الثلاثاء 1 ذو القعدة 1446 ﻫ - 29 أبريل 2025 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

أزمة المياه في إيران خلقت إحباطا شعبيا بات يهدد النظام

قالت وكالة ”بلومبيرغ“ الأمريكية للأنباء، إن أزمة شح المياه المتراكمة منذ فترة طويلة في إيران، تفاقمت نتيجة عقود من التوسع الصناعي غير المنضبط، لتُشكّل الآن تحديا للنظام، وصف بأنه بمثابة ”إحباط شعبي“ يمكن أن يطغى على معركة طهران مع واشنطن حول كيفية إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.

وفي تقرير بعنوان ”أزمة المياه في إيران تهدد القيادة“، سردت وكالة بلومبيرغ أمثلة متعاقبة على هذا الإحباط الشعبي، بينها الاشتباكات الدامية بين الأهالي وقوات الأمن التي حصلت الصيف الماضي في خوزستان ثم انتقلت إلى مدينة أصفهان بسبب جفاف نهر زايانده رود.

ففي مقاطعة خوزستان، على بعد 180 ميلا من العاصمة طهران، أدت عقود من الاستغلال المجحف للنفط إلى تجفيف الأراضي الرطبة وتدمير التربة التي كانت خصبة في السابق.

واحتشد آلاف الإيرانيين، حول مجرى النهر الجاف؛ احتجاجا على إدارة الدولة للموارد المائية خلال أسوأ موجة جفاف منذ عقود، وأظهرت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، تدخل قوات الأمن وهي تحمل الهراوات لقمع الحشود، وتركت وجوه البعض ملطخة بالدماء، بما في ذلك امرأة في منتصف العمر ترتدي شادورا أسود، حسب تقرير وكالة بلومبيرغ.

ونقلت الوكالة عن الناشطة البيئية، طاهرة التي شاركت في احتجاجات أصفهان، وطلبت عدم نشر اسمها الكامل خوفا من الانتقام، قولها إن ”مياه الشرب لدينا تزداد سوءا والمزارعين يفقدون مصادر رزقهم. لا أستطيع أن أنسى رائحة النسيم التي كانت تنطلق من النهر عندما كنت أسير إلى المدرسة وأنا طفلة. الآن أرى ذلك كأنه مجرد حلم“.

الأزمة معروفة محليا

وأشار التقرير إلى أن أخبار أزمة المياه في إيران منتشرة في كل مكان. فعناوين الصحف اليومية تنشر باستمرار معلومات حول الانخفاضات الهائلة في هطول الأمطار، وانهيار السدود، ونضوب مخازن المياه الجوفية والسطحية.

كما حذرت وكالة أنباء ”فارس“ شبه الرسمية، من أن أكثر من 300 بلدة ومدينة تواجه الآن ضغطا مائيا حادا. ويقدر خبراء الأرصاد الجوية التابعون للحكومة أن 97% من البلاد قد تأثرت بالجفاف، بينما يقول أحد الأكاديميين، إن 20 مليون شخص أجبروا على الانتقال إلى المدن؛ لأن الأرض أصبحت جافة جدا للزراعة.

وسجلت العديد من السدود مستويات قياسية من التبخر هذا العام؛ ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي في ذروة أحد أكثر فصول الصيف حرارة على الإطلاق.

وعرض التقرير كيف أن تغير المناخ كشف عواقب القرارات الحكومية الخاطئة في إيران، فقد أدى الضغط من قبل السياسيين المحليين بعد الثورة الإيرانية إلى تحويل أصفهان إلى مركز رئيس لصناعة الصلب؛ ما ساهم في زيادة التلوث وإرهاق مواردها المائية. ثم بدأت مياه نهر زيانده رود في الاختفاء قبل عقدين من الزمن، بعد أن حوّل المهندسون تدفقاتها لدعم المنشآت الصناعية خارج مدينة صحراوية أخرى.

الاستهلاك المائي الجائر

وحتى مع تضاؤل الإمدادات، يواصل الإيرانيون الذين يمكنهم الوصول إلى المياه، الإفراط في استهلاكها. فالمقيم في طهران يستهلك من المياه ثلاثة أضعاف ما يستخدمه شخص مقيم في مدينة هامبورغ بألمانيا، كما قالت وكالة بلومبيرغ. وحتى في ذروة الجفاف، لا تزال الحدائق والمتنزهات العامة والمناظر الطبيعية في العاصمة الإيرانية تُروى جيدا، ومن الشائع رش الأرصفة لتبريدها.

ولجأ الناس أيضا إلى حفر الآبار بشكل غير قانوني للبحث عن المياه. وقال مسؤول سابق في شركة المياه التي تديرها الدولة لوكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الحكومية، إن المزارعين في أصفهان حفروا أكثر من 10 آلاف بئر غير قانوني في السنوات الأخيرة.

وقالت سوزان شمير، الأستاذة المشاركة في قانون المياه والدبلوماسية في معهد ديلفت المتخصص بالمياه في هولندا، إن ”تطبيق سياسات لتقنين المياه ووقف الحفر غير القانوني، قد يؤدي إلى مزيد من الاضطرابات“، مضيفة أن ”هناك 130 ألف بئر غير شرعية معروفة في إيران، لكن لا يوجد جهد لسدها“، مشيرة إلى آثار ذلك اجتماعيا.

وفي حين أن معظم المسؤولين الإيرانيين يقرون بوجود مشكلة، إلا أن بعض رجال الدين الأكثر نفوذا، وصفوا الاضطرابات الأخيرة كنظرية مؤامرة أو ادعوا أن نقص المياه لا يمكن إصلاحه إلا من خلال صلوات الاستسقاء.

وفي مقابلة متلفزة، في 5 يناير/ كانون الأول الجاري، أقر الرئيس إبراهيم رئيسي، بأزمة المياه، وقال إن ”المسؤولين تلقوا تعليمات للوصول إلى لب المشكلة والعمل على حلها“، مضيفا: ”تم إنشاء العديد من اللجان الحكومية، وإلى جانب الصلاة، علينا أيضًا أن نضع الخطط وننفذها. هناك مشاكل ولكن هناك حلولا أيضا، لسنا في طريق مسدود“. لكن لم تنشر الحكومة بعد ذلك أي خطط مفصلة للحلول التي وعد بها رئيسي.

الأزمة تعود إلى بدايات الثورة

ونقل التقرير عن سهيل شريف، وهو مزارع فستق في محافظة كرمان الوسطى، قوله إن ”جذور الأزمة تعود إلى السياسات التي تم تنفيذها بعد الثورة الإسلامية عام 1979. حيث سعت القيادة الدينية الجديدة لإيران، المعزولة عن الغرب، والتي واجهت الحرب مع العراق، لتحقيق الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي. وشجعت الأسر الريفية على العمل بالزراعة، ووعدت تزويدها بالمياه المدعومة بشكل كبير، ثم أعقب ذلك فورة في بناء السدود.

وأضاف شريف: ”قال القادة الجدد لإيران، إن الولايات المتحدة تريد أن تجعلنا نعتمد على وارداتهم من القمح، وأبلغوا الجميع أنه يمكنهم حفر الآبار“، ويقدر أن 95% من أكثر من 1000 بئر في منطقتهم تم حفرها بإذن من الحكومة، بغض النظر عن موقعها أو تأثيرها على الموارد المائية، التي بدأت تجف وتزداد ملوحتها.

المشكلة بكيفية إدارة الاقتصاد

ورأى شريف أن ”المشكلة في الأساس تتعلق بكيفية إدارة الاقتصاد. فلا يمكنك تشجيع الناس على النظر إلى المياه على أنها بركة كبيرة متاحة للجميع ليستخدمها، ثم تخبرهم أن عليهم التعامل معها كمورد ثمين“.

وعادة ما يتم استخدام الرد المألوف، وهو إلقاء اللوم على العقوبات الأمريكية، في مواجهة الانتقادات لسياسة القيادة الإيرانية المائية، لكن تكاليف نهج ”اقتصاد المقاومة“ غالبًا ما يتحملها المواطنون الذين يفقدون صبرهم، وخاصة أولئك الذين يعيشون في المناطق الحدودية الفقيرة، الذين تم تهميشهم تقليديا؛ بسبب عرقهم أو دينهم، كما جاء في تقرير وكالة بلومبيرغ.

وذكر أيوب، وهو ناشط يبلغ من العمر 30 عامًا من خوزستان، امتنع عن ذكر اسمه خوفا من الانتقام، أن ”ندرة المياه ضاعفت المظالم القائمة. وكانت المقاطعة الغنية بالنفط موقعًا لأعنف حملة قمع في نوفمبر 2019، حيث اجتاحت المظاهرات البلاد، ولا تزال تتكرر. ولطالما استاء سكانها من القوى المحلية والأجنبية التي جاءت لاستخراج النفط الخام المخفي في أعماق أراضيهم، مضيفا أن ”هذه العملية دمرت المستنقعات والتربة الخصبة مع استبعاد السكان المحليين من الأرباح“.

بدوره، اعترف نائب وزير الرفاه الإيراني، أحمد ميداري، بحدوث أخطاء حكومية. وقال للتلفزيون الحكومي إن ”الحكومة ارتكبت أخطاء كبيرة، لأنها أرادت تطوير حقول نفط برية أرخص، مع القليل من الاهتمام بالبيئة“.

وأضاف أن ”السياسيين المحليين يحصلون على تصاريح من وزارة البيئة في طهران من خلال الضغط والمحسوبية، حتى يتمكنوا من تجفيف أجزاء كبيرة من الأراضي الرطبة من أجل حفر آبار النفط“.

وقد حصل في أبريل/ نيسان 2019، أن غمرت السيول العديدة عشرات القرى ودمرت مئات المنازل، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن الأراضي الرطبة لا تستطيع امتصاص مياه الأمطار كما اعتادت. وقد شاركت العديد من العائلات الريفية التي فقدت محاصيل القمح في تلك الكارثة في احتجاجات الصيف الماضي، عندما وصل الجفاف إلى خوزستان. حيث قُتل تسعة أشخاص على الأقل عندما فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين، بحسب منظمة ”هيومن رايتس ووتش“.

مشكلة إنكار الحقائق

وخلص التقرير إلى أن مشكلة إيران مع ندرة المياه، هي مشكلة إنكار الحقائق.

ونقل عن كاوه مدني، نائب مدير دائرة البيئة في عهد الرئيس الإيراني، حسن روحاني، والذي هاجر من إيران هربا من الملاحقة، قوله إن ”البلاد بحاجة إلى إصلاح ليس فقط سياسات إدارة المياه، وإنما الاقتصاد ككل وبدائله الفعالة“.

وأضاف أن ”إيران تعيش في حالة إنكار. فهي في مشكلة جفاف الأنهر، تواصل التفكير في أنه يمكنها تخفيف هذه المشكلة أو القضاء عليها، وهو أمر مستحيل، بدلا من أن تفكر في منطق التكيُف مع الحقائق“.