الأربعاء 16 ذو القعدة 1446 ﻫ - 14 مايو 2025 |

برامج

شاهد آخر حلقاتنا اونلاين

بيئة "الحزب" لم تتفاعل مع تصعيد نبرة نعيم قاسم.. "مش ناقصنا حروب"!

تمرّ البيئة الشعبية الحاضنة لحزب الله بمرحلة تحوّل عميق، تُعبّر عنها حالة من السخط الصامت واليأس المتصاعد، في مشهد يعكس تراجع التأييد التقليدي الذي لطالما شكّل ركيزة أساسية للحزب في معاركه الداخلية والخارجية. فقد مرّ خطاب نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، الأخير مرور الكرام، دون حماسة أو تجاوب من الشارع الشيعي، وهو ما كان يُعدّ سابقًا حدثًا استثنائيًا يلهب الحشود ويجدد التفافها حول الحزب.

لكن الواقع اليوم مختلف، فالأصوات الصادرة من داخل الضاحية الجنوبية لبيروت، كما من قرى الجنوب والبقاع، تكشف عن نقمة غير مسبوقة، مصدرها الإحساس بالتهميش، والانفصال المتزايد بين القيادة الحزبية وقواعدها، هذه النقمة لا تعبّر فقط عن تعب من الحرب، بل عن خيبة أمل من أداء الحزب في ملفات المعيشة، الإعمار، والخدمات، وهي مجالات كان يُنظر إليه فيها كحاضن لا يعترف بالتقصير.

بحسب شهادات محلية عبر “صوت بيروت إنترناشونال”، فإن الأهالي يشعرون بأنهم تُركوا لمصيرهم، وسط تصاعد الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وتوقف شبه كامل للمساعدات والخدمات التي كانت تصلهم عبر قنوات الحزب. الوعود بإعادة الإعمار بعد الضربات التي تلقّتها بعض المناطق خلال المواجهات الأخيرة تبخرت، والمسؤولون الحزبيون يكتفون بالخطابات، دون أي حضور فعلي أو تواصل جاد مع المتضررين.

اللافت أن هذه النقمة لم تعد مقتصرة على الأحاديث الجانبية أو جلسات الضيق المغلقة، بل بدأت تطفو إلى السطح عبر منصات إعلامية ومواقع التواصل، حيث يُعبّر الناس عن شعورهم بالخذلان، لا سيما بعد سنوات طويلة من تقديم التضحيات. كثيرون يرون أنهم أعطوا للحزب ما لم يعطوه لغيره: أبناؤهم في المعارك، صبرهم في الأزمات، وصمتهم في وجه الانهيار، لكن في المقابل لم يتلقوا ما يقيهم الجوع أو يؤمّن لهم حياة كريمة.

ويضيف بعض الأهالي في الضاحية: “نحن لا نطلب المستحيل، فقط نريد أن نعيش. تعبنا من الحروب التي لا تنتهي، من الخطابات التي تعيدنا إلى دائرة التوتر، ومن تحميلنا أثمان الصراعات التي لا نملك فيها قراراً”. هذا الصوت، الذي بدأ يتكرر في أكثر من منطقة، يحمل دلالات عميقة على تصدع العلاقة بين الحزب وبيئته، وهي علاقة تأسست على ما هو أعمق من السياسة: على الانتماء، الثقة، والشعور بالمصير المشترك.

حتى إيران، التي كانت تُعدّ الرافد المالي والداعم الأول للحزب، باتت غائبة عن المشهد، وهو ما فاقم من مشاعر العزلة والخذلان لدى الناس. فبعد أن اعتادوا على الحضور الإيراني القوي، سواء عبر الدعم المالي أو الجمعيات أو المشاريع الخيرية، يشعر هؤلاء الآن أنهم تُركوا يواجهون مصيرهم وحدهم.

في ظل هذا الواقع، يبدو أن حزب الله يواجه تحديًا داخليًا أكبر من أي تهديد خارجي: إعادة كسب ثقة شارعه. ففي بيئة أنهكها الفقر والحرمان، لم تعد لغة “المقاومة” كافية لتبرير غياب أبسط حقوق العيش، ولا الشعارات تعوّض عن المدارس المهدّمة، البيوت التي لم تُعمّر، والأحلام التي ذبلت تحت ركام الأزمات.