفاقًا ضمنيًا أخذ طابع “المؤامرة”، اتفق عليه نهرا مع رؤساء بلديات الفيحاء، بإبعاد يمق عن رئاسة الاتحاد، وانتخاب علم الدين، لا سيما أنّ يمق لن يكون غطاءً لأيّ ملف تفوح منه روائح الفساد. وهذا الاتفاق كان على شكل “مقايضة”، بأن يكون علم الدين رئيسًا للاتحاد ويمرر كلّ “ما يريده” المحافظ، مقابل أن يستمر الأخير في تغطية علم الدين!

فساد علني وقرار قضائي
وللتذكير، فإنّ علم الدين صدر بحقّه، في شباط 2018 قرارًا موقعًا باسم النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، وأعطى فيه الموافقة على ملاحقة علم الدين بجرم اختلاس أموال عمومية في بلدية الميناء (راجع المدن)، لكنّ المحافظ نهرا، كما جرت عادته، وضع قرار القاضي ابراهيم في جاروره، ولم يعطِ إذنًا بملاحقة علم الدين، حتّى يستمر في عملية ابتزازه وإبقائه تحت سيطرته. وهذا المحافظ، الذي يمثل السلطة بكلّ مقومات فسادها، ولا يتوقف عن تجاوز القانون وحتّى الأخلاق في حقّ أهالي طرابلس والشمال، يبدو واضحًا أنّه قرر الاستمراربوضع يده على اتحاد الفيحاء، وتكريس سلطته “الفاسدة” في إدارة الملفات، تحت غطاء تمثيل شكلي لعلم الدين.

واللعبة التي تبدو واضحةً، أثارت غضبًا عارمًا في طرابلس، فتوجهت تظاهرت تضامنية مع يمق نحو بلدية طرابلس، لا سيما بعد أن قرر المجلس إثر اجتماع أعضائه مع يمق مساء الثلاثاء الانسحاب من عضوية اتحاد بلديات الفيحاء. لم يتلقَ الطرابلسيون هذه النتيجة إلا بوصفها مؤامرة كبرى على خياراتهم في الثورة التي قامت ضدّ الفساد والمفسدين، وقد تضامن معهم حتى شريحة واسعة من أبناء الميناء وأعضاء بلديتها، الذين رفضوا رفضًا قاطعًا انتخاب علم الدين رئيسًا للاتحاد، لأنهم يدركون ويعرفون حجم فساده.

يمق: انسحاب طرابلس من الاتحاد
عدد من القوى السياسية في طرابلس، رفضت هذه النتيجة المخالفة للعرف القائم، لأن بلدية طرابلس الممول الرئيسي وشبه الوحيد لصندوق الاتحاد.. مطالبين باعادة جلسة الانتخاب، والذهاب فورا لتطبيق العرف عبر انتخاب يمق رئيسًا للاتحاد، وعدم حرمان طرابلس من حقها في رئاسته.

من جهته، يقول يمق لـ”المدن”، أنّ بلدية طرابلس اتخذت في جلسةٍ استثنائية قرارًا بالانسحاب من الاتحاد، “لا سيما بعد التحذيرات التي وجهتها واتخذت قرارًا بتجميد المساعدات والمساهمات المعطاة للاتحاد”. فـ “طربلس تمثل 80 في المئة من ميزانية الاتحاد، ومن العدد السكاني والمساحة، ولن نقبل بأيّ عملية اقصاء بهذه الطريقة المشبوهة، لا سيما أنه لم يتم إبلاغي مسبقًا بقرار انتخاب علم الدين، وموقفنا ليس ضدّ أهالي مدن الفيحاء، وإنما ضدّ الاستمرار في ممارسة الفساد تحت غطاء القانون”.

قانونيًا، يحتاج قرار بلدية طرابلس بالانسحاب من الاتحاد إلى موافقة وزارة الداخلية، ومن ثمّ مصادقة مجلس الوزراء، قبل الموافقة الرسمية عليه، ليصبح معمولًا به. ويذكر يمق أنّ الاتحاد الأوروبي قبل يومين، وفي جلسة علنية، تحدث عن الفساد القائم في اتحاد الفيحاء منذ سنتين، عبر شركة فرز النفايات التي تقوم بأعمال غير مطابقة للمواصفات، ولا تراعي القوانين والمتطلبات وشروط الاتحاد الأوروبي. وفيما يؤكد أحد أعضاء بلديات الميناء الرفض المطلق لانتخاب علم الدين رئيسًا للاتحاد، يتساءل مستنكرًا: كيف ينتخبون علم الدين المتهم بالفساد المباشر ومطلوب قضائيًا؟ وهل سعى القاضي نهرا لهذه النتيجة حماية لـ “الفساد”؟