تمر العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي بمرحلة حرجة منذ أن قررت محكمة العدل الأوروبية قبل نحو أسبوعين إلغاء اتفاقيتين تجاريتين بين الجانبين تتعلقان بالصيد البحري والزراعة.
وفي 25 فبراير/ شباط 2016 أوقف المغرب الاتصالات مع الاتحاد، ردا على حكم أولي للمحكمة في ديسمبر/ كانون الأول 2015، بإلغاء إحدى الاتفاقيتين، لتضمنها منتجات من إقليم الصحراء المتنازع عليه منذ عقود مع جبهة البوليساريو.
وقررت الرباط في مارس/ آذار الماضي، استئناف الاتصالات مع بروكسل، بعدما تلقى المغرب تطمينات بإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي.
لكن في 4 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري أصدرت المحكمة الأوروبية قرارا نهائيا غير قابل للاستئناف بإلغاء الاتفاقيتين؛ بدعوى أنهما يشملان سواحل ومنتجات إقليم الصحراء، وهو ما قد يضع العلاقات الثنائية على مفترق طرق.
ورغم تطمينات مسؤولين أوروبيين بـ”الحفاظ على الشراكة مع المغرب”، إلا أن الرباط أعلنت رفضها قرار المحكمة الأوروبية وشنت عليها هجوما حادا.
ورجح أكاديمي مغربي، في حديث للأناضول، أن لا يؤثر قرار المحكمة على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، على اعتبار أن مؤسسات الاتحاد التي ترسم وتنفذ السياسة الخارجية هما المجلس والمفوضية، بينهما المحكمة لا تأثير لها على هذه السياسة.
كما نوعت المملكة، وفق الأكاديمي، شراكاتها مع دول بينها الولايات المتحدة والصين وتجمعات إقليمية منها مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول شرق آسيا (آسيان)، ومن ثم “لم تعد رهينة لشركائها التقليديين”، وخاصة الاتحاد الأوروبي، ولن تخضع “لأي ابتزاز”.
التزامات دولية
وفي رفض لقرار المحكمة، قالت الخارجية المغربية إن المملكة “تطالب المؤسسات الأوروبية، بما فيها المجلس والمفوضية والدول الأعضاء، باتخاذ التدابير اللازمة لاحترام التزاماتها الدولية”.
كما طالبت بـ”الحفاظ على مكتسبات الشراكة (بين الجانبين) وتمكين المملكة من الضمان القانوني الذي يحق لها التمتع به بكيفية شرعية، بصفتها شريكا للاتحاد الأوروبي بشأن العديد من الرهانات الاستراتيجية”، وفق بيان للخارجية.
وفي تعليقه على قرار المحكمة، قال محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة عبد المالك السعدي (حكومية) بمدينة طنجة (شمال)، إن العلاقات المغربية الأوروبية “لها أبعاد متعددة”.
وأضاف بوخبزة للأناضول: “يجب التمييز بين العلاقة التي تربط المغرب مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، والأخرى مع كل دولة من دول الاتحاد على حدا”.
وتابع: “علاقات المغرب متباينة مع الدول الأوروبية، وهي إما متقدمة مع غالبية دول الاتحاد الأوروبي أو عادية مع بعض الدول، ولا توجد علاقات متشنجة أو فتور أو مشاكل مع دول الاتحاد”.
وبشأن علاقة المغرب مع الاتحاد الأوروبي، أوضح بوخبزة أن “العلاقات قوية مع المؤسسات التي تدير السياسات الخارجية للقارة العجوز، سواء المجلس أو المفوضية”.
وأردف أن “المجلس والمفوضية حريصان على بناء علاقات قوية مع المغرب ويعملان على تطويرها، سواء من خلال الزيارات بين الطرفين أو نوعية الاتفاقات بينهما”.
ومن هذا المنطلق، رجح الأكاديمي المغربي أن قرار المحكمة الأوروبية “لن يؤثر على العلاقات التي تجمع الطرفين”.
وأرجح ذلك إلى أن “مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي ترسم وتنفذ السياسة الخارجية هما المجلس والمفوضية، اللذان يؤكدان على البعد الاستراتيجي للعلاقة والرغبة في تطويرها، بينما محكمة العدل الأوروبية لا علاقة لها بالسياسة الخارجية للاتحاد”.
عيوب قانونية
ووفق الخارجية المغربية، فإن المغرب يعتبر نفسه “غير معني” بقرار محكمة العدل الأوروبية.
وأضافت أن المغرب “لم يكن طرفا في القضية، التي تهم الاتحاد الأوروبي من جهة وجبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، من جهة أخرى”.
ولم يتوفر تعقيب جزائري على ما جاء في بيان المغرب.
واعتبرت الرباط أن “مضمون القرار (الصادر عن المحكمة) تشوبه العديد من العيوب القانونية الواضحة وأخطاء في الوقائع”.
ورأت أن هذه العيوب تشير إلى “جهل تام بحقائق الملف، إن لم يكن انحيازا سياسيا صارخا”، على حد تعبيره.
وأكد المغرب “عدم التزامه بأي اتفاق أو وثيقة قانونية لا تحترم وحدته الترابية والوطنية”، في إشارة إلى إقليم الصحراء.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا في “إقليم الصحراء” تحت سيادتها، في حين تطالب “البوليساريو” باستفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر.
تطمينات أوروبية
وفي أول تعقيب أوروبي، قال كل من الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل ورئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين، في بيان، إن المفوضية “أحيطت علما” بقرار المحكمة وتحلله بالتفصيل.
وأضاف المسؤولان الأوروبيان، في يوم صدور القرار، أن الاتحاد “يؤكد مجددا القيمة العالية التي يوليها لشراكته الاستراتيجية مع المغرب، وهي شراكة طويلة الأمد وواسعة وعميقة”.
وتابعا: “أنشأنا على مر السنين صداقة عميقة وتعاونا قويا ومنظما، وهو ما نعتزم المضي قدما فيه إلى مستويات تالية في الأسابيع والأشهر المقبلة”.
ولفتا إلى أن “المغرب يعد أيضا دولة رئيسية للتحكم في تدفقات الهجرة (غير النظامية)، خاصة تلك المتجهة نحو إسبانيا”.
وبينما أعرب وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس عن احترام حكومة بلاده لقرار المحكمة، دافع في الوقت ذاته عن “الشراكة الاستراتيجية” مع المغرب، مؤكدا الرغبة في الحفاظ عليها.
وأبرز ألباريس أهمية الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بالنسبة للطرفين، و”المزايا” التي تقدمها لقطاعي الصيد البحري والفلاحة.
تنويع الشراكات
وحسب بوخبزة فإن المغرب حسم مسألة تنويع شركائه، وتوجهات الخارجية أصبحت واضحة، حيث” لم تعد تضع البيض في سلة واحدة”، و”لم تعد تراهن على جهة واحدة بخصوص مصالح المملكة الاستراتيجية”.
وزاد: و”بالتالي فإن البلاد أقامت شراكات استراتيجية مع العديد من الدول، مثل الصين وروسيا والولايات المتحدة، ولها موقع متميز في العلاقات الدولية”.
و”كذلك مع تجمعات إقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ويحظى الرهان على القارة الإفريقية بالأولوية في السياسة الخارجية للبلاد”، وفق بوخبزة.
وشدد على أن “المملكة نوعت من شركائها، مما جعلها لا تخضع لأي ابتزاز ولا تجد أي إشكال في حماية مصالحها مع أي طرف كان، فهناك أطراف بديلة تريد بناء علاقات قوية مع المغرب، الذي أصبح له القدرة على تقوية العلاقات لمَن يدخل في شراكات أو اتفاقيات (معه)”.
وحسب الأكاديمي المغربي، فإن بلاده “لم تعد رهينة لشركائها التقليديين، خاصة الاتحاد الأوروبي، وأصبح للمملكة الحرية وهامش التحرك خارج هذه العلاقات التقليدية”.
وتفوق العلاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي 60 بالمئة من إجمالي مبادلات المغرب التجارية.
ومنذ أكتوبر 2008 تمتلك المملكة صفة “الوضع المتقدم” مع الاتحاد الأوروبي، وهو وضع يتيح لها الاستفادة من اتفاقيات وتمويلات أوروبية عدة.