تماماً كالسنوات الماضية، يعيش طلاب المدرسة الرسمية بقلق وخوف على مصيرهم الدراسي مع عدم توفر مقعد دراسي مناسب لهم بسبب غياب التخطيط للعام الدراسي الجديد من قبل المعنيين. فما هو مصير الطلاب؟ وهل سيتكرر مشهد العام الماضي؟
كان قد أجّل وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي بداية العام الدراسي في المدارس والثانويات الرسمية من بداية شهر أيلول إلى الخامس والعشرين منه بالنسبة للأعمال التحضيرية. على أن يبدأ التّعليم في 9 تشرين الأوّل. ولم يُخف وزير التربية عباس الحلبي «مخاطر عدم التمكن من فتح أبواب المدارس الرسمية أمام الطلاب هذا العام، أقله في المواعيد المحددة، وأكد أن التعليم الرسمي بات في دائرة الخطر الشديد».
نقص في المستلزمات والتجهيزات والمتطلبات
إن موضوع العام الدراسي الرسمي، وتوفير مستلزماته ومتطلباته وعدد طلابه والتخطيط لإطلاقه، كلها أسئلة تطرح حالياً وتضع مصير عشرات آلاف الطلاب على المحك. ويقول النقابي محمد قاسم: «بعدما حدد وزير التربية موعد انطلاق العام الدراسي والتسجيل، تم تمديد مهلة التسجيل لوجود نقص كبير في الالتحاق بالمدارس والثانويات الرسمية. إضافة إلى الإرباك الحاصل داخل التعليم الرسمي نتيجة النقص الحاصل في الموازنات والمستلزمات والتجهيزات ومتطلبات اطلاق العام الدراسي ومسيرته، إن من ناحية الصيانة والادوات التربوية وكل مستلزمات العملية التعلمية، فهي غير متوفرة حتى اليوم، لأن صناديق المدارس فارغة حتى ولو رفعت الاقساط المدرسية بالشكل التي رفعت فيه. وهناك ملاحظات على ذلك الرفع. ورغم ذلك فهي غير مؤهلة لتوفير هذه المتطلبات. وكذلك لم تكن هناك خطة مدروسة ومتكاملة خلال فصل الصيف لاستدراك النقص الحاصل وكيفية جذب الطلاب للمدرسة الرسمية وكيفية معالجة مشكلة الهيئة التعليمية والاضرابات، وبنفس الوقت كيفية صرف الـ5 آلاف مليار ليرة، فهل هي ستخصص للحوافز ولبدل النقل للهيئة التعليمية؟ وكيف ستدفع؟ وهل هناك استقرار في العملية التعليمية؟
إلى الإضرابات مجدداً
وأكد ان الهيئة التعليمية قد تلجأ إلى الاضرابات نتيجة عدم الإلتزام بالوعود والتعهدات التي قطعت، لأن المؤشرات كلها تدل على أن هناك تململاً كبيراً في أوساط المعلمين. والى جانب ذلك هناك عدد لا يستهان به عاجز عن الالتحاق بالمدارس والثانويات نتيجة بعدهم عن المدرسة وعدم قدرتهم على توفير بدل النقل الذي يسمح لهم بالوصول إلى مراكز عملهم. فاحتمال الاضراب قائم وبنفس الوقت احتمال أن يسعى وزير التربية لتأمين وتوفير المال الكافي لمنع حصول هذا الاضراب مرهون بموقف الوزير والحكومة أيضاً.
من الرسمي إلى الخاص… وظاهرة التسرّب المدرسي
ويشير قاسم أن «هذه المسألة تتعلق بالتعليم الرسمي بشكل عام، وامكانية تجنب هذا الكأس المرّ الذي يشكل خطراً عليه، لأن هناك تراجعاً ملحوظاً في اعداد الطلاب في التعليم الرسمي، الامر الذي يتطلب استدراك وضرورة وضع خطة طوارئ. فالأزمة التي يمر بها لبنان والتي جعلت أغلبية الشعب اللبناني ما دون خط الفقر نتيجة تراجع قيمة النقد الوطني وعدم توفر فرص العمل وتجميد الأموال في المصارف وتهريبها إلى الخارج، ما ادى إلى زيادة معاناة الأهالي وضرورة لجوئهم إلى المدرسة الرسمية لتعليم ابنائهم والتي من المفترض أن تكون متوفرة لجميع اللبنانيين. ولكن الحركة معاكسة، وبسبب اهمال هذا القطاع من قبل الدولة وعدم رصد الاعتمادات لإستنهاضه، فتراجع الطلب على التعليم الرسمي وزاد التوجه نحو التعليم الخاص. وهناك عدد كبير من أهالي الطلاب فضل عدم المخاطرة بالعام الدراسي لأبنائهم، وقاموا بتسجيلهم في المدارس الخاصة على الرغم من الضائقة المالية وتراجع قدرتهم الشرائية. وإلى جانب النزوح من الرسمي إلى الخاص، هناك تفشي ظاهرة التسرّب من التعليم، حيث تدل بعض المعطيات أنه لم يرتفع عدد الطلاب في المدارس الخاصة بنفس نسبة تراجع أعداد الطلاب في المدارس الرسمية».
موازنة وزارة التربية هي الأدنى تاريخياً
وفي حين، تخصص الدول المتقدمة أكبر نسبة من انفاقها العام على التعليم لأنها مدركة تماماً مدى أهمية هذا القطاع على المدى البعيد وعلى جميع الأصعدة، نرى هذه النسبة تتراجع في لبنان. ويشير قاسم إلى «تراجع موازنة وزارة التربية إلى حوالى 4 بالمئة بعدما كانت تقدر بـ22 في المئة في السبعينات و11 في المئة بين 2000 و2015. الأمر الذي يشكل خطراً على مستقبل التعليم في لبنان بالرغم من وجود بعض المساعدات والأموال التي يمكن أن تحصل عليها وزارة التربية. كما أن الأبنية المدرسية بمعظمها استهلكت بدوام بعد الظهر (دوام تعليم السوريين)، فمن 10 سنوات الى اليوم وهي تستخدم من دون توفير أي متطلبات لإعادة تأهيلها، ولا أحد من الهيئات المانحة التي كانت توفر الأموال لتعليم السوريين ساهمت في اعادة تأهيل وترميم هذه الأبنية. بالإضافة إلى غياب تطوع المدارس الخاصة لإستقبال السوريين بدوام بعد الظهر والتخفيف عن كاهل المدارس الرسمية. وهنا يمكننا القول أن هناك رغبة من بعض الاطراف الدولية، لا بل ضغطاً لدمج الطلاب السوريين مع اللبنانيين وتعليمهم في فترة قبل الظهر، ولكن كان موقف وزارة التربية تجاه هذا الموضوع الرفض. وذلك ليس من منطق العنصرية أو التمييز، ولكن من عنصر الواقع التعليمي، فالتعليم اللبناني له خصوصية تحديداً في موضوع اللغات. والخلاصة هنا أن المدارس الرسمية غير مجهزة أصلاً لإستيعاب الطلاب اللبنانيين، فكيف عليها أن تستوعب وتدمج إلى جانبهم الطلاب السوريين؟».
تراجع جودة التعليم الرسمي
«إن هجرة الكادر التعليمي الكفوء نتيجة اليأس وفقدان الثقة في هذا القطاع، إما إلى المدارس الخاصة أو إلى الخارج، أدى إلى تراجع جودة التعليم»، يقول قاسم، «فإلى جانب عدم توفر الابنية المدرسية والمستلزمات والمتطلبات الأساسية، فإن هجرة الأساتذة كارثة على التعليم الرسمي إضافة إلى لجوء الدولة إلى التعاقد. للمتعاقد حق أخذ كامل حقوقه، ولكن لا يجوز أن يستند التعليم الرسمي على التعاقد حيث بات أكثر من 60 إلى 70 في المئة من جهازه التعليمي متعاقداً بأشكال مختلفة. بمعنى أنه لم يعد هناك تسمية لكلمة متعاقد الا واستخدمت لأغراض منها حاجات فعلية للمدرسة ومنها حاجات سياسية لبعض الأطراف بهدف تأمين وظائف أو تأمين على الأقل كم ساعة تعليم كمدخل الى التثبيت بدون تأهيل. وهنا يمكن أن أسجل غياب كلية التربية ودور المعلمين عن الاعداد والتأهيل. وفي ما يتعلق بموضوع تحديث المناهج، فلم يتم التعديل حتى اليوم على الرغم من الحاجة الماسة لتحديثها، ولم يعد النظر بها منذ أكثر من 26 سنة علماً أن المنهج الموجود حالياً يتضمن ثغرات كبيرة، مما أثر على مستوى التعليم الرسمي».
ويختم قاسم: «إن المسؤولية على الدولة كبيرة وعلى الحكومة تحديداً ووزارة التربية توفير مستلزمات النهوض بالمدرسة الرسمية، لأنها المكان الأساسي والأهم في تحقيق الاندماج الاجتماعي وفي توفير التعليم الذي هو حق من الحقوق المقدسة للتلامذة. فكل الأعراف الدولية تؤكد على حق الطفل في التعلم وصحة الغذاء. وإذا لم تتوفر مدرسة رسمية حاضنة في لبنان، فنحن نتجه نحو استقطاب الطلاب إلى المدارس الأخرى التي بمعظمها مدارس طائفية ودينية والتي لا يتوفر فيها بشكل أو بآخر الاندماج الاجتماعي».