عناصر من الحوثيين (أرشيفية- رويترز)
لا تزال ارتدادات التصريح المثير للجدل الذي أطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب تتردد في أروقة السياسة الإقليمية والدولية، لتثير موجة عارمة من التحليلات والتساؤلات حول طبيعة الاتفاق الذي أنهى الضربات الموجهة إلى أذرع إيران في اليمن. فبعيدًا عن الخطابات الرسمية والبيانات الدبلوماسية، يرى مراقبون أن قراءة متأنية لما بين سطور الاتفاق تكشف عن حقيقة دامغة: الاستسلام.
ففي منطق الصراعات الدولية، لا يولد وقف إطلاق النار من فراغ، بل هو نتاج ميزان قوى مختل، حيث يجبر الطرف المهزوم على الرضوخ بعد تلقيه ضربات قاصمة تجعله يدرك عبثية الاستمرار في المواجهة. وهذا ما تجلى بوضوح في اليمن، حيث أجبرت الضربات العسكرية المكثفة الحوثيين على القبول بوقف إطلاق النار، وهو ما عبر عنه ترامب بكلمة “الاستسلام”.
لكن ما هي طبيعة هذا “الاستسلام”؟ وما هي تفاصيل الاتفاق الذي تم بموجبه وقف الضربات؟ تكشف مصادر دبلوماسية مطلعة على بعض تفاصيل الاتفاق، والتي تحدثت لموقع “صوت بيروت انترناشيونال”، عن بنود بالغة الأهمية. فالاتفاق، الذي تم بوساطة سلطنة عمان وبطلب مباشر من إيران، يتضمن تسليم الحوثيين لأسلحتهم، على غرار ما يُطالب به حزب الله في لبنان. كما ينص على انخراط الحوثيين في بناء اليمن كمكون من مكونات الدولة، والعمل تحت جناح السلطة اليمنية الشرعية، وعدم البقاء كقوة خارجة عن القانون. وتشير المصادر إلى أن عدم التزام الحوثيين بهذه البنود سيؤدي إلى استئناف الضربات العسكرية.
وتؤكد المصادر الدبلوماسية أن إيران، عندما وجدت نفسها تحت ضغط كبير، ومع انهيار أذرعها في المنطقة، قررت التخلي عن الحوثيين، على غرار ما فعلته مع حزب الله. وأوعزت طهران إلى الحوثيين بقبول الاتفاق، مهددة بوقف الدعم المالي والعسكري، كما فعلت مع حزب الله. وتأتي هذه الخطوة الإيرانية في سياق سعي طهران لإبرام اتفاق مع الولايات المتحدة، وتجنب أي تصعيد عسكري قد يؤدي إلى تدمير الأراضي الإيرانية.
إن هذه التفاصيل تكشف عن تحول استراتيجي كبير في الموقف الإيراني تجاه حلفائها في المنطقة. فبعد سنوات من الدعم غير المحدود، يبدو أن طهران بدأت في إعادة تقييم أولوياتها، وتفضيل المصالح الوطنية على المغامرات الإقليمية. وهذا التحول يطرح تساؤلات حول مستقبل النفوذ الإيراني في المنطقة، وما إذا كان يمثل بداية نهاية لدور طهران كقوة إقليمية مؤثرة.
كما يطرح الاتفاق تساؤلات حول مستقبل اليمن، فهل سيتمكن الحوثيون من الالتزام ببنود الاتفاق، والانخراط في عملية سياسية سلمية؟ أم أنهم سيعودون إلى مربع المواجهة، مما يؤدي إلى استئناف الحرب؟ وهل ستتمكن السلطة اليمنية الشرعية من استعادة السيطرة على البلاد، وتوحيد اليمن تحت راية واحدة؟.
إن الإجابة على هذه التساؤلات ستحدد مستقبل اليمن والمنطقة بأكملها. لكن المؤكد أن الاتفاق الأخير يمثل منعطفًا هامًا في الصراع اليمني، ويحمل في طياته فرصًا وتحديات كبيرة.