مرّت العلاقة بين تركيا والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، خلال فترة ولايته الأولى، بمزيجٍ من التعاون والتوترات، ورغم أن هذه الحالة قد لا تختلف كثيرا مستقبلا، بدا لافتا خلال اليومين الماضيين اهتمام تركيا ببعدين، الأول عنوانه سوريا والثاني رسمته كلمة دوستوم “Dostum” التي استخدمها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان في رسالة التهنئة.
تدل كلمة “Dostum” في تركيا على قوة العلاقة والترابط بين “صديقين”، ومنذ لحظة الإعلان عن فوز ترامب، الأربعاء، مقابل منافسته الديموقراطية كامالا هاريس تصدّرت واجهة الصحف المقربة من الحكومة والمعارضة، وكان الغرض من وراء هذا التركيز الإشارة إلى الانعكاسات “الإيجابية” التي قد تطرأ على خط تركيا – الولايات المتحدة، استنادا إلى العلاقة الشخصية التي تربط إردوغان بترامب.
وكان حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في البلاد رحب بفوز ترامب علنا، وجاء ذلك بعدما أعرب إردوغان عن أمله في “إنهاء الحرب في غزة والغزو الروسي لأوكرانيا”، وقال إنه يعتقد أن “مزيدا من الجهود ستبذل من أجل مشهد عالمي أكثر عدالة”.
علاوة على ذلك، أجرى الرئيس التركي وترامب أول مكالمة هاتفية يوم الخميس، وتم التعبير خلالها عن الرغبة في “تعزيز التعاون”. وفي حديث للصحفيين يوم الجمعة أكد إردوغان أنه “سيواصل المحادثات في الفترة الجديدة، ويناقش تطورات الشرق الأوسط (مع ترامب) عبر دبلوماسية الهاتف”.
وتابع: “لقد أدلى (ترامب) بتصريحات لطيفة بشأن تركيا فيما يتعلق بالعملية المقبلة. لقد دعوناه إلى بلدنا. وآمل أن يقبل دعوتنا”.
وتشير مديرة مكتب صحيفة “ديلي صباح” في أنقرة، ديلارا أصلان لموقع “الحرة” إلى أن التهاني لترامب انضم إليها أيضا حزب “الشعب الجمهوري” المعارض، رغم أن دوائره تنتقد سياسات المرشح الجمهوري الفائز، “بسبب عدم القدرة على التنبؤ بها”.
في المقابل لم يصدر بيان رسمي من حزب “الحركة القومية”، لكن “نظرا لموقفه الوطني فإنه أكثر حساسية تجاه مصالح تركيا، خاصةً في مسألة عدم التهاون في الحرب ضد الإرهاب”، وفق أصلان.
وتوضح الصحفية أن “أنقرة كانت تعمل منذ فترة طويلة على سيناريو فوز ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية”.
وتتوقع أن تدخل العلاقة التركية-الأميركية بعد يناير، حيث يتولى ترامب منصبه رسميا، بمرحلة جديدة. ومن المرجح أن يتصدر هذه المرحلة الملف السوري، والقضايا التي طالما أكدت أنقرة على حسمها، والمتمثلة بإنهاء وجود وإيقاف الدعم عن “وحدات حماية الشعب” الكردية والمنتشرة في أجزاء واسعة قبالة حدودها الجنوبية من طرف سوريا.
“علاقات وأزمات”
وشملت المشاكل الرئيسية التي شهدتها العلاقات بين أنقرة وواشنطن خلال فترة ترامب الأولى استمرار دعم الولايات المتحدة لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية، ومعارضتها للعمليات التركية عبر الحدود.
بالإضافة إلى قضية منظومة صواريخ “S-400” الروسية ومقاتلات “F-35″، وأزمة القس برونسون، التي دفعت دونالد ترامب لفرض عقوبات اقتصادية على تركيا مما أسفر عن تداعيات كبيرة ضربت على وجه التحديد قيمة الليرة التركية.
ومع ذلك، كان هناك حوار قوي بين إردوغان وترامب، كما تضيف الصحفية أصلان. وتقول: “كان بإمكانهما التواصل مباشرة بسهولة أكبر”.
وبين عامي 2017 و2021 التقى ترامب بالرئيس التركي تسع مرات خلال رئاسته، وكان أحد هذه اللقاءات خلال زيارة إردوغان لواشنطن، على خلاف المسار الذي اتبعه جو بايدن.
ولم يقم بايدن منذ توليه رسميا في 2021 بأي زيارة إلى تركيا، كما لم يستضف نظيره التركي في البيت الأبيض، رغم أن إردوغان زار الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة خلال السنوات الماضية.
ويرى كبير الخبراء الأميركيين في “المجلس الأطلسي” ريتش أوتزن أن “ترامب وإردوغان كلاهما يفهمان العلاقات القائمة على المعاملة، ولديهما علاقة عمل جيدة إلى حد ما”.
ويعتقد أوتزن في حديثه لموقع “الحرة” أنه “توجد إمكانية لزيادة التعاون في مجالي التجارة والدفاع والأمن”.
ولا يعني ما سبق بالضرورة أنه لن يكون هناك أزمات بين الجانبين، إذ يشرح كبير الخبراء الأميركيين في “المجلس الأطلسي” أن “التاريخ يعتبر مرشدا لنا في ذلك”.
لكنه يعتقد أن تلك الأزمات “ستكون أقل حدة من تلك التي وقعت بين عامي 2017 و2020″، لأن “التوجهات الإقليمية قد خلقت مصالح متداخلة أكثر (خاصة رغبة ترامب في مواجهة إيران وإنهاء الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا)”، بحسب أوتزن.
“أصداء بعين سورية”
على مدى اليومين الماضيين ركزّت غالبية تحليلات الكتاب والباحثين الأتراك على انعكاسات فوز ترامب على سير العلاقة بين أنقرة وواشنطن، وكان لافتا وضعهم لقضية سوريا في المقدمة.
وأعاد إردوغان التأكيد على القضية المتعلقة بسوريا عندما قال للصحفيين إنه سيناقش مع ترامب التطورات في الشرق عبر دبلوماسية الهاتف، وإنه سيقيم مسألة انسحاب القوات الأميركية من سوريا، وكيفية إنهاء الدعم المقدم لـ”وحدات حماية الشعب”.
ويعتقد كاتب العمود في صحيفة “حرييت”، سادات إيريغين أن الموقف الذي سيتخذه ترامب تجاه سوريا وكيف سينظر إلى مستقبل “الإدارة الذاتية” و”وحدات حماية الشعب” في شرق الفرات سيكون أحد أهم المواضيع الحيوية لتركيا في الفترة الجديدة.
ويتوقع أنه في حال عاد الحوار الثنائي بين ترامب وإردوغان اعتبارا من بداية يناير فقد يكون من الضروري الاستعداد “لمفاوضات ومفاجآت وتسويات” بين تركيا والولايات المتحدة بشأن العديد من القضايا، بينها سوريا.
كما يشير إيريغين إلى أن ترامب وحال تسلمه رسميا سيجد القضايا الشائكة بين تركيا والولايات المتحدة، والتي تركها على مكتبه عندما غادر البيت الأبيض في 2021 دون أي تغيير بعد أربع سنوات.
لكن ذات الكاتب استخدم لغة حذرة. وفي حين تطرق إلى العملية العسكرية التي نفذتها تركيا بسوريا في عهد ترامب عام 2019 لفت إلى أن “الحوار بين ترامب وإردوغان كان دخل بفترات في مياه متموجة”.
واعتبر الكاتب المقرب من الحكومة التركية، عبد القادر سيلفي أن “العلاقة المباشرة بين إردوغان وترامب تعتبر ميزة مهمة”.
ورغم أن العلاقات التركية الأميركية لم تبق سلبية خلال فترة بايدن، “لم يكن من الممكن إقامة علاقة قوية بين الزعيمين”، وفقا لسيلفي، مضيفا في مقالة على “حرييت”: “كان بايدن رئيسا، لكنه لم يكن زعيما كما حال ترامب”.
كما أشار الكاتب سيلفي إلى جملة القضايا الشائكة التي تشوب العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة، لافتا أن “القتال ضد تنظيمات حزب العمال (في سوريا وغيرها) هو مشكلة بقاء”.
ويعتقد كبير الخبراء الأميركيين في “المجلس الأطلسي”، أوتزن أن “شخصية ترامب وإردوغان يمكن أن تلعب دورا في الدفع نحو التفاهم على نحو أكبر بدلا من الصدام”.
وتتوقع الصحفية أصلان أن “يقلل ترامب بعد تنصيبه من وجود القوات الأميركية في سوريا، كما رأينا سابقا”، “حيث يركز على الصين ومنطقة المحيط الهادئ ولا يرغب في تخصيص الأموال والوقت للشرق الأوسط”.
وسيؤدي ما سبق إلى تغيير الديناميكيات في سوريا تماما، حيث ستعيد الأطراف المتبقية – تركيا وروسيا وإيران و”وحدات حماية الشعب” والأسد – ضبط سياساتها، بحسب مديرة مكتب “ديلي صباح” في أنقرة.
وتوضح في المقابل أن الصورة التي ستكون عليها سوريا بعد ذلك “ستعتمد على المحادثات بين تركيا وروسيا، وتركيا والأسد، وكذلك تركيا و(وحدات حماية الشعب) كجزء من عملية السلام الكردية الجديدة التي تشارك فيها أنقرة”.
“مجالات أخرى في الصدارة”
وتركيا والولايات المتحدة حلفاء داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وكانت العلاقة بينهما مرّت خلال فترة ولاية بايدن ونائبته هاريس بمسار حذر، تكلل مؤخرا بنقطة التوصل لتفاهمات حول انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، واستئناف العمل بصفقة حصول تركيا على طائرات من نوع “إف-16″.
كما شكّلت إدارة بايدن والمسؤولين في أنقرة لجنة اتصال استراتيجي، كان لها الدور الأكبر في حلحلة بعض القضايا الشائكة، وعلى رأسها المتعلقة بـ”الناتو” وصفقة الطائرات الحربية.
قبل ذلك رسمت اللقاءات التي كانت تجمع إردوغان بترامب شكل العلاقة خلال أربع سنوات.
ودائما ما كانت ارتدادات المواقف تصدر من البلدين بناء على الاتصالات أو الاجتماعات التي كان يعقدها إردوغان بنفسه مع المرشح الجمهوري الفائز الآن.
ويقول كاتب العمود في صحيفة “صباح”، مليح ألتنوك الجمعة إنه ورغم توتر العلاقات بين تركا والولايات المتحدة بسبب قضية القس برونسون، إلا أنهما ترامب وإردوغان “تمكنا من عدم فقدان أرضية الحوار”.
ويعتقد في مقالته أن المرحلة القادمة بوجود ترامب ستكون أفضل من هاريس “التي لم نراها تذكر اسم تركيا حتى الآن”، على حد تعبيره.
ويمكن أن تركز تركيا والولايات المتحدة في ظل إدارة ترامب على مجال آخر يتعلق بالأزمات الحالية في الشرق الأوسط، بحسب الصحفية أصلان.
وتقول إن “أنقرة تشعر بقلق بالغ إزاء تداعيات الحرب الإسرائيلية الفلسطينية على المنطقة”، وإن “أي تصعيد محتمل بين طهران وتل أبيب يثير مخاوف بشأن موجات الهجرة وزعزعة الاستقرار والإرهاب”.
ولذلك، فإن وعد ترامب بإنهاء الحروب “أمر حيوي لأنقرة”، وفقا لأصلان.
وتتابع: “وقد رأت تركيا أن رد الديمقراطيين على حرب غزة كان غير كافٍ ومناف للمعايير، حيث كثيرا ما تحدث الديمقراطيون عن حقوق الإنسان، لكنهم ظلوا غير نشطين في وقف الحرب وإسرائيل. ومن المتوقع أن يتخذ ترامب إجراءات أكثر واقعية”.