شهدت العلاقات اللبنانية الايرانية هزّة قوية في خضم الحرب الدائرة بين حزب الله وإسرائيل، بعد اكثر من واقعة، كانت بداياتها بالزياره التي قام بها وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي بداية الشهر الماضي إلى لبنان، فور صدور البيان الثلاثي الصادر عن لقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووليد جنبلاط، والذي تضمن التشديد على وقف اطلاق النار فوراً، وتأييد تنفيذ القرار الدولي رقم١٧٠١ ونشر الجيش اللبناني في الجنوب، وانتخاب رئيس وفاقي للجمهورية بأسرع ما يمكن، بهدف الالتفاف على البيان المذكور، ومنع تنفيذه، لانه يتعارض مع موقف طهران بفصل وقف الحرب على لبنان، بمعزل عن انتهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، وهو ما ظهر جلياُ في اللقاء المتوتر بين عراقجي وميقاتي الذي رفض الموقف الايراني هذا، مشدداً على استقلالية الموقف اللبناني الذي يتماشى مع مصلحة لبنان العليا.
بعد أيام معدودة على زيارة عراقجي، وصل رئيس البرلمان الايراني محمد باقر قاليباف إلى بيروت، تحت عنوان دعم الشعب اللبناني والمقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي على لبنان، مالبث ان تسبب اعلان قاليباف عن استعداد ايران للتفاوض مع فرنسا، للمساعدة في تنفيذ القرار الدولي رقم ١٧٠١، بردة فعل قوية من ميقاتي، الذي ابدى استيائه من كلام رئيس مجلس النواب الايراني، واعتبره بمثابة تدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية، ودعا في موقف آخر المسؤولين الإيرانيين الى تخفيف الحديث عن لبنان وشؤونه في مواقفهم.
ولماذا بلغ السجال الرسمي اللبناني الايراني من التصعيد في هذا الظرف بالذات؟
لا يخفى ان قرار ايران الواضح في دفع حزب الله لوضع لبنان بمفرده بالمواجهة العسكرية مع إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى، بمعزل عن موافقة الدولة اللبنانية والشعب اللبناني باكثريته، والتدخل الايراني المفضوح من وزير الخارجية الايراني السابق عبد اللهيان، الذي زار لبنان أكثر من مرة، لهذه الغاية العام الماضي، وما تسبب به هذا التدخل الفاضح من حرب إسرائيلية واسعة النطاق ومدمرة ضد لبنان وشعبه، كان السبب الرئيسي وراء تردي العلاقات بين البلدين، وإصرار النظام الإيراني ربط مصير الحرب على لبنان، بمصير حرب غزّة، متجاوزا الدولة اللبنانية، وضاربا عرض الحائط بموقف لبنان، وسيادته واستقلاله، وكأنه موكل بأمره ومصيره، بلا حسيب او رقيب، خدمة لمصالحه وصفقاته مع الولايات المتحدة الأميركية والغرب عموما.
وهذا التصعيد الكلامي بين لبنان وايران على هذا النحو، والتصدي اللبناني للمواقف الايرانية لاول مرة، لاقى تاييداً سياسياُ من اطراف المعارضة والوسط السياسي عموما، في حين لم يلاقِ اعتراضاً ظاهراً من الصامتين وحتى بعض المؤيدين لايران، والسبب في ذلك يعود إلى الاستياء من سياسة الصمت الايرانية، إزاء توسع الحرب الإسرائيلية ضد حزب الله واغتيال مجموعة من قادته البارزين وفي مقدمتهم الامين العام للحزب حسن نصرالله، وارتكاب إسرائيل لمجزرة «البيجرز»، وغيرها، وعدم قيام ايران بمايلزم لمنع مالحق بالحزب من ضربات موجعة.
وتداعيات الحرب الدائرة بين حزب الله وإسرائيل، وامعان ايران في استباحة حدود لبنان، وتجاوز السيادة اللبنانية، بدخول وخروج ضباط الحرس الثوري الايراني، خارج المعابر الشرعية والقانونية، وبينهم ضباط كبار قتلوا بالغارات الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت، وارسال الاسلحة للحزب عبرها،تركت ندوباً واضحة في العلاقات اللبنانية الايرانية، تزيدها التصريحات والمواقف التي لم ينفك عن اطلاقها المسؤولون الإيرانيون، واخرها ما صدر عن قائد الحرس الثوري الايراني حسين سلامي، عن جنوب لبنان والمقاومة، ما يزيد في التباعد الرسمي اللبناني الايراني، والذي يؤشر بوضوح إلى منحى تصعيدي لهذه العلاقات مستقبلا، إذا لم يتم وضع حدٍ لاستباحة سيادة لبنان، واحترام سيادته، ووقف كل ممارسات تجاوز القوانين اللبنانية، واخيراُ الامتناع عن استعمال لبنان ساحة لايران لتحقيق مصالحها الاقليمية والدولية على حساب لبنان. وهذا بالطبع يتوقف في جانب اساسي منه على وضعية حزب الله وسلوكياته بعد انتهاء الحرب بينه وبين إسرائيل.