فاجأ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الوسط السياسي بتحديده يوم 9 يناير/كانون الثاني 2026 ، موعداً لانتخاب رئيس الجمهورية ، قبل انتهاء مهلة الـ 60 يوما التي حددها نص اتفاق وقف إطلاق النار بين الدولة اللبنانية ممثلة برئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ومن خلفه “حزب الله” مع إسرائيل بشكل غير مباشر و بناء على اقتراح أميركي أفضى إلى وقف الأعمال القتالية.
لا شك أن التطورات الجارية أن على صعيد الداخل اللبناني ، لناحية خضوع لبنان لرقابة دولية لا بل أميركية مباشرة، بعد وصول الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز الذي سيعمل رئيساً مشاركاً لآلية تنفيذ وقف الأعمال القتالية بين إسرائيل ولبنان على ان يكون آموس هوكشتاين الرئيس المدني المشارك في رئاسة الآلية نفسها لحين تعيين مسؤول مدني دائم، سترخي بظلالها على المشهد السياسي اللبناني، لناحية حرية حركة الأطراف المتصارعة، لاسيما في ما يرتبط بملف رئاسة الجمهورية الذي بقي يدور في حلقة مفرغة منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، نتيجة الشروط التي فرضت من قبل فريق محور الممانعة لناحية الجلوس على طاولة الحوار قبل فتح أبواب مجلس النواب اللبناني، ورغم مساعي اللجنة الخماسية التي ضمت المملكة العربية السعودية ،مصر، قطر إلى جانب فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، إلا أنها لم تستطع تحقيق نتائج تنهي الفراغ الرئاسي.
اليوم انقلب المشهد في الساحة الداخلية اللبنانية وتبعثرت العديد من الأوراق التي كانت بحوزة فريق الممانعة ، انعكست بشكل جلي على مواقفهم فيما يرتبط بشروط انتخاب رئيس الجمهورية، إن لناحية تغييب شرط الحوار، أو التمسك بمرشحهم الأساسي الوزير السابق سليمان فرنجية.
من جهة أخرى لا بد من قراءة المشهد لناحية التحالفات التي قد تنشأ مع هذه المتغيرات لناحية حلفاء الحزب وعلى رأسهم “التيار الوطني الحر” المتمثل برئيسه الوزير السابق جبران باسيل ، الذي بدأ بالابتعاد عن حليفه وهو الذي يعاني أزمة داخلية على صعيد الإقصاءات التي قام بها والاستقالات في كتلته ، وهو ما سينعكس بشكل سلبي على قدرته في المناورة التي اعتمدها مع المحور السيادي بتأييده لمرشحهم الرئاسي الوزير السابق جهاد أزعور، وانسحبت على حليفه “حزب الله” الذي اختار فرنجية كمرشح رئاسي دون ان يقطع “شعرة معاوية” معه ، الا ان اطلالته على احد القنوات العربية في اواخر الشهر الفائت اكد فيها “عدم استمرار التحالف مع “حزب الله”، بسبب اختلافات عديدة وابرزها “حرب اسناد غزة ودخول لبنان في حرب لا قضية ولا هدف لبنانياً لها، انما اندرجت فقط تحت عنوان وحدة الساحات”، مشيرًا إلى أنّه “عندما اتبع “حزب الله” نهج الساحات، أصبح هناك مصلحة غير لبنانية “.
السؤال الذي يطرح إلى اي مدى يمكن للرئيس بري الحفاظ او التمسك بالشروط التي كان فريقه متمسكا بها وهل مازال يملك القدرة على المقايضة في ظل وهن “حزب الله” السياسي والعسكري مع غياب أمينه العام السابق حسن نصر الله والضغط الممارس عليه من المجتمع الدولي، معطوفا على خارطة الكتل النيابية التي تبدلت خلال الاشهر الفائتة .
الا ان الاهم من كل هذه الاعتبارات هو قدرة الكتل السيادية على الاستفادة من هذه المتغيرات وعدم الانجرار الى ملعب المحور لناحية اختيار مرشح رئاسي لا يواكب المرحلة الجديدة ، وتستعاد معها تجربة الرئيس السابق ميشال عون. الامور اليوم رهن الالتزام ببنود الاتفاق من جهة وحراك الكتل من جهة اخرى للاتفاق على اسم مرشح لمواجهة تسوية ما قد تكون فرنسا تسعى اليها تشبه تلك التي كانت تقودها في مرحلة سابقة قبل تشكيل اللجنة الخماسية التي اوقفت الاندفاعة الفرنسية تجاه المحور.