الثلاثاء 21 شوال 1445 ﻫ - 30 أبريل 2024 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

"رعب في إيران" حتى روحاني خضع للفحوصات.. وجغرافية البلاد قد تنشره عالمياً

“عندما أسير في شوارع قم المهجورة لا أكاد أصدق أن تلك المدينة هي التي كانت قبل أيام قليلة مزدحمة بالناس والزوار”، إنها نموذج صارخ يُبين لأي مدى وصلت أزمة تفشي كورونا في إيران.

 

كانت تلك الكلمات التي وصف بها الصحفي الإيراني المقيم في قم المقدسة الأوضاعَ في مدينته لدى المسلمين الشيعة، بعد أن تحوّلت إلى مركز رئيسي لانتشار فيروس كورونا في إيران، والبلدان المجاورة.

يقول الصحفي الذي رفض الإفصاح عن هويته لـ “عربي بوست”: “الآن أغلب الناس في قم قابعين في منازلهم خائفين، والبعض منهم إما يصرخون أمام الصيدليات لنفاد الكمامات، والمعقمات، أو يتكدّسون أمام المتاجر لشراء الغذاء، قد لا أبالغ عندما أقول إن قم تحوّلت إلى مدينة كئيبة”.

أزمة تفشي كورونا في إيران وصلت إلى الحكومة

بعد أن زادت وتيرة انتشار فيروس كورونا في إيران، لتصل حالات الإصابة بالفيروس إلى 139 شخصاً، ووفاة 19 شخصاً بحسب بيانات وزارة الصحة الإيرانية، طالب العديد من الأطباء في الأيام القليلة الماضية وزارة الصحة بفرض الحجر الصحي على مدينة قم الدينية، التي تبعد عن العاصمة طهران بحوالي 140 كيلومتراً جنوباً، منذ أن شهدت تسجيل أولى حالات الإصابة بالفيروس.

لكن ظهر نائب وزير الصحة الإيراني ايرج حريرتشي في أكثر من مقابلة، رافضاً الأمر برمته، ووصف الحجر الصحي بأنه إجراء قديم كان يطبق في أوقات الحرب العالمية الأولى، في وقت انتشار وباء الطاعون والكوليرا.

في أثناء رفضه للمطالب بفرض الحجر الصحي على قم، ظهر حريرتشي بجوار المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي، وهو يتصبَّب عرقاً، ويحاول مقاومة الإجهاد الواضح عليه.

أثارت علامات التعب على نائب الوزير الكثير من الجدل وقتها، وتم الحديث عن احتمالية إصابته بفيروس كورونا، لكن المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي نفى الأمر تماماً.

ليظهر حريرتشي بشكل مباغت في مقطع مصور، ليعلن أنه أصيب بالفعل بفيروس كورونا، داعياً الإيرانيين للتفاؤل، مؤكداً أن البلاد ستتجاوز تلك المحنة قريباً.

في الوقت الذي أعلن فيه نائب وزير الصحة إصابته، كتب النائب البرلماني الإصلاحي السابق محمد صادقي في تغريدة له على موقع تويتر يعلن إصابته بكورونا.

فحوصات للرئيس وإصابة مرجع شيعي كبير

علم “عربي بوست” من مصدر مقرب من علي ربيعي، المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، أنه بعد إصابة حريرتشي الذي كان يقف بجوار ربيعي بمسافة قليلة، سارع ربيعي بإجراء اختبار فيروس كورونا في أحد المستشفيات الكبرى بطهران، وكانت النتيجة سلبية لحسن حظه.

لم يكن ربيعي فقط من سارع بالاطمئنان على نفسه، فبحسب المصدر خضع كل من وزير الصحة، ونائب الرئيس روحاني إسحاق جهانغيري، والرئيس روحاني نفسه إلى اختبار فيروس كورونا.

كان قد تم الإعلان في وقت سابق عن إصابة رئيس حي 13 بطهران، ومحمد مير حمدي عضو مجلس تشخيص مصلحة النظام، وهو ما أدى إلى تأجيل اجتماعات المجلس حتى إشعار آخر.

وفي قم، وصل فيروس كورونا إلى كبار رجال الدين الذين يتخذون من المدينة الدينية مركزاً لهم، فتم تأكيد خبر وفاة عضو في مكتب آية الله العظمى شبيري زنجاني، الذي أصيب هو الآخر ويخضع للحجر الصحي حالياً.

ماذا يعني وصول كورونا إلى هذا العدد من المسؤولين الحكوميين؟

الأخبار المتسارعة عن الإصابات بفيروس كورونا في إيران، ووصول المرض إلى كبار المسؤولين، أثارا تساؤلات حول: هل انتشار المرض أكبر مما تقوله الحكومة.

وهذا التخمين قد يقود الإيرانيين إلى شكوك بشأن الأرقام الرسمية التي تعلنها الحكومة، وأن الإصابات أكثر بكثير من الأرقام المعلنة.

تلك التكهنات يبدو أنها تلقى رواجاً بين الإيرانيين، وتزيد من إحساسهم بأن الحكومة تتستر على الكثير من الأمور الكارثية فيما يخص انتشار فيروس كورونا في البلاد.

هذه الأكاذيب أفقدت الناس الثقة في النظام

هذا الإحساس من قبل الشعب الإيراني يبدو منطقياً، ففي الآونة الأخيرة اتَّسعت فجوة عدم الثقة بين الإيرانيين وبين حكومتهم بشكل قياسي، وكانت تلك هي النتيجة لمحاولات المؤسسة السياسية إخفاء الحقائق الحساسة في عدد من القضايا.

على سبيل المثال، إنكار النظام الإيراني، لمدة ثلاثة أيام، علاقته بسقوط طائرة الركاب الأوكرانية، ثم اكتشف الإيرانيون في نهاية المطاف أنه تم إسقاطها بواسطة الدفاعات الجوية للحرس الثوري، في أثناء هجومه الصاروخي على قاعدة عين الأسد الأمريكية بالعراق، انتقاماً لاغتيال الولايات المتحدة للجنرال قاسم سليماني.

هناك أيضاً حادثة أخرى، وهي تعنُّت الحكومة الإيرانية إلى يومنا هذا بشأن إصدار أي أرقام رسمية لإحصاء عدد القتلى والمعتقلين في أحداث نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بعد أن قوبلت الاحتجاجات المناهضة للحكومة بسبب تقنين البنزين ورفع الأسعار، بحملة قمع دموية.

تقول آيدا، البالغة من العمر 36 عاماً، وتعمل في مجال الترجمة، لـ “عربي بوست”: “نحن لم نعد نثق في الحكومة بعد الآن، التستر والكذب على الشعب هو نهج النظام، نعلم أن الأرقام الحقيقية بشأن إصابات فيروس كورونا أكثر بكثير من الأرقام الرسمية”.

يشارك الصحفي الإيراني المقيم في قم آيدا مخاوفها، فيقول: “أغلب الناس لا يثقون في الأرقام الرسمية، تركونا للشائعات، والخوف فقط”.

منذ عدة أيام، استضاف التلفزيون الحكومي الإيراني، الدكتور محمد رضا قدير، رئيس جامعة قم للعلوم الطبية، للاستفسار منه على الوضع الراهن.

كان الدكتور قدير أول من أبلغ وزارة الصحة الإيرانية عن الاشتباه في حالات مصابة بفيروس كورونا.

وقال في المقابلة التلفزيونية “إن وزارة الصحة طلبت منه عدم الكشف عن أي أرقام بخصوص الإصابات، وإرسال البيانات إلى وزارة الصحة”.

يقول الصحفي الإيراني المقيم في مدينة قم لـ “عربي بوست”: “في اليوم التالي من مقابلة الدكتور قدير تمت إقالته”.

ولكن بعد الانتشار السريع للفيروس عادت إلى السطح الشائعات التي كانت تتردد بين الإيرانيين، بأن الفيروس كان موجوداً في المدينة منذ شهر يناير/كانون الثاني الماضي.

وكان النائب البرلماني عن مدينة قم، أحمد أمير آبادي، قد زعم أن عدد الوفيات الفعلي نتيجة الإصابة بفيروس كورونا في مدينة قم وصل إلى 50 شخصاً، وأن الحكومة تتستر على هذا العدد.

يقول الصحفي الإيراني المقيم في قم لـ “عربي بوست”، “إنه علم من مصادر طبية في المدينة أنهم أبلغوا وزارة الصحة قبل ثلاثة أسابيع بأنه تم تسجيل 4 حالات وفاة جراء الإصابة بفيروس كورونا، لكن الوزارة طالبتهم بإرسال التقارير الطبية لتلك الحالات، وعدم الإدلاء بأي تصريحات”.

وهناك من انتقد الحكومة لتأجيل إعلانها عن انتشار الفيروس، مرجعاً ذلك لخوفها على المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

وأعلنت الحكومة الإيرانية بشكل رسمي أن حالات الإصابة الأولى بفيروس كورونا، والتي كانت من نصيب مدينة قم، في يوم الأربعاء الماضي، 19 فبراير/شباط 2020.

وكان لافتاً أن الوزارة أعلنت رسمياً عن انتشار فيروس كورونا قبل الانتخابات البرلمانية، التي تم إجراؤها يوم 21 فبراير/شباط، وانتقد بعض أعضاء التيار المحافظ الحكومة بأنها تحاول التأثير على نسبة المشاركة في التصويت، بإعلانها هذا الأمر الخطير في ذلك الوقت.

ماذا عن العاصمة، طهران؟

“كل شيء مغلق في طهران”، حسب مهرداد، المقيم في طهران.

يقول: “في هذا الوقت كنا نستعد لشراء مستلزمات عيد النوروز، والسفر، لكن الآن الكل يخشى مغادرة المنزل”.

تواصل “عربي بوست” مع طبيب يعمل في أحد المستشفيات في طهران، شريطة عدم الكشف عن هويته، ليصف لنا الأمر.

قال الطبيب: “الوضع حرج، ينقصنا العديد من المعدات الطبية، بالأمس انتقلت العدوى إلى طبيب وممرض، هناك عدد من الحالات يُشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا، ولكن طلب منا تسجيلهم بإصابة إنفلونزا ب، لا نريد تخويف الناس، لكن لا بد أن تضع الحكومة خطة لمواجهة الانتشار السريع”.

إذ يقول لـ “عربي بوست”: “لدينا الآلاف من الأطباء والتمريض، نحن أفضل قطاع صحي في المنطقة بالرغم من العقوبات الأمريكية، أنا واثق من قدرتنا على احتواء انتشار كورونا”.

يبرهن الدكتور نبوي على رأيه بقدرة إيران في السابق على احتواء شلل الأطفال في الثمانينات، وتعامُل وزارة الصحة وقت الفيضانات المدمرة التي ضربت البلاد في العام الماضي، في إشارة إلى السيطرة على الأوبئة التي تنقلها المياه في تلك الأوقات.

يقول طبيب أمراض الرئة والجهاز التنفسي، فضّل عدم الكشف عن هويته، لـ “عربي بوست”: “إلى الآن لم أجد أي خطة على محمل الجد من قبل الحكومة، التي ترفض إقامة حجر صحي على مدينة قم، والنتيجة كانت انتشار المرض في أربع مقاطعات، في البداية، والآن وصل الفيروس إلى 11 مقاطعة، نتيجة تنقل الناس من دون قيود”.

ويخشى طبيب أمراض الرئة من أن تصبح إيران بؤرة انتشار للفيروس في منطقة الشرق الأوسط، مؤكداً ضرورة فرض الحجر الصحي، ومنع الرحلات الجوية بشكل قاطع.

ويقول الطبيب: “يجب محاصرة الفيروس بشكل جدي، البلدان المجاورة لإيران مثل العراق وأفغانستان وباكستان ليست لديها رعاية صحية جيدة، وإذا انتشر الفيروس بها فسنكون أمام كارثة جديدة”.

مَن جاء بالمرض.. الطلاب الصينيون، أم التاجر الإيراني؟

ما هو مصدر فيروس كورونا في إيران، وعلى وجه التحديد مدينة قم؟ إلى الآن لا توجد أي إجابة رسمية عن هذا التساؤل، لكن هناك العديد من التكهنات.

ففي يوم الأحد الماضي، صرّح وزير الصحة الإيراني سعيد نمكي قائلاً: “من خلال البحث، فقد أثبتت المعلومات أن أول من أُصيب بفيروس كورونا كان تاجراً إيرانياً من مدينة قم، وسافر إلى الصين عبر رحلات جوية غير مباشرة”.

وسبق وصرحت الطبيبة مينو محرز، عضو لجنة الأمراض المعدية بوزارة الصحة قائلة: “إن السبب في انتشار الفيروس في قم هم العمال الصينيون”.

لكن في يوم الإثنين الماضي، ظهرت رواية أخرى، فقد صرّح مستشار جامعة مشهد للعلوم الطبية، بأن هناك 700 طالب من الصين، كانوا قد جاؤوا في أواخر شهر ديسمبر/كانون الأول، وأوائل شهر يناير/كانون الثاني، إلى مدينة قم للتسجيل في جامعة المصطفى.

جامعة المصطفى، هي أكبر مركز تعليمي للراغبين في دراسة العلوم الفقهية، وتضم حوالي 20 ألف طالب أجنبي.

لكن على وجه السرعة، نفى آية الله علي رضا أعرافي، من كبار رجال الدين في قم، تصريحات المسؤول في جامعة مشهد، قائلاً: “لم يكن عدد طلاب الدين من الصين 700، بل هما اثنان فقط، وتم وضعهما في الحجر الصحي للتأكد من عدم إصابتهما بفيروس كورونا”.

ويرى مهرداد، المقيم بالعاصمة طهران، أن معرفة مصدر الفيروس لم تعد لها فائدة الآن.

ويقول لـ “عربي بوست”: “لا نريد أن نعرف من أين أتى، نعلم أنه من الصينيين الموجودين في إيران، ونعلم أن الرحلات الجوية بين طهران وبكين لم تتوقف، لأن الحكومة تريد الحفاظ على علاقاتها التجارية مع بكين، كل ما نريده الآن أرقاماً حقيقية عن الإصابات، بيانات موثوقة عن الوضع، وجهوداً لإنهاء الأمر”.

روحاني: الأعداء يستخدمون كورونا ضدنا

في اجتماع الرئيس حسن روحاني مع اللجنة الوطنية المشكلة لمكافحة انتشار فيروس كورونا، قال روحاني “إحدى مؤمرات أعدائنا هي نشر الذعر العام من أجل دفع بلادنا إلى التوقف”.

وأكد روحاني أنه لا نية للحكومة لفرض الحجر الصحي على أي مدينة إيرانية، وأنه لا يجب السماح لمشكلة فيروس كورونا في التسبب بتوقف الإنتاج والعمل في البلاد.

ولم يعلن روحاني عن الفترة التي سيتم فيها تعليق الدراسة، وإغلاق الأماكن العامة، قائلاً إن الأمر بيد لجنة مكافحة فيروس كورونا.

 

بتصرف من موقع عربي بوست