شكل يوم 3 يناير/كانون الثاني من عام 2020 حدثاً مفصليا في تاريخ ما اطلق عليه بـ”ثورة الخميني”، بمقتل قائد قوات “فيلق القدس” التابعة للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ومعه أبو مهدي المهندس في غارة جوية أميركية في محيط مطار بغداد الدولي.
اعتبر مقتل سليماني على الأراضي العراقية التي شكلت البوابة و”طريق الحرير” الإيراني باتجاه سوريا وصولا إلى لبنان، ضربة قاسمة لمشروع ولاية الفقيه الذي كان سليماني العقل الاستراتيجي والعسكري وحافظة خرائطه.
في قراءة لهذا الحدث، لا بد من الإشارة الى ان من اتخذ القرار في ازاحة سليماني من المشهد … هو الرئيس الأميركي حينها دونالد ترامب الذي دق المسمار الاول في نعش ولاية الفقيه، ولم يستطع استكمال ما بدأه لخروجه من الحكم. وهنا يطرح السؤال هل سينهي ترامب ما بدأه عام 2020 في ولايته الجديدة التي سيتسلم ادارتها في 20 يناير من العام 2025 وينزع اجهزة الانعاش عن هذا النظام؟
التغيرات التي حصلت في الشرق الاوسط لاسيما في سوريا التي اسقط شعبها حكماً وحشياً ارتكب الجرائم داخل سوريا وخارجها، بعثرت الحلم الايراني وقطعت الشريان الحيوي الذي يغذي ميليشياته، فهل انتهى النفوذ الايراني في سوريا بعدما عزز بنيته العسكرية والمجتمعية على اراضيها؟!
الكاتب الصحافي السوري ضياء قدور يرى في حديث لموقع “صوت بيروت إنترناشونال” ان هذا النفوذ لم ينته قطعا، لكن يمكن القول انه تم الانتهاء من الوجود الإيراني الذي يشكل تهديد استراتيجي ، الا ان ما بناه وصنعه هذا النفوذ من اسس عسكرية ومجتمعية ودينية ما يزال ربما قائما ويشكل تهديد لا يرقى الى تهديد استراتيجي.
عمليا عملية “ردع العدوان” كانت قد وضعت في اولويات مهامها اقتلاع النفوذ الايراني من سوريا ، وبالفعل هذا ما حصل ، وأثبتت التقارير والتصريحات الروسية ، ان ايران التجأت الى روسيا من أجل سحب أكثر من 4000 من جنودها وميليشياتها ووكلائها متعددي الجنسيات عبر مطار حميميم وعدد من النوافذ الجغرافية المختلفة سواء عن طريق لبنان او العراق.
بطبيعة الحال يعتبر قدور ان هذا الوجود يخلق تحديات كثيرة بالنظر للتهديدات التي يطلقها علي خامنئي المرشد الاعلى للنظام الايراني، وموقفه السلبي تجاه الحكومة السورية الجديدة ، وهو امر يشكل تحدي كبير لها في مواجهة فلول هؤلاء الذين قد يشكلون عائقاَ امام تقدمها وعامل لعدم الاستقرار الامني، رغم فقدانها للرأس الذي كان يقودها والغطاء العسكري وسط انهيار كبير في صفوفها.
بالنسبة لتصريحات خامنئي الاخيرة التي نكر فيها وجود ادوات لايران وهي لا تحتاج الى وكلاء ن هناك تصريحات جديدة له ابدى فيها معارضته للحكومة السورية الجديدة ووصفهم بالمشاغبين ، ودعا ما وصفهم بالشباب السوري الغيارى للانتفاض على الحكومة . هذه التصريحات وفق قدور منفصلة عن الواقع ولا تعبر عن الخسارة الاستراتيجية التي مني بها نظامه مع اسقاط نظام بشار الاسد عسكرياً. فعليا كان نظام الاسد يشكل حلقة استراتيجية مهمة في شبكة الوكلاء الايرانيين، وخسارته ستفتح الباب واسعا امام تهديدات مستقبلية في الداخل الايراني وستسقط كل احجار الدومينو التي لن تتوقف عند دمشق وستصل الى طهران.
يرى قدور ان هناك اضطراب في الموقف الايراني، فتصريحات وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي التي وصف بها المعارضة السورية بالشرعية وبعض التصريحات للرئيس الايراني مسعود بازكشيان، وقد تكون تصريحات لا تعبر عن الموقف الحقيقي لايراني انما محاولة لتعويض نفوذه الذي سقط، من ابواب اخرى لناحية تقديم مساعدات للحكومة الجديدة . فعليا يمكن اعتبار سوريا افشل ملف قادته ايران في السياسة الخارجية، وهي التي دفعت الكثير من الاستثمارات العسكرية واللوجستية لابقاء هذا النظام على قدميه ، لكن في النهاية سقط النظام في اقل من 10 ايام مع كل ما بنته ايران على مدى سنوات.
وبالعودة الى كلام خامنئي في وقت سابق عن تراجع تكتيكي يهدف في بعض الاحيان الى ان يكون تطويرا لتكتيك ما ، يعتبر قدور انها جزء من المراوغة الايرانية لخداع الداخل الايراني ، للايحاء بان طهران مازالت تمتلك النفوذ في سوريا ، ولم تذهب الاستثمارات والاموال التي دفعت هباء، لاسيما وان هناك انتقادات واسعة لعدد من المسؤولين الايرانيين للنظام الحاكم بعد سقوط الاسد ، لناحية عدم فائدة التدخل في سوريا الذي لم يصب في صالح المصالح الايرانية.
وبالسؤال عن سرغياب اسماعيل قاآني عن المشهد السياسي ، يرى قدور ان دوره قد انتهى ، لان شبكة الوكلاء الإيرانيين التي كان يقودها، تعرضت لضربة مميتة كما ان هناك شبهات دارت حوله ، وهذا ما يفسر غيابه وظهوره من جديد . وفي ظل غياب ما يطلق عليه الإيرانيون بـ”العمق الاستراتيجي” لن يكون هناك العديد من المهام التي ستوكل لقاآني.
اما بالنسبة لضرب المشروع النووي الايراني، فوفق قدور لم يعد يحتمل العديد من التأويلات، لاسيما وان هناك تصريحات واضحة تخرج من اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية، بأن هناك اصرار من رئيس الوزراء الاسرائيلية بنيامين نتنياهو وحكومته على استهداف المنشآت النووية الايرانية، وقد يكون الوقت الحالي الافضل لتنفيذ هذه الضربة ، مع انحسار النفوذ الايراني في المنطقة وفقدانها عمقها الاستراتيجي، اضافة الى ان الضربة الاسرائيلية الاخيرة، دمرت الكثير من الدفاعات الجوية في ايران، اضف الى ذلك ان الضربات الاسرائيلية الاخيرة على سوريا دمرت عدد كبير من الدفاعات الجوية الايرانية المهمة ، وهذا ما يجعل الاجواء السورية مفتوحة امام الطيران الحربي الاسرائيلي وبالتالي العراق، وهذا يعني ان المسار باتجاه ضرب المفاعلات النووية قد يكون مفتوحا ، وقد يكون لوصول ترامب عاملا في تقديم مساعدة عسكرية للقوات الجوية الاسرائيلية، لناحية تقديم ذخائر خارقة للتحصينات لضرب المشروع الايراني .
يختم قدور كلامه بالتأكيد على ان ايران تعيش فعليا حالة تخبط لا ينحصر بالتصريحات، انما يظهر فعليا على ارض الواقع، فهي تخسر رويدا رويدا كل الحلقات الاستراتيجية المهمة في شبكة وكلائها الاقليميين وعمقها الاستراتيجي.
فالاستهداف الاسرائيلي للحوثيين كان موجعا في الفترة الاخيرة، وهناك ترجيحات الى ان العراق سيكون الجغرافيا التالية لاسرائيل باستهداف الميليشيات العراقية.
بالتالي فان ايران تنظر الى ان الاقليم بات يخرج بالتدريج من تحت سطوتها وهيمنتها، وهذه الخسائر التي منيت بها وما زالت ستجعلها تتراجع وتنحسر الى داخل حدودها لمواجهة الغضب الداخلي في ظل ازمة اقتصادية لا يمكن التعامل معها.