الجمعة 10 شوال 1445 ﻫ - 19 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

هل ينفجر الشارع بعد إقرار البيان الوزاري؟

يقف لبنان أمام مفارقةٍ «سوريالية» جديدة تضاف إلى الفصول «المثيرة للدهشة» التي تَتَوالى منذ انكشافِ النتائج الكارثية لـ«الانحراف» المالي المتمادي على الصعد المصرفية والنقدية والاقتصادية والمعيشية والذي يشكّل امتداداً في بعض جوانبه لمسارٍ من «الانجراف» السياسي مع خياراتٍ اقتيدتْ إليها البلاد بقوّة «الأمر الواقع» و… وهْجه.

 

فرئيس الحكومة الجديدة حسان دياب مرشّحٌ لأن يقف وعلى الأرجح في اليوم نفسه (أو قبله بيوم) الذي اعتلى فيه سَلَفه زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري المنصة في مقرّ البرلمان بمستهلّ جلسات الثقة بـ«حكومة إلى العمل» في 12 فبراير 2019، أي بعد سنة بالتمام والكمال ليَطْلب الثقة لتشكيلةٍ كان يفترض أن تكون «النقيضَ» للحكومة «الراحلة» التي استقال رئيسها في 29 تشرين الأول الماضي تحت ضغط «ثورة 17 أكتوبر».

ولن يكون «الزمن» وحده الذي سيعيد نفسه في «مناسبة الثقة»، ذلك أن «القالب السياسي» للبيان الوزاري الذي سُرب بالكامل (الأحد) وخضع أمس لعملية «شدشدة» و«تحجيم»  في الطريق لإقراره النهائي في مجلس الوزراء غداً أو الخميس، هو نفسه الذي «انتظمت» تحته الحكومة السابقة لدرجة أن كل المقاطع ذات الصلة بإشكالية وضعية «حزب الله» وسلاحه وانخراطه في ساحات عدة إلى جانب ملف النازحين والعلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة واتفاق الطائف «استُنسخت» من «بيان 2019» بالحرف والفاصلة.

ورغم اعتبار أوساط أن بقاء «حكومة حزب الله»، كما يسمّيها كثيرون بعدما كانت له اليد الطليقة في استيلادها مع شريكه المسيحي «التيار الوطني الحر»، في الشقّ السياسي من البيان عند سقف حكومة الحريري يشكّل في ذاته تطوراً إيجابياً ويعكس مرونة من الحزب حيال ضرورة الحفاظ على بعض «الضوابط» في الإطلالة على الخارج، فإن أوساطاً أخرى رأت على العكس أنه كان مطلوباً من «حكومة اللون الواحد» أن تُطْلِق إشاراتٍ طمْأنةٍ أقوى للمجتمعين العربي والدولي بإزاء «تموْضعها السياسي» الذي وُضع تحت مراقبةٍ لصيقة بالتوازي مع مسار الإصلاحات القطاعيىة والهيكلية والبنوية، وكلاهما يشكّلان طرفيْ «حبل النجاة» الذي يتطلّع إليه لبنان للخروج من الحفرة المالية.

ولاحظتْ هذه الأوساط أنه في مسودّة البيا، وفي موازاة عبارة «ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية» المنسوخة من بيان حكومة الحريري، فإن النأي بالنفس الذي يشدّد عليه المجتمع الدولي لم يرِد إلا في فقرة «مُكَرَّرة» أيضاً حول «الإصرار على اعتماد الحوار (بين اللبنانيين) سبيلاً لحل الخلافات والنأي بالنفس عن السياسات التي تُخل بعلاقاتنا العربية»، فيما أُسقطت عبارة كانت وردتْ في مقطع منفصل في بيان 2019 وتضمّنتْ حينها «تأكيد الحكومة على التزامها مضمون البيان الذي اقرّته الحكومة السابقة بكل مكوّناتها في جلستها المنعقدة في 5 /‏‏12 /‏‏2017 حول النأي بالنفس» في إشارة إلى ما يشبه «البروتوكول السياسي» الذي عاد على أساسه زعيم «المستقبل» عن استقالته الشهيرة التي شكّلت أدوار «حزب الله» في ساحات المنطقة أبرز خلفياتها.

وفي موازاة الجانب السياسي من البيان، فإنّ الأبوابَ المالية – الاقتصادية لم تحمل وفق الأوساط نفسها مؤشراتٍ إلى أن الحكومة الجديدة تلمّستْ بوضوح طريق الإنقاذ الشائك والذي يُسابِق ازدياد «عوارض» الأزمة سواء في شقّها المصرفي مع تشديد إضافي بدأ أمس للقيود على السحوبات بالدولار (خُفّضت بنحو 50 في المئة إذ باتت محصورة في أكثر من مصرف بمرّتين أسبوعياً)، أو في جانبها المتعلّق بالانفلات الجنوني لأسعار السلع ربْطاً بارتفاع سعر صرف الدولار، وليس انتهاءً باقتراب موعد الحسم إزاء كيفية التعاطي مع الدين ‏العام (إعادة هيكلة أو جدولة أو غيرها) انطلاقاً من بدء العد التنازلي لسداد استحقاقات ‏سندات يوروبوند في مارس المقبل.

ورغم «الجدول الزمني» النظري بين 100 يوم و3 سنوات الذي حددّه البيان لتحقيق الأهداف المتوخاة تحت سقف خطة الإنقاذ التي تتضمن «خطوات مصيرية وأدوات علاج ستكون مؤلمة»، فإن الأوساط لاحظتْ أن هذه الخطة تناولتْ تعهدات مثل خفْض معدلات الفائدة وإعادة رسْملة المصارف والتواصل مع المؤسسات والجهات المانحة لتأمين الحاجات الملحة والقروض الميسرة وتغطية الحاجات التمويلية للخزينة، وحتى مكافحة التهريب وإعادة هيكلة القطاع العام، ولكن من ضمن عناوين على طريق «من كل وادي عصا» وليس وفق خطة محدَّدة نتائجها الرقمية زمنياً،

مع ملاحظتها إغفال كيفية توفير السيولة المطلوبة بالدولار أي «سدّ الفجوة المالية» الكبيرة التي تبقى المدخل لتفكيك المأزق الحالي. علماً أن هذه الفجوة شكلت محور كلام نُقل عن مساعد وزير ‏الخارجية لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شينكر حول «ان ‏الاقتصاد اللبناني في وضع أسوأ مما يظن البعض، حيث نعتقد أنّ الاحتياطات الأجنبية (العملات) أقل بكثير مما تمّ ‏الإبلاغ عنه علناً‎».

وفيما كانت الأوساط تتوقف عند تأكيد البيان أنه سينطلق في معالجة ملف الكهرباء من حيث انتهت الحكومة السابقة وخطّتها المرتكزة على رؤية «التيار الحر»، ولا سيما تعيين الهيئة الناظمة للقطاع (تُعتبر مفتاح تسييل مخصصات مؤتمر سيدر) بعد تعديل القانون 462 (تنظم القطاع الصادر في 2002)، اعتبرت أن مهلة الثلاث سنوات للجدول الزمني عكستْ ضمناً تسليماً بأن الحكومة باقية حتى انتهاء ولاية عون، وأن عنوان قانون الانتخاب الجديد الذي ورد في نهاية البيان ما هو إلا في إطار «إغراء» الانتفاضة الداعية لانتخاباتٍ مبكرة والتي اعتُبر أيضاً التسريب غير المسبوق لكامل البيان قبل إقراره في مجلس الوزراء في إطار عمليةٍ لـ «قياس الصدمة» التي سيُحدثها على الأرض وحتى محاولة امتصاص الرفض الكبير المعلن له انطلاقاً من الـ«لا ثقة» بالحكومة وهو ما يفترض أن يتم التعبير عنه بقوة ميدانياً خلال جلسات الثقة.