الجمعة 4 جمادى الآخرة 1446 ﻫ - 6 ديسمبر 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

تونس تواجه جدلاً حول "صناع المحتوى".. بين الحريات والتقاليد

يتزايد عدد مستخدمي الإنترنت في تونس الذين يتابعون صفحات لأشخاص لم يكونوا مشهورين من قبل، ولم يعملوا في مجالات سياسية أو فنية أو ثقافية، وبعضهم لا يحمل شهادات تعليمية. ومع ذلك، استطاع هؤلاء “صانعو المحتوى” أن يقتربوا من الجمهور التونسي، حيث لاقت منشوراتهم تفاعلًا واسعًا وصل إلى مئات الآلاف من المتابعين.

لكن سرعان ما ظهرت ردود فعل سلبية على محتوى بعض المنشورات، التي اتُهمت بأنها تحمل “مضموناً رديئاً” و”مخالفة للتقاليد الاجتماعية”.

كما أصدرت وزارة العدل التونسية بياناً قالت فيه إنها أذنت للنيابة العمومية باتخاذ الإجراءات اللازمة ضد “الأفراد الذي استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي، لعرض محتويات معلوماتية تتعارض مع الآداب العامة”.

كانت تلك الشرارة التي أشعلت جدلاً حاداً بين جمهور يرفض تلك المنشورات، ويساند قرارات الحكومة بتسليط عقوبات تصل إلى السجن عدة سنوات، على “صناع المحتوى”، وبين معارضين لتلك الإجراءات، يرون أنها تحد من هامش الحريات في تونس.

بين الحداثة والتقاليد الدينية
يقول الباحث والمحلل السياسي التونسي، منذر ثابت، إن هناك إشكالاً برز بقوة منذ سنة 2011، يتعلق بنشاط الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي، الذي قاد إلى “حالة من الانفلات”، وصلت إلى حد “الثلب وهتك الأعراض وسحل الشخصيات السياسية” على الإنترنت، حسب قوله.

ويضيف ثابت، في تصريح لموقع “الحرة”، أن الأزمة الأخيرة تتميز بكونها “أزمة أخلاقية”، وأن نسبة هامة من المجتمع التونسي الذي “يراوح بين الحداثة والتقاليد العربية والإسلامية”، رفضت الاتجاه الاستعراضي الذي اختاره بعض الشباب على الإنترنت، موضحا أن “المجلة الجزائية تتضمن بالفعل فصولاً تعاقب التجاهر بأفعال خادشة للحياء”.

لكن المختصة في تحليل المعطيات على مواقع التواصل الاجتماعي، زينة الماجري، تقول إن الأحكام بالسجن بتهمة “المس بالأخلاق الحميدة” تزرع “الخوف” لدى مختلف أطياف المجتمع التونسي، سواء السياسيين أو رجال الأعمال، وكذلك الصحفيين وصانعي المحتوى.

وتضيف الماجري، في حديث مع موقع “الحرة”، أن الإصرار على تطبيق تلك الأحكام، خصوصاً “في ظل امتلاء السجون”، يسعى لجعل الأشخاص المعتقلين “عبرة” لكل من ينوي النشر على المواقع الرقمية. وهي “رد تقليدي متخلف تكنولوجياً، في ظل تخلف القوانين”، وفقها، إذ تعود المجلة الجزائية إلى عام 1913 و”يراد استعمالها لمواجهة جرائم رقمية للقرن 21”.

وتعطي المجلة الجزائية “مفهوماً فضفاضاً للمعايير الأخلاقية، التي تختلف من منطقة إلى أخرى”، حسب قول الماجري، التي تقدم مثالا على استخدام كلمات بعينها في اللغة العامية في تونس قد تُعتبر خادشة للحياء في بعض مناطق البلاد دون غيرها، نظراً للاختلافات الاجتماعية بين العاصمة والمناطق الداخلية مثلاً، أو كذلك مناطق شمال البلاد وجنوبها.

لحظة ليبرالية غير مكتملة
يربط منذر ثابت قضية متابعة “صناع المحتوى” بما تشهده تونس من سجال فكري، إذ يقول إن “تونس لم تعرف اللحظة الليبرالية العلمانية المكتملة، بل كانت دائما على خط التماس بين النزعة الماضوية التقليدية وبين النزعة الحداثية”.

ويرى أن الرئيس سعيد “يتوجه إلى رأي عام يعتبر أن هناك تصوراً يعيده إلى توازناته الاجتماعية القيمية”، لذلك “نجد أن قطاعا واسعا من الرأي العام يعتبر أن مسألة الأخلاق خط أحمر، لا يمكن تجاوزه لحماية الأسرة”.

ويضيف ثابت أن “العالم يعيش لحظة مراجعة منظومة القيم الموغلة في الليبرالية، التي يمكن وصفها بالبضائعية، موجهة للاستهلاك والمشهدية المثيرة ويريد تعويضها بمنظومة قيمية، لأن الحرية اللامحدودة تفضي إلى تصادم الإرادات، لكن الإشكال يكمن في من يحدد هذه الحرية، وهل سيكون ذلك نتاجاً لحالة تعاقدية أم لا”.

بينما تركز زينة الماجري على فكرة اللجوء للقوانين في مواجهة هاته المتغيرات التي يشهدها المجتمع، إذ تقول إن “كل مشكل في تونس يقابَل بإصدار قوانين زجرية تؤدي إلى العقوبة السجنية بطريقة رادعة بشكل يدعو إلى الاستغراب”.

وتضيف “يوجد نواب في البرلمان يريدون إصدار قانون يزيد من التضييق على الحريات في الفضاء السبراني، وكل ما يتعلق بالتكنولوجيا”

الخوارزميات تفضح
رغم كون المجتمع التونسي يوصف عادة بأنه منفتح، إلا أن تسليط عقوبات بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي يعتبر أمرا حديثاً نسبياً.

ويفسر منذر ثابت، وهو من مؤسسي شبكة الليبراليين العرب، بوجود “إشكال ثقافي” في المجتمع خصوصا بين الأجيال السابقة، وجيل الشباب، خصوصاً في ظل العودة إلى القوالب الدينية والثقافية.

ومن جهتها، ترى زينة الماجري أن جيل الشباب “يسبق الدولة ويواكب التطور التكنولوجي بخطوات كبيرة”، كما أن سلوك المستخدمين التونسيين على وسائل التواصل الاجتماعي “مشابه لجيرانهم الليبيين والجزائريين”.

وفي ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية المحتقنة، يوجد ميل كبير إلى المحتوى الذي يتضمن التسلية “للهروب من الواقع السيء”، وفق المتحدثة، التي توضح أن تأثير المنصات الرقمية يزداد في ظل “توقف” مصادر الترفيه والتسلية التقليدية، مثل السينما والمسرح.

محتوى التسلية والترفيه الذي وفرته صفحات ومنصات لصانعي محتوى مثل “لايدي سامارا” أو “عفيفة ورمزي” أو “ضحى العريبي” كانت له بداية متواضعة، لكن إقبال مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، جعله يتطور ويصل إلى ملايين المشاهدات.

وتشرح الماجري ذلك بالقول إن الخوارزميات التي تعتمدها المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي تستند إلى المعطيات التي تتضمنها الصفحات الشخصية لكل مستخدم، من ناحية المواقع الأكثر زيارة، والصفحات التي يتفاعل معها، سواء بالنشر أو التعليق، ويتم بناء على ذلك تقديم صفحات ذات محتوى مشابه ومثيل لصفحاته المفضلة.

وتستنتج الماجري، بناء على تلك المعطيات، أن القول بأن “المحتوى غير الأخلاقي” قد أغرق المنصات الرقمية “مخالف للواقع”، موضحة أن ذلك المحتوى ينطبق عليه القول “ما طلبه المشاهدون”، لذلك توجد “حالة من النفاق” في صفوف أولئك المستخدمين، بحسب تعبيرها.

وتواصل الماجري بسط فكرتها بالقول إن هناك “صانعي محتوى” في تونس يركزون على المحتوى الثقافي والتعليمي، وبذلك لا تصطدم منشوراتهم بالمعايير الاجتماعية والأخلاقية، غير أنهم لم يلاقوا النجاح نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك ما دفعها إلى تغيير خطتها التسويقية الخاصة بموقع “تونيزيا ديزانفو” أو “فالصو” لمكافحة المعلومات الزائفة، أثناء أزمة كورونا. إذ كان الاستمرار في النشر وتنويع المحتوى عاملاً مهماً في توسيع قاعدة المشاهدين.

وتشير الماجري إلى أن أحد أسباب الانتقادات ضد “صناع المحتوى”، هو منافستهم الحقيقية لوسائل الإعلام التقليدية، في مجال الإعلانات، أو ما يطلق عليه في تونس سوق المستشهرين، الذين يرون في وسائل التواصل الاجتماعي وسيلة أكثر فعالية للتسويق لمنتجاتهم.

ويرى منذر ثابت أن الفضاء الرقمي “يزحف ويقتطع من مجالات الإعلام الكلاسيكي”، لكن الفصل بين المجالين هو “خطأ فادح”، وفق قوله، لأن ما تنتجه وسائل الإعلام التقليدية يتم تسويقه على المنصات الرقمية، وبالتالي لا يتعلق الأمر بـ”جدار عازل بين عالمين”، عالم الإعلام التقليدي وعالم وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن يبقى الإشكال في كيفية إنتاج محتوى إعلامي في فضاء رقمي مفتوح، لأن الحجب والحظر قد يؤدي إلى إغلاق العالم الرقمي أمام الجمهور، وعندما تقوم السلطات بتقييد الاستعمال، ماذا يمكنها أن تفعل بخصوص المنصات الرقمية المنتصبة في الخارج، مثلما هو الحال للقنوات الفضائية. لذلك فهذه تصورات كلاسيكية تحتاج تجويد الإنتاج الإعلامي، لأن الخطاب يواجه بالخطاب والرسالة الإعلامية تواجه بالرسالة أيضاً، حسب ثابت.

    المصدر :
  • الحرة