منذ اعلان فوز قائد الجيش اللبناني جوزاف عون برئاسة الجمهورية، انشغلت الاوساط السياسية والاعلامية بالاسباب التي دفعت الثنائي الشيعي للتصويت لقائد الجيش في الدورة الثانية والتي نال فيها 99 صوتاَ في حين انه حصل على 71 في الدورة الاولى ، بعدما رفع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الجلسة الاولى على ان تستكمل الجلسات بعد ساعتين.
شكل هذا الفوز مادة تجاذب بين جميع الاطراف ، فكل طرف ينسب هذا الفوز لنفسه لتبرأة ساحته مما وصلت اليه الجمهورية بفعل المحاصصة والفساد وخوض المغامرات التي دمرت لبنان حجرا واقتصادا ووضعته على اللائحة الرمادية ، وعزفت الدول العربية والخليجية عن مد يد المساعدة لطبقة سياسية هدرت كل ما وهب للبنان عبر الصناديق العربية والدولية .
اليوم وسط التحولات الدولية والاقليمية ، لا يمكن للبنان ان يكون خارج هذه المتغيرات ، وابرزها سقوط نظام وصاية آل الاسد الذي اعتبر لبنان بمثابة محافظة يديرها من خلال عملائه في مناصب الدولة من الرئاسة الاولى وصولا الى المناصب الادنى ، وما اسهم في انتعاش هذه الوصاية وصول المد الايراني الى شواطىء الشرق الاوسط من خلال عبوره عسكريا وسياسيا واجتماعيا عبر العراق مرورا بسوريا وصولا الى لبنان.
لعل الرد الفعل الايراني الذي جاء على لسان السفير الايراني في لبنان مجتبى أماني عقب فوز قائد الجيش بانتخابات رئاسة الجمهورية ، باعتباره ان “هناك مثلث ذهبي جيش شعب مقاومة وهذا المثلث يجب أن يستمر والمقاومة جزء من لبنان” ، ربما فات الرئيس الايراني متابعة نص خطاب الرئيس عون وخارطة طريق ولايته ، متعهدا بممارسة دوره كقائد أعلى للقوات المسلحة وكرئيس للمجلس الاعلى للدفاع بحيث سيعمل من خلالهما “على تأكيد حق الدولة احتكار حمل السلاح” ، وعلى “مناقشة سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية أمن وطني على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكن الدولة اللبنانية ، اكرر الدولة اللبنانية من ازالة الاحتلال الاسرائيلي ورد عدوانه عن كافة الاراضي اللبنانية”.
ما ورد في نص خطاب الرئيس عون لناحية احتكار الدولة للسلاح وحماية حدودها يشكل اطارا جديدا للحياة السياسية في لبنان لاسيما فيما يرتبط بالبيان الوزاري للحكومة المقبلة ، لكن الخطوة الثالثة التي ستلي المحطتين الاساسيتين في اعادة هيكلية الجمهورية بدءا من انتخاب جوزف عون للرئاسة وخطاب القسم الذي تضمن برنامجه الانتخابي لولايته ، ستكون الاستشارات الملزمة لتسمية رئيس الحكومة والوزراء بعيدا عن التجاذبات والمحاصصة التي فرضت نفسها بعرف الوصاية الخارجية ، ومنعت ولادتها قبل توزيع الحصص . بناء على ما سينتج عن تلك الاستشارات مرورا بالفريق الحكومي وصولا الى البيان الوزاري المفترض ان لا يكون العقدة التي تمنع منح الثقة للحكومة ، لناحية ثلاثية “جيش شعب مقاومة” .
الاسبوع المقبل سيكون لبنان على موعد مع الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار رئيس الحكومة وسيكون محطة مفصلية يمكن من خلالها فك طلاسم الوقت المستقطع بين الدورة الاولى والثانية والتسريبات التي تحدثت عن شروط او ضغوط املت على الثنائي التصويت لقائد الجيش.