رغم تباين تحالفاتهما بين الغرب والشرق، إلا أن الاضطرابات والتحولات في منطقة الساحل الإفريقي (غرب) تفرض على الجارتين موريتانيا والجزائر تنسيقا عسكريا لمواجهة مخاطر قد تؤثر على استقرارهما.
تلك الاضطرابات والتحولات وما تستدعيه من تنسيق، وفق محللين للأناضول، تتصدر جدول أعمال زيارة وفد عسكري جزائري رفيع المستوى لنواكشوط برئاسة قائد الأركان.
ومساء الأربعاء، أعلن قائد أركان الجيش الموريتاني الفريق المختار بله شعبان أن بلاده والجزائر تخططان لتسيير دوريات مشتركة على طول الحدود بينهما.
جاء ذلك في كلمة له خلال مباحثات بالعاصمة نواكشوط مع قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة، الذي بدأ الثلاثاء زيارة لموريتانيا تستمر 3 أيام.
وترتبط الجارتان بحدود برية بطول 460 كلم، وتنشط على حدودهما العديد من شبكات التهريب والتجارة غير المشروعة.
ويترأس شنقريحة، خلال زيارته لنواكشوط، وفدا يضم قادة عسكريين، بينهم رئيس دائرة الاستعلام اللواء بلقائم حسنات والمدير المركزي للأمن العميد اجريبي محسن.
وفور وصوله نواكشوط، أجرى الوفد العسكري الجزائري مباحثات في قصر الرئاسة مع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، لم تُعلن تفاصيلها.
وقال مدير الاتصال بقيادة أركان الجيش الموريتاني العقيد سيد محمد حديد إن زيارة الوفد الجزائري “تأتي تجسيدا لإرادة جيشي البلدين في تعزيز أواصر الأخوة والصداقة”، وفق وكالة الأنباء الموريتانية الرسمية.
وأضاف أن البلدين يعملان من أجل “النهوض بمستوى التعاون العسكري الثنائي وإكسابه آفاقا جديدة، خاصة فيما يتعلق بشراكة البلدين في مجال مكافحة التطرف العنيف والجريمة المنظمة التي تشهدها منطقة الساحل”.
وتنسق جيوش الجزائر وموريتانيا ومالي والنيجر في جهود مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة بالمنطقة، في إطار لجنة أركان عملياتية مشتركة تم تأسيسها عام 2010.
وتنشط في بلدان إفريقية عديدة، خصوصا بلدان مجموعة الساحل الخمسة، تنظيمات متطرفة تشن من حين إلى آخر هجمات تستهدف ثكنات عسكرية وأجانب، كما تعاني دول في المجموعة من انتشار الفقر واضطرابات سياسية.
ومجموعة دول الساحل الإفريقي هي تجمع إقليمي للتنسيق والتعاون تأسس في نواكشوط عام 2014، بهدف مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، وكان يضم موريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، قبل انسحاب الدول الثلاث الأخيرة منه.
سياق الزيارة
الخبير المختص بشؤون دول الساحل أحمد ولد محمد المصطفى قال للأناضول إن موريتانيا والجزائر “ترتبطان بعلاقات وطيدة ومتنوعة بحكم الجيرة والتداخل السكاني والمصلحي والتاريخ المشترك، وبالتالي فزيارة الوفد الجزائري طبيعية”.
واستدرك: “مع ذلك لا يمكن تجاهل منظار آخر يبدو ملحا وضاغطا على الطرفين، وهو التطورات الأمنية الأخيرة في منطقة الساحل بشكل عام، وفي الشمال المالي بشكل خاص”.
وأشار إلى أن “المواجهات العنيفة بين الجيش المالي و(المجموعة الروسية) فاغنر (مرتزقة) من جهة والمسلحين الأزواديين من جهة أخرى وصلت مناطق قريبة من حدود البلدين (موريتانيا والجزائر)، وبالتالي فهما بحاجة للتنسيق على المستويين العسكري والأمني”.
كما لفت إلى “التحول الذي تعرفه منطقة الساحل بشكل عام، وخصوصا نزوح عدد من دوله إلى التحالف مع روسيا وفتح أراضيها أمامها، وكذا الحضور الاقتصادي الصيني”.
وتابع: “وكذلك الضغوط التي يفرضها الغرب لمواجهة هذا التمدد (الروسي الصيني)، كل هذا يجعل البلدين (الجزائر وموريتانيا) مؤهلين للتقارب وللتنسيق أكثر، لتفادي المخاطر التي يمكن أن تؤثر على استقرارهما”.
الشرق والغرب
المصطفى اعتبر أن البلدين “رغم أن لكل منهما دوره في المنطقة، وهو واقعي أو متوقع، فإن أجنداتهما في التعامل مع التطورات لا تبدو متطابقة”.
وبيَّن أنه “في الوقت الذي تبدو الجزائر فيه على مستوى التحالفات الدولية أقرب للحلف الشرقي الروسي الصيني، فإن موريتانيا طورت علاقاتها خلال السنوات الأخيرة مع الغرب، وخصوصا حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”.
وزاد بأن “هذا التباين في التعاطي مع الصراع في مستوياته العليا قد يكون له انعكاسه على تفاصيل تعاون البلدين، وقد يتمكن البلدان من العمل في المتفق عليه على المستوى المحلي مقابل مستوى من التفهم أو التفاهم في مستويات الصراع الأعلى والأقوى”.
و”الجزائر، بخلاف موريتانيا، تلتقي مع دول المنطقة المناوئة لفرنسا في مستويات من الخلاف، فعلاقات الجزائر مع فرنسا متأرجحة منذ سنوات، وفواصل ودوافع القطيعة والخلاف فيها أكثر من دوافع الاتفاق”، وفق المصطفى.
ورأى أن “الأحداث الميدانية تظهر مستوى من عدم رضا الجزائر عن نوعية وحجم وطبيعة وجود فاغنر، رغم علاقات الجزائر الجيدة مع روسيا”.
وتابع: “بالتالي دور موريتانيا والجزائر محوري في المنطقة، ولكل منهما أجندته الخاصة، وقد تتقاطع أجنداتهما في بعض المستويات، لكنها واقعيا بعيدة من التطابق”.
والأحداث الأمنية في منطقة الساحل “لها أثر بالغ على موريتانيا والجزائر، بحكم مساحات حدود كل منهما المشتركة مع مالي”، كما أضاف المصطفى.
وزاد بأن “التهديد الأمني وتوطنه في المنطقة، ومستوى الصراع وتشظيه، والمخاطر التي طرأت عليه، تحوله تدريجيا إلى إحدى ساحات الصراع الدولي”.
وتابع: “البلدان يتأثران تأثرا كبيرا، على مستويات مختلفة أمنية وإنسانية واجتماعية واقتصادية، بأي تطور أمني في منطقة الساحل”.
انعكاسات محتملة
التنسيق بين موريتانيا والجزائر “يكتسب أهمية قصوى لمواجهة التحولات الخطرة للجريمة المنظمة في منطقة الساحل”، هكذا بدأ الكاتب الصحفي المهتم بشؤون الساحل محمد الحافظ الغابد حديثه للأناضول.
وأضاف الغابد أن “ثمة انعكاسات للأزمات في مالي والنيجر على موريتانيا والجزائر، وظهر ذلك خلال الأشهر الأخيرة حيث يستقبل البلدان عشرات آلاف من المهجرين قسريا جراء تدهور الوضع الأمني والإنساني في هذه البلدان”.
ورأى أن زيارة الوفد العسكري الجزائري لنواكشوط تأتي في سياق “تبدلات الأحلاف الدولية، خصوصا انتقال مالي وبوركينا فاسو والنيجر من التحالف والتعاون الواسع مع الكتلة الغربية، ممثلة في أمريكا وفرنسا، باتجاه اتخاذ روسيا حليفا في مواجهة الحليف السابق”.
الغابد أشار إلى أن المنطقة الإفريقية “تشهد نفوذا روسيا صينيا متزايدا قوض لحد الساعة النفوذ الفرنسي والأمريكي”.
وختم بأن هذا يعد “منحنى جديدا في العلاقات الدولية قد تكون له انعكاسات على الجزائر وموريتانيا، مع ملاحظة أن الجزائر تحتفظ بعلاقات راسخة بروسيا، بينما تسعى موريتانيا للتوازن في علاقاتها الدولية، وتفادي انعكاسات الصراع الروسي الغربي على علاقاتها الدولية”.