الأحد 26 ذو الحجة 1446 ﻫ - 22 يونيو 2025 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

أنباء عن رفات أوستن تايس في سوريا.. شكوك حول التأكيد ودلالات الموقع والتاريخ

لا شك أن الولايات المتحدة تبدي التزامًا قويًا بتأمين حرية مواطنيها المحتجزين في الخارج. ويتجسد هذا الالتزام في نهج متعدد الأوجه يشمل الدبلوماسية، وجمع المعلومات الاستخباراتية، ودعم العائلات، وفي بعض الأحيان، اتخاذ قرارات صعبة تنطوي على تنازلات أو عمليات تبادل. وتظل هذه القضية تحتل أولوية قصوى في السياسة الخارجية الأمريكية.

لقد شهدت سياسة الولايات المتحدة بشأن الرهائن تطورًا بمرور الوقت، متأثرة بأحداث مفصلية وتغيرات في المشهد الجيوسياسي. وفي هذا السياق، يمكن استحضار أزمة الرهائن في إيران خلال الفترة 1979-1981، التي كان لها تأثير كبير على منهجية الإدارة الأمريكية في التعامل مع قضية احتجاز مواطنيها. وقد أفضى هذا التطور إلى تأسيس الخلية المشتركة لاستعادة الرهائن عام 2015، والتي تضم ممثلين عن مكتب التحقيقات الفيدرالي، ووزارة الخارجية، ووزارة العدل، ووزارة الخزانة، ومجتمع الاستخبارات. وفيما يتعلق بمعالجة هذا الملف، فقد تحولت نظرة الولايات المتحدة من مبدأ عدم تقديم تنازلات لإطلاق سراح مواطنيها (مثل دفع فدية أو إطلاق سراح سجناء) لمن يحتجزون أمريكيين كرهائن، وذلك لتجنب تشجيع عمليات الاحتجاز مستقبلًا. ومع ذلك، فقد كسرت الولايات المتحدة هذه القاعدة في الواقع العملي في محطات عديدة، ويُشار هنا إلى الإفراج الأخير عن خمسة أمريكيين من إيران مقابل الإفراج عن أصول إيرانية كمثال بارز، وقد جرى ذلك أثناء ولاية الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن.

في حين أن الجهة الخاطفة تكون في الغالب معروفة، فإن ملابسات اختطاف الصحفي الأمريكي أوستن تايس لا تزال غامضة. وقد ظهرت تسريبات يوم أمس تشير إلى اكتشاف رفات في ريف حلب الشمالي يُعتقد أنها تعود لتايس، إلا أنه لم يصدر أي تأكيد رسمي من واشنطن أو الدوحة بشأن هوية هذه الرفات.
تشير المعطيات المسربة سابقًا إلى أن تايس، الصحفي في جريدة “واشنطن بوست”، اختُطف في 13 أغسطس 2012 واحتُجز عند نقطة تفتيش في ضاحية من ضواحي دمشق، تحديدًا بعد مغادرته ضاحية داريا، بتهمة العمل لصالح وكالة الاستخبارات الأمريكية. وعلى الرغم من أن مقطع فيديو صدر بعد اختطافه بوقت قصير أشار إلى متطرفين إسلاميين، فقد أكدت الحكومة الأمريكية بشكل قاطع أنه محتجز لدى الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها علنًا عن أسره أو عن الفيديو. وعلى الرغم من فترات عدم اليقين، فقد أكدت الحكومة الأمريكية وعائلة تايس مرارًا وتكرارًا اعتقادهما بأنه حي. وذكرت عائلته في ديسمبر 2024 أن مصدرًا موثوقًا أكد أنه على قيد الحياة ويتلقى معاملة جيدة. كما صرح الرئيس بايدن في ديسمبر 2024 قائلاً: “نعتقد أنه على قيد الحياة… نعتقد أننا نستطيع إعادته، لكن ليس لدينا دليل مباشر على ذلك حتى الآن”. يُذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجه رسالة شخصية للأسد عام 2020 يطالبه بالإفراج عن تايس، إلا أن الأخير نفى معرفته بمكان احتجازه.

ورد أنه في أوائل عام 2013 هرب تايس لفترة وجيزة من سجن في دمشق، وزعم سجين سابق أنه احتُجز في زنزانة مجاورة لشخص يُعتقد أنه تايس في عهدة المخابرات السورية في عام 2018. وكانت هناك تقارير عن رؤيته من قبل معتقلين آخرين في وقت قريب من عام 2022. ولم يتم تأكيد الموقع المحدد لاحتجازه من قبل الحكومة السورية علنًا.

من خلال متابعة المعطيات المتداولة، يتبين أن الأمور لا تزال غير واضحة فيما يتعلق بتأكيد هوية الرفات التي وُجدت في ريف حلب، والجهة المسؤولة عن قتله إذا تم التأكد من هويته، وكيف عُثر عليه في تلك المنطقة، وما إذا كان قد نُقل إلى هذا المكان من مكان آخر، خاصة وأن السيطرة في ريف حلب تفاوتت بين نظام بشار الأسد وفصائل المعارضة وداعش. كما أن هناك معطيات ومعلومات تؤكد أنه كان معتقلاً في الفرع 248 في دمشق.

وبالتالي، يمكن اتخاذ العديد من الإجراءات لتحديد تاريخ الوفاة في حال تأكدت الهوية. وفي وقت سابق، تردد أن بشار الأسد يعلم بمكانه، إلا أنه نفى ذلك أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنه عاد واعترف بوجوده مبديًا استعداده لتسليمه. كما وردت معلومات عن أن النظام قد نقله إلى مكان آخر لدى حلفائه قبل سقوط نظامه، في حين أكدت منظمة “هوستيج ايد وورلد وايد” الأمريكية غير الحكومية التي يرأسها نزار زكا ثقتها بأنه كان على قيد الحياة حتى مايو 2024 وفقًا لمعطياتها، دون تقديم أي دليل قاطع.

ختامًا، يبقى الغموض سيد الموقف في قضية أوستن تايس. فبين أنباء العثور على رفات لم يتم تأكيدها، وتضارب المعلومات حول مكان احتجازه ووضعه طوال السنوات الماضية، تتأرجح القضية بين الأمل في الكشف عن مصيره وبين خشية طي صفحتها دون إجابات شافية. إن كانت هذه الرفات تعود بالفعل لتايس، فإن ذلك سيضع حدًا لعقدٍ من الانتظار والقلق، لكنه سيفتح حتمًا أسئلة جديدة ومؤلمة حول ملابسات وفاته والمسؤولين عنها.

كما ان توقيت وطريقة ظهور هذه المعلومات قد يحملان بالفعل دوافع سياسية محتملة وأهدافًا تتعلق بالديناميكيات المعقدة للعلاقات الأمريكية السورية، والصراعات الإقليمية على السلطة، والاعتبارات السياسية الداخلية، ومع ذلك، بدون تأكيد رسمي، تبقى هذه تساؤلات تخمينية.