خلال 400 ساعة ونيف، ستبدأ النتائج الأولية للانتخابات الأميركية في الظهور. وإذا أظهرت هذه النتائج أن السباق متقارب، كما هو متوقع، فقد يستغرق الأمر أياماً عدة، أو أسابيع أخرى من أجل تحديد الفائز. وإذا كانت الأصوات متقاربة في الولايات الحاسمة والمحورية، فإن الطعون القانونية ستكون أمراً لا مناص منه، وستتراوح بين الأمور التافهة والقضايا الجوهرية.
ومن الممكن أن تدخل المحكمة العليا على الخط، كما حدث في انتخابات عام 2000 حينما كانت بعض الأصوات في فلوريدا محلَّ نزاع. وكلما طالت العملية، زادت فرصُ حدوث احتجاجات وربما أعمال عنف. وإذا حدث ذلك، فإن عواقبه ستكون مقلقة للبلاد والعالَم، بغض النظر عمن سيُعلَن فائزاً بالانتخابات.
ولهذا، وبغض النظر عما تشير إليه استطلاعات الرأي حالياً، يأمل كل من الحزبين أن يحصل مرشحُه على أغلبية واضحة من الأصوات في الولايات المتأرجحة حتى يتمكن من إعلان فوز مرشحه بشكل واضح لا لبس فيه. وفي هذه الظروف، فإنه حتى في حال تعذّر حسم النتائج في إحدى الولايات، فإن ذلك لن يُحدث أيَّ فرق في النتيجة.
والنتيجة الأكثر إثارةً للقلق بالنسبة لـ«الديمقراطيين» هي أن تفوز مرشحتهم كمالا هاريس بالتصويت الشعبي على مستوى البلاد، وتخسر أمام دونالد ترامب في نتائج المجمع الانتخابي بفارق ضئيل. ونتيجة مثل هذه ستضمن حدوثَ ضجة حول عدم عدالة النظام الانتخابي، وسيُنظر إلى ترامب حينها على أنه «رئيس أقلية».
والأخطر من ذلك هو ما إن كان هذا الأخير سيُقدم على قمع المحتجين في حال اندلاع احتجاجات واسعة على النتائج، بعد أن يتسلَّم صلاحيات الرئاسة في العشرين من يناير 2025، وما إن كان سيُظهر الاستعدادَ لاعتقال خصومه السياسيين عبر استدعاء الأحكام العرفية، مثلما ألمح إلى ذلك في خطاباته الأخيرة؟ الأكيد أن مثل هذه الإجراءات سيُنظر إليها على أنها منافية للدستور، وتمثّل الخطوات الأولى نحو إقامة دولة استبدادية.
أما السيناريو الآخر، فهو أن يتم إعلان هاريس الرئيسةَ القادمة، بعد انتخابات جد محتدمة ومتقاربة، وحينها سيكون هناك رد فعل قوي من قاعدة ترامب الانتخابية وأتباع تيار «اجعلوا أميركا عظيمة مرة أخرى» الذين سيزعمون أن الانتخابات «سُرقت»، مثلما فعلوا في عام 2020، وسينظمون احتجاجات قد تصبح عنيفة. لكن، هل سيستمر ترامب في لعب دور نشط في الاحتجاجات، في ظل هذه الظروف؟ خلافاً لما كان عليه الوضع في عام 2020 والأسابيع الأولى من عام 2021 حين كان ترامب لا يزال رئيساً، هذه المرة سيكون جو بايدن رئيساً حتى 20 يناير، وسيكون قادراً على استخدام كل صلاحياته لضمان انتقال سلمي للسلطة إلى كمالا هاريس.
السؤال بالنسبة لترامب، هو ما إن كان له أي مستقبل في الحزب الجمهوري؟. فالأمر الذي يميز هذه الانتخابات هو الأعداد الكبيرة من كبار «الجمهوريين» الذين خدموا في عهد الرئيس ريغان، وعهديْ الرئيسين بوش الأب والابن، والذين أعلنوا صراحةً تأييدهم لهاريس، معتبرين أن ترامب غيرَ مؤهل لتولي المنصب الذي شغله في السابق. وقد لا يكون لهذه الشخصيات الجمهورية الكبيرة تأثير كبير على الناخبين المؤيدين لترامب، إلا أنها تمثّل مجموعةً كبيرةً من الجمهوريين التقليديين الذين سيستخدمون فوز هاريس للسعي لانتزاع السيطرة على الحزب تدريجياً من أنصار ترامب.
غير أن ذلك قد يكون صعباً، إذ إن آراء ترامب القوية بخصوص مكمن الخلل والضعف في أميركا تلقى صدى لدى قطاع عريض من المجتمع، وسيكون الأمر منوطاً بالمتشددين الأصغر سناًّ مثل زميله في السباق الرئاسي جي دي فانس، لمواصلة قيادة الحزب في الاتجاه نفسه. والأكيد أنه سيكون هناك آخرون يرغبون في تولي هذا الدور في حال خسارة ترامب، بمن فيهم شخصيات تحدت ترامب في الانتخابات التمهيدية، وخاصة نيكي هيلي ورون ديسانتيس اللذين ما زال لديهما أنصارٌ في الحزب يعتقدون أنهما كانا مرشحين أقوى من ترامب. ولهذا، فإن الأشهر القليلة القادمة قد تشهد تغييراتٍ كبيرةً في المشهد السياسي بغض النظر عمن سيفوز في نوفمبر المقبل.