وصف نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة هانز فون سبونيك، “تجاهل” واشنطن للقانون الدولي بأنه يخل بوظائف المنظمة الأممية، كما طالب بإجراء إصلاحات داخل مجلس الأمن الدولي بشأن صلاحية سلطة النقض (فيتو).
جاء ذلك في مقابلة أجرتها الأناضول مع سبونيك، تطرق فيها إلى فشل الأمم المتحدة في اتخاذ القرارات اللازمة لوقف الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، محملا الولايات المتحدة مسؤولية ذلك.
ويقول سبونيك، إن “الفشل في وقف الإبادة الجماعية (الإسرائيلية) المستمرة في غزة وضع الحاجة إلى إصلاح الأمم المتحدة على جدول الأعمال”.
ويؤكد الخبير الدولي الذي شغل سابقا منصب منسق المساعدات الإنسانية في العراق، أن “الفيتو في مجلس الأمن يجب إعادة تنظيمه، وتنظيم المجلس وتوسيع التمثيل العالمي”.
ويقترح بشأن ذلك، أن “يتم إلغاء نظام الفيتو بالكامل، أو يجب أن يصوت أكثر من عضو دائم واحد ضد القرار حتى يتم نقضه، وقبول القرارات في مجلس الأمن بأغلبية الثلثين والأغلبية دون أن يتم نقضها”.
ومجلس الأمن يضم 15 دولة، منها 5 دائمة العضوية هي: الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا، و10 دول تنتخبها الجمعية العامة وفق التوزيع الجغرافي، وسنويا يتم تجديد نصف مقاعد الأعضاء المنتخبين.
و”الفيتو” صلاحية تعطى للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، تبطل من خلاله تنفيذ أي قرار يتعارض مع مصالحها.
*الأمم المتحدة أصبحت غربية
وفيما يتعلق بتأثيرات سياسة واشنطن، يوضح الخبير أن “الأمم المتحدة تحولت إلى مؤسسة ذات مركز غربي، والسياسات الأحادية التي تنتهجها الولايات المتحدة أدت إلى اختلال عمل المنظمة”.
وبشأن الإبادة الإسرائيلية بغزة، يؤكد أن “المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة تتجاهل بوضوح القانون الدولي، والأمم المتحدة لا تلعب أي دور هنا”، ويشير إلى أنه تناول الإصلاحات اللازمة في الأمم المتحدة بالتفصيل في كتاب “تحرير الأمم المتحدة: الواقعية والأمل” الذي كتبه مع المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بفلسطين ريتشارد فولك.
ويُحمّل الخبير واشنطن مسؤولية ذلك، ويقول في هذا الصدد: “لم يكن هناك قرار صوتت فيه الولايات المتحدة بشكل إيجابي في القضايا المهمة التي تهم المجتمع الدولي، وهذا يشمل كل شيء من نزع السلاح إلى حقوق الإنسان، ومن النظام الاقتصادي إلى نهاية الاستعمار”.
ويشير سبونيك، إلى أن “الوضع المخيف في غزة والمساءلة في عملية صنع القرار الجيوسياسي يجب أن تدافع عنها الجمعية العامة بإصرار أكبر”.
ومعربا عن صدمته من مجريات الإبادة، يقول: “كل مساء يشاهد العالم موت ومذابح الفلسطينيين على الشاشات، ويشاهد أيضا عجز القانون الدولي، حيث أصبحت الأمم المتحدة متفرجة وعاجزة أمامه”.
ويشدد على ضرورة معاقبة إسرائيل بالقول: “تنص المادة 6 من ميثاق الأمم المتحدة على أن الحكومات التي تتجاهل باستمرار مبادئ ميثاق الأمم المتحدة سيتم استبعادها من المنظمة، وهذا يشمل بالتأكيد الحكومة الإسرائيلية، لكنني أفضل بدل الطرد أن يتم تعليق عضويتها”.
ورغم إجماع العالم على ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية في غزة، ما زالت الولايات المتحدة تصر على موقفها في دعم تل أبيب، بلا مبالاة لأدنى أخلاقيات العمل السياسي والدبلوماسي، والتي كان آخرها الأربعاء، حيث استخدمت الفيتو ضد مشروع قرار يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة وإطلاق سراح جميع الأسرى.
وحصل مشروع القرار على تأييد 14 عضواً، لكنه لم يُعتمد بسبب استخدام الولايات المتحدة الفيتو.
واستخدمت واشنطن الفيتو 4 مرات، وتعود المرة الأولى بعد مرور 5 أيام على انطلاق الإبادة الإسرائيلية بغزة، حيث أفشلت مجلس الأمن في إصدار قرار بشأن وقف فوري لإطلاق النار، فيما كانت الثانية في 16 ديسمبر/ كانون الأول، إذ فشل المجلس في إصدار قرار بإرسال بعثة تقصي حقائق للتحقيق في ارتكاب إسرائيل “جرائم حرب”.
والمرة الثالثة تعود إلى 20 فبراير/ شباط الماضي، حيث حصل مشروع قرار قدمته الجزائر، يدعو إلى وقف “فوري” لإطلاق النار في غزة لأسباب إنسانية، على تأييد 13 عضوا من أصل 15، فيما عارضته الولايات المتحدة باستخدام “الفيتو” وامتنعت المملكة المتحدة عن التصويت، قبل أن تستخدم واشنطن الفيتو للمرة الرابعة الأربعاء.
ومنذ 7 أكتوبر من العام نفسه، تشن إسرائيل بدعم أمريكي حرب “إبادة جماعية” على غزة، أسفرت عن أكثر من 148 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.
*إفريقيا تفتقر التمثيل
ويرى سبونيك، أن “كل حكومة أمريكية سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، تعارض تغيير النظام الدولي، ولو تحرك الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن معا، لكان من الممكن منع تدهور الأوضاع في أفغانستان وسوريا والعراق، والآن في فلسطين”.
ومنتقدا سياسة واشنطن إزاء ذلك، يقول الخبير إن “النهج الذي تتبناه الولايات المتحدة، والذي يتجاهل القانون الدولي، يجعل الأمم المتحدة مختلة وظيفيا”.
وفي اعتراضه على الهيكل الحالي لمجلس الأمن الدولي، يصفه سبونيك، بأنه “لا يعكس واقع عام 2024: ثلاث دول غربية (الولايات المتحدة وإنجلترا وفرنسا) أعضاء دائمون، وروسيا تمثل أوروبا الشرقية، فيما تمثل فيه آسيا فقط عبر الصين، رغم أنها تمثل أكثر من 50 بالمئة من سكان العالم”.
وينتقد “افتقار تمثيل إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهو ما يمثل أيضا مشكلة خطيرة، إذ يجب أن يكون لـ54 دولة إفريقية عضوية دائمة واحدة على الأقل، ومن غير المقبول أيضا ألا تكون أمريكا اللاتينية ممثلة على الإطلاق”.
ورغم تمثيلها النسبة الأكبر في الجمعية العامة للأمم المتحدة (28 بالمئة)، تعجز إفريقيا عن إبداء أي رأي في القضايا التي تهمها في مجلس الأمن لأنها ليست ممثلة بمقعد دائم في مجلس الأمن.
ومنذ مدة طويلة ينتقد القادة الأفارقة عدم منح عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي لأي دولة من القارة التي تضم 54 دولة.
وكخطوة أولى لبدء الإصلاح، يشير سبونيك، إلى ضرورة “صحوة المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم، إذ يجب أن يضغط بقوة أكبر من أجل الوحدة العالمية، حتى تحترم الحكومات القانون الدولي”.
ويؤكد في ختام حديثه على الدور الهام الذي يلعبه الشباب، قائلا: “نقترح تفاعلا أكثر تنظيما وروتينيا بين الشباب والأجيال الأكبر سنا، ويجب أن يكون هذا جزء مهما من إصلاح الأمم المتحدة”.