الملف النووي الايراني
في ظل التوترات المتصاعدة في المنطقة، تُظهر الأحداث الأخيرة أن إسرائيل تتبع منهجية دقيقة ومدروسة للغاية في توجيه ضرباتها ضد إيران. هذه الضربات لم تكن عشوائية، بل كانت تهدف إلى شل قدرات إيران النووية والعسكرية بشكل فعال.
وفي هذا السياق، يكشف الدكتور علي الفتال، المهندس والخبير في مجال المفاعلات الكيميائية بإحدى شركات الطاقة الأميركية، أن إسرائيل قد تبنت نهجًا دقيقًا ومدروسًا للغاية في ضرباتها الأخيرة ضد إيران. هذه الهجمات لم تكن عشوائية، بل كانت موجهة بفاعلية لشل القدرات النووية والعسكرية الإيرانية.
بدأت الضربات الإسرائيلية باستهداف المنشآت النووية وكل من له علاقة بها من علماء وقادة عسكريين. رغم أن إسرائيل لم تتمكن من تدمير كل التحصينات، التي قد تحتاج إلى قدرات أمريكية خاصة لاختراقها، فإن جهودها الاستخباراتية كانت مثيرة للإعجاب. استهدفت إسرائيل القيادات العسكرية والعلماء النوويين في نفس الوقت. بعد ساعات قليلة، قُصف قسم الهندسة النووية في إحدى الجامعات الإيرانية. هذا لم يكن مجرد إتلاف للمراجع، بل كان تحذيرًا واضحًا للباحثين بأن من يسلك هذا الطريق سيتم رصده واستهدافه. بعد تحييد الجانب العسكري والعلمي، اتجهت الضربات نحو المنشآت النووية نفسها. هذا التسلسل الدقيق يؤكد وجود تخطيط مسبق ومحاكاة لعدة سيناريوهات قبل التنفيذ.
بخصوص الخسائر، يرى الفتال أن منشأة نطنز دُمرت حوالي 90% من قدراتها التشغيلية، وسيكون من الصعب جدًا أن تعود للعمل بكامل طاقتها قريبًا. بالنسبة لباقي المنشآت، يتوقع أن تكون بنفس مستوى نطنز. الضربات كانت تكتيكية ومصممة بعناية لشل أي جهود تشغيلية أو إعادة تأهيل. أما أصفهان، وهو موقع سري كان الفتال أول من تحدث عن أهميته الاستراتيجية، فقد استُهدف مؤخرًا. هذا يؤكد أن تركيز الضربات واختيار الأهداف دُرِسَ بعناية فائقة.
بشأن الحديث عن التلوث الإشعاعي وخروج إشعاعات من نطنز، يوضح الفتال أن الأخبار التي تحدثت عن ذلك كانت تشير إلى تلوث داخلي ضمن المنشأة. في الواقع، كل نشاط إشعاعي يتم احتواؤه داخل كل موقع. بمعنى أن الضربات الإسرائيلية صُممت لاحتواء النشاط الإشعاعي وتحييده. أي تهويل خلاف ذلك هو مجرد محاولة لإثارة الهلع بين الناس في إيران والخليج، وهي إحدى خدع النظام الإيراني.
حول مصادر إطلاق الصواريخ الإيرانية، يقول الفتال إنه مما شاهده مؤخرًا، كان هناك إطلاق من العراق. لا يمكن الجزم إن تم الإطلاق من اليمن بشكل مباشر، لكن هناك أخبار بوصول شحنات صواريخ ومسيرات إلى مليشيات في العراق. وإذا وصلت مثلها للحوثيين، فسيكون ذلك عبر سلطنة عُمان، وإلا يصعب وصولها. توجد أنفاق في طهران تضم صواريخ، وإسرائيل تدرك ذلك. يعتقد الفتال أن هناك رغبة إيرانية في جر أمريكا لضرب هذه التحصينات. وفي النهاية، يتوقع أن الولايات المتحدة ستتدخل، لكن على الأرجح بعد تشاور دولي أو ضمن تحالف دولي، لأن سياسة الرئيس دونالد ترامب تميل إلى رفض أن تكون أمريكا هي صاحبة المبادرة دائمًا وتتحمل مصاريف فعاليات تفيد أطرافًا أخرى. ويعتقد الفتال أن التحصينات قد تم مهاجمة عدد منها بالطيران الإسرائيلي، مدعومًا بإمداد جوي.
فيما يخص الحديث عن فوردو، وهو موقع كان الفتال أول من تحدث عن أهميته الاستراتيجية، والآن هناك أنباء عن محاولة إسرائيل إنهاءه، فإن استهداف نطنز بهذه السرعة والقوة في بداية الضربات كان لضمان عدم التخصيب. يعتقد الفتال أنه تم تحويل إحدى معدات الطرد المركزي إلى نطنز لتخصيب اليورانيوم، وهذا هو السبب الأكثر احتمالًا لهذه الضربة القوية. ليس بالضرورة أن يتم تدمير المنشآت تحت الأرض بالكامل. يكفي ضرب أنظمة التهوية والأنفاق المؤدية إليها ليتم دفنها في موقعها جراء انهيار الصخور المحيطة. في وجهة نظره، الوصول المباشر إلى فوردو قد لا يكون مجديًا، يكفي ضرب الأنفاق المؤدية إليه وفتحات التهوية بضربات مؤثرة لدفنه بأطنان الصخور المحيطة به. أما فيما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” بأن برنامج طهران على حاله بعد الضربات، فلا يعتقد الفتال أن كلامهم صحيح. فالمؤشرات تدل على فقدان البنى التحتية والعقول اللازمة للتنفيذ. تم استهداف عقول عديدة، ومنهم من تم اغتياله بعيدًا عن الإعلام. البنى التحتية في نطنز هي الأكثر اعتمادًا، وتدميرها بهذا الشكل يضعف البرنامج بشكل كبير.